نحب الكتاب كما لا يحب الكتاب أحد .
2021 ,08 كانون الأول
 أسماء الشرقي: صوت العرب - تونس.
 
في زمن عصفت فيه العولمة بعقول الكبار  قبل الصغار وألغت شبكات التواصل الاجتماعي وعوالم الهوامات الضوئية مساحة التفكير والهدوء من عقول مجتمعات عدة ... فصار الكتاب غريبا باردا بين الرفوف واللغة جامدة جمود الألباب والهِمم وأُشيعت في المُقابل، ثقافة التمويه والتسطيح وطمس الهوية.
وأمام هذا الجدب الفكري والحرب الضروس ضد ثقافة المطالعة أُعلنَ التّحدي في تونس وتحديدا في رحاب الإدارة العامة للمطالعة ، وتحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية التونسية انطلقت منذ بداية السنة الحالية مسابقة البطولة الوطنية للمطالعة في نسختها التونسية والعربية الأولى من نوعها فكانت حلما وُلدَ كبيرا شعاره معا لنعيد ألق الكتاب في زمن الرقميات والتّلقي الفطير.
أما  أهدافه المباشرة فتمثلت في  مزيد تمتين العلاقة بين القارئ والكتاب والعمل على انخراط العائلة في الفعل الثقافي باعتبارها النسيج الأسري الأول الذي يشكّل شخصية الطفل, إلى جانب إدماج كل الفئات  الممنوعة من التواصل الثقافي لدواع شتى في التجربة من خلال الدعو وإعادة التأهيل.وتسليط الضوء على الدور الاساسي للمرفق الثقافي العمومي كمحرك ومحفز للفعل الثقافي الجهوي والوطني.
انطلقت التصفيات على المستوى المحلّي ثم الجهوي في كامل مقرات المكتبات الجهوية بالبلاد، حيث ارتأت لجان التحكيم- المتُألفة من خبرات تربوية وثقافية - اختبار المشاركين في هذه التظاهرة وذلك من خلال قراءاتهم ومطالعاتهم التي تخضع لتقييم دوري حسب جواز كل مشارك يتنمي إلى فئة عمرية معينة  .والجدير بالذكر أن عدد المشاركين في بداية التصفيات بلغ حوالي مائة وثلاثين ألفا متباريا ، كما تم رصد ثمانمائة وأربعة وثلاثين ألف    كتابا تمت مطالعته على مستوى كل الفئات العمرية المشاركة . 
وهو رقم قياسي لم تشهده الساحة الثقافية التونسية من قبل، و هذه المرحلة تحديدا تُعدّ انتصارا فارقا في درب الفكرة ومسار الهدف المنشود.
وقد أفرزت التصفيات النهائية التي تأخر موعد إعلانها بسبب جائحة كورونا المستجدة، عن ترشح ألف وأربعمائة وأربعين مشاركا من مختلف الأعمار والفئات دون سقف محدد لسن المتباري, بمعدّل ستّون مشاركا عن كلّ ولاية (محافظة).
وما هو مميز في هذه التصفيات أنّ القارئ والمقروء تغلغل في كل الأفضية والمقرات الأسريّة والتعليمية وكذلك ما وراء القضبان ونقصد بذلك مقرات السجون، حيث انخرط في هذه المسابقة ثمانية وعشرون مؤسسة سجنية وترشح للنهائي اثنان واربعون سجينا 
وكان يوم 04  نوفمبر   2021 موعد اختتام هذه البطولة العملاقة بفضاء قبة رادس بتونس العاصمة ،أين اجتمعت العائلات التونسية من مختلف جهات الجمهورية لمرافقة أبنائهم  وتشجيعهم  ، وقد تجاوز عدد الحضور الثلاثة ألاف  ،إلى جانب المترشحين والطاقم المنظم المرافق  . وقد أشرف على فعاليات هذه البطولة الوطنية المتفردة لجنة علمية مختارة ولجان تحكيم جهوية  قام أعضاؤها بإصلاح الاختبارات ومراقبة سير العملية .
كما  مثلت هذه التظاهرة مناسبة هامة لتعاضد جهود العديد من الوزارات المهتمة بالشأن الثقافي والتربوي والاصلاحي في البلاد على غرار وزارات التربية والتعليم العالي والعدل. واختتمت البطولة بالإعلان عن  أسماء الفائزين بالمراتب الأولى والثانية والثالثة من مختلف الفئات العمرية المشاركة وعلى مستوي كامل جهات المكتبات الجهوية .وقد كان الحفل بهيجا بحضور ممثلي كل الوزارات المذكورة وتحت اشراف السيدة وزيرة الشؤون الثقافية التونسية والسيد مدير المطالعة العمومية ، الذي يعود له الفضل في اطلاق هذه التظاهرة التاريخية وتحقيق حلم لم نكن لنراه على أرض الواقع لولا جهوده ومن معه من محبي الكتاب والثقافة عامة .  ويتواصل التحدي نحو الأفضل استعدادا"لنزهة قراءة جديدة في مدارات الإبداع الأدبي" وبطولة وطنية متجددة وألق مختلف أكثر دقة وحرفية .ويبقى الهدف واحدا لا يحيد عن المنشود . 
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون