قميص شكري!!؟
2022 ,09 آذار
*د.خالد شوكات: صوت العرب – تونس. 
اليقين عندي أن من خطط لاغتيال الشهيد شكري بلعيد ونفذه في 6 فيفري 2013، هو نفسه الذي خطط لاغتيال الشهيد الحاج محمد براهمي بعد ذلك بأشهر قليلة، ونفذه يوم 25 جويلية 2013، فقد كان هذا الطرف يراهن على تفجير فتنة حمراء قانية تدفع بتونس الى حرب أهلية تفسد تماما مسارها في الانتقال الديمقراطي، مثلما فعل في سوريا واليمن وليبيا، لكنّهُ لمّا لم ينجح لحكمة حضرت لدى غالبية التونسيين عزّز الاغتيال الاول باغتيال ثانٍ، وفشل كذلك في تحقيق غايته الخبيثة، باختيار القوى السياسية الذهاب الى حوار وطني أنقذ البلاد والعباد والدولة من الدمار. 
هناك أطراف عديدة، خصوصا في منطقتنا، كان لديها تصميم على عرقلة مسار الانتقال الديمقراطي منذ انطلاقه، وقد سخّرت هذه الاطراف امكانياتها المادية لذلك ولم تبخل يوما على أهل الفتنة وما تزال، بالمال والإعلام وبالمرتزقة الذي ينقلون من بلد الى بلد ومن المشرق الى المغرب والعكس بغية التخريب والتدمير وتنفيذ المخططات المشبوهة والخبيثة. 
لكن عدم النجاح في دفع تونس الى الفتنة حينها بفعل الاغتيالين، لا يعني يأس أصحاب المشروع منه، فتحويل الحادث الى "قميص شكري" يمكن ان يحقق المراد منه ولو بعد حين، فالشهيد شكري بلعيد رحمه الله الذي ترشّح لانتخابات 2011 ولم يجد أكثر من ألف ومائة صوت له اليوم مليونا ومائة الف صوت ينادون بالثأر له، في موقف يشابه تماما "قميص عثمان"، حيث تطلّ الفتنة برأسها، فالخليفة المغدور رض الله عنه عندما طلب الحماية من جيوشه في الأمصار لم يجد الا نفرا قليلا من الانصار، لكنّهُ بعد الاغتيال وجد جيوش الشام ترفع قميصه وتطالب بالقصاص من قتلته، ولم يكن القصاص الا حجّة لتقسيم الامة والإجهاز عليها. 
جلُّ الذين يرفعون صور الشهيد شكري اليوم لا يريدون العدالة، لان من يريد العدالة لا يحل محل القضاء ولا يسبق الى الحكم والادانة ولا يطالب بنتيجة مسبقة معلومة لديه، إنما يريدون رأس عدو ايديولوجي كان ساعة الاغتيال يحكم البلاد وهو ابرز المتضررين منه، فهل يقوم طرف حاكم بفعلٍ يهدف الى تقويض حكمه وزعزعة استقراره، ولكن ماذا يمكن ان يفعل إنسان مع جماعة "معزة" ولو طارت، وقاتلك قاتلك..
ولو أردنا فعلا ان نكون اوفياء لدم الشهيدين اللّذين سقطا فداء للانتقال الديمقراطي، لعملنا ما بوسعنا لاستكمال هذا المسار وكسر الانقلاب عليه، حتى لا يضيع دمهما ودماء شهداء الثورة من قبلهما هباءًا، أما المساهمة في دفع البلاد الى مربع العنف والفتنة واعادة تونس الى نادي المستبدين فلعمري هي اكبر خيانة للشهيدين وأعظم إساءة لروحهما الطاهرتين.
**كاتب عربي ووزير سابق من تونس.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون