#المسرح الأهلي في الخليج .. آلياته الفنية والادارية والاقتصادية..
2024 ,14 تشرين الأول
 يوسف الحمدان :صوت العرب - البحرين.
مدخل
الإنتاج المسرحي ..
كيف نفهمه في مسرحنا الخليجي؟ إنه تمويل العرض المسرحي ماديا.. هكذا نفهمه... مؤسسات الانتاج في مسارحنا مهمتها الرئيسية تمويل العروض المسرحية ماديا والاشراف على مخازن أو مستودعات العروض المسرحية ..
مفهوم الانتاج المسرحي يضيق لينحصر في التمويل فقط ، والتمويل يتسع ليشمل الانتاج المسرحي برمته، وتختلط المفاهيم إلى الحد الذى يغيب فيه دور منجز العرض المسرحي، دور منتج العرض المسرحي، المخرج ، الممثل ، السينوغرافي..
 إدارات الانتاج المسرحي مهمتها السائدة في مسرحنا محاسباتية وليست خططية مستقبلية كما يفترض أن تكون عليه، خططية بمعنى أن لا تقف عند راهن العرض المسرحي وما يتطلبه من احتياجات آنية، بل تتجاوزه لتنعطف به نحو قراءة أفقية لمستقبل المسرح .
 أنا أفهم الانتاج المسرحي كأساس معملي حضاري يدفع المسرح نحو ذهابات إبداعية تراكمية مغايرة مؤثرة ، ودون اعتباره كهكذا أساس لا يمكن الحديث عن المسرح كضرورة إنتاجية فاعلة .
المسرح إذاَ إنتاج بالدرجة الأولى والانتاج ديناميكية تتماهى وروح المسرح، والمنتج في المسرح لا بد وأن يكون من صميم قلب العملية المسرحية، بل يعتبر من أهم الفاعلين فيها على مستوى التجربة المعملية وعلى صعيد التنظير لها وعلى صعيد الإحاطة براهنها ومستقبلها، أنا أتحدث عن المنتج المسرحي وليس ممول العرض المسرحي .
إذاَ المنتج في المسرح هو ترمومتر تحولات الفرقة المسرحية وتطورها، وعندما نتحدث عن المنتح المسرحي فإننا نستقصى أفق الرؤية التأسيسية للمسرح الأفق الذي يتشكل باعتباره استكشافا طرديا معززا بالبحث والعثر أو منبثقا منهما لكل ما من شأنه خلق قنوات فاعلة راسخة متجددة مستقبلية في المسرح، وطرح أسئلة مؤرقة قلقة تنفتح على العالم ولا تضيق بالمسرح أو تنحصر في الاجابة على ما هيته، فهل نستطيع أن نتحدث عن هكذا منتج والخلط في مسرحنا لا يزال قائما بين اعتباره رؤية استقرائية للمسرح كفكر تجسيدي وبين اعتباره ممولا ماليا للعرض المسرحي في آنيته؟ .
السائد في مسرحنا يدعونا للوقوف عند المنتج والممول أو المشرف على تمويل العرض المسرحي ، فما هو دور هذا المنتج الذي تنضوي تحت عباءته الفرقة المسرحية وماذا تراكم في المسرح من إشكاليات بفعل ترخنته كإجابة حاسمة اتفقت عليها أغلب فرقنا المسرحية منذ أمد بعيد ، إجابة لم تحاور ولم تساءل منذ تأسست أول لجنة مالية في مؤسساتنا المسرحية ؟ وإذا كانت هناك ثمة مساءلة فهي لا تتجاوز حدود ما المتبقي والوارد في بيت المال بعد الإنفاق ؟  مساءلة، تنأى بعيدا بالمسرح عن دوره التفعيلي والتجسيدي ، وفي غياب المحاورة والمساءلة يتمحور دور المنتج والإنتاج في مسرحنا ، الدور الذي يغيب بحكم غياب مسئوليته الفكرية إزاء الإنتاج المسرحي الفاعل ، دور المتصدي الأول للعرض المسرحي ، وأعني به المخرج المسرحي ، هنا يصح دور المخرج تابعا ، محكوما بشروط المنتج المحدودة والقهرية ، وعليه يبقى دور المنتج هو المسئول الأول عن محدودية العرض المسرحي ، خاصة ما إذا كان المخرج محدود الرؤية ، فقير الوعي ، ناضب الأسئلة ، وإذا كانت هناك ثمة استثناءات اخراجية منجزة تنفذ ببعض رمقها من فك هكذا منتج ، فهي مرصودة محاصرة عاجلا أم آجلا بقيود نظام المؤسسة التي تأسر في حلقاتها كوابح الإنتاج المسرحي الفاعل ، خاصة ما إذا كانت هذه الاستثناءات الإخراجية غير مهيئة كفاية للتأثير في فريق المؤسسة ، وغير معضدة بتطلعات أصحاب القرار الأساسي في المؤسسة .
ولأن دور المنتج منفردا أو مندغما في كيان مؤسسته المسرحية آنيا غير معنيا إلى حد بعيد بضرورة الآن هنا مسرحيا ، رؤيويا ، بقدر اهتمامه بضرورة تلبية دوافع دخْـلية صرفة يقتضيها العرض المسرحي ، فإن المتحصل إنتاجيا لا يتجاوز حدود المراوحة في بؤرة الغياب ، أي أن المراوحة عند هكذا آني لا يمكن أن يتخلق كتراكم إنتاجي تفعيلي مؤثر مسرحيا ورؤيويا . 
المسرح الأهلي .. إشكاليات 
إن الإتكاء على هكذا منتج ـ هكذا إنتاج ـ آل بمؤسسات الإنتاج المسرحي الخليجي ـ مسرح دولة ـ مسرح أهلي ـ مسرح خاص ، إلى إشكاليات عمقت هذا الاغتراب بينها وبين ما ينبغي أن يكون عليه الإنتاج المسرحي رؤيويا ، الإنتاج الصادر عن وعي بدور وأهمية المسرح كفن معملي صعب ومركب ومؤسس ومؤثر وفاعل ، ولعلنا نلحظ تداخلا إشكاليا فاضحا بين هذه المؤسسات الإنتاجية الثلاث حينما نعرف فحوى كل مؤسسة من هذه المؤسسات أفراد يمارسون الأدوار كلها في المؤسسة الواحدة من هذه المؤسسات ، ففي المسرح الأهلي مثلا أفراد في المسرح الخاص ، ولديهم مؤسسات خاصة وهكذا في بقية المؤسسات الأخرى ، أليست هذه إشكالية ؟ .
ومحاولة لقراءة هذه الإشكاليات التي اعتمدتها هذه المؤسسات الإنتاجية والمتداخلة فنيا وإداريا واقتصاديا ومدى علاقتها بالجهات المعنية بها ، سنرى التالي : 
ـ ذهاب هذه المؤسسات ـ كهدف أساسي ـ إلى المتفرج باعتباره زبونا في سوق استهلاكية ، والوقوف عند احتياجاته الاستهلاكية باعتبارها مادة مهمة وأساسية للعرض المسرحي ، لم تكن هناك وقفة متأملة عند احتياجاته الروحية والإنسانية ، لم تكن هناك قراءة كافية لدوافع احتياجاته الاستهلاكية ، الأمر الذي يجعل هذا الذهاب متماهيا في توجهه مع هذا المتفرج الزبون ، ويجعل من هذه المؤسسة محلا تجاريا لا يختلف عن بقية المحلات التجارية الأخرى الموجودة في السوق ، إنه ذهاب يسهم في تقليص دور المؤسسة المسرحي ويؤكد وقوف هذه المؤسسة على أساس هش .
ـ اعتبار هذه المؤسسات المادة التي يعرضونها مسرحيا ، سلعة لا تختلف عن سلع السوق، سلعة يعرفون أي المواسم أنسب لعرضها، وأي الباعة أقدر على عرضها ، يعرفون الموسم الذى يتكالب فيه الناس على السوق ، وأي السلع أقرب لذائقتهم ، وعليه تصبح المادة المسرحية خارج دائرة الجهد الفكري والبعد الجمالي والمعطى الفني التجسيدي ، وكم من النصوص العالمية المهمة والعميقة والمتميزة مسرحيا أخضعت بفعل هذا الاستسهال وهذه اللامسئولية إلى سلع أرخص من أرخص السلع الموجودة في السوق ، وهنا بالتحديد يأتي دور المؤسسة الإنتاجية ماليا ورقابيا . 
- رقابيا بمعنى أن لا تجازف المؤسسة الانتاجية بعرض مسرحي يتنافى ومتطلبات زبائن السوق ويعرِّض المؤسسة لدخل مواز للإنتاج أو لخسائر متوقعة، فالنص مثلا الذي يطرح فكرا عميقا ورؤية فاعلة لا يمكن عرضه، لان إدارات الإنتاج بفعل تكريسها سلعة السوق تدرك أي النصوص أكثر قابلية للذائقة، ويصل الأمر بها أحيانا إلى فرض شروطها على مؤلف النص أو المعد، كأن ينبغى أن يكتب النص باللغة الدارجة أو يحول النص المكتوب بالفصحى إلى نص مكتوب باللغة الدارجة، فجمهور السوق في رأيها لا يتعاطى الفصحى تماما، وفعلا تم تكريس هذا الشرط الى الحد الذي صار فيه كثير من المتفرجين لا يتعاطون عرضا غير مكتوب باللغة الدارجة، ولعلنا نلحظ أن أكثر العروض المسرحية رواجا وأطول فترة عرض هي العروض المؤداة باللغة الدارجة، أما العروض المؤداة باللغة الفصحى فهي أقل رواجا وأطول فترة عرض وأقل استقبالا لدى مؤسسات التسويق والتوزيع، وأقل اهتماما، وحتى اللغة الدارجة ليس بطبيعة الحال أية لغة، وإنما المقصود هنا لغة السوق، اللغة اليومية، اللغة الاستهلاكية، أما اللغة الدارجة المكتوبة بأداة واعية مدركة لأهميتها الفنية والتجسيدية فنصيبها في رأيي نصيب اللغة الفصحى من حيث الاهتمام، ويصل الأمر ببعض مؤسسات الإنتاج إلى ادخار عروض الفصحى لمهرجانات المسارح العربية والدولية واستثمارها إعلاميا، فأية إشكالية تلك؟.
ـ ولأن الهدف الأساسي لمؤسسات الإنتاج المذكورة تسويقي بالدرجة الأولى، نلحظ تأثير المسرح الخاص على المسرح الأهلي تحديدا، فالمسرح الخاص لا يعتمد المسرح كسلعة فقط وإنما يعتمد اعتمادا كبيرا على عارض السلعة، الممثل بالتحديد، الممثل الذى يتمتع بمواصفات تتقبلها ذائقة المستهلكين للسلعة، ليس شرطا أن يتمتع هذا الممثل بقدرات فنية جسدية متميزة، ممثل السوق هذا تكرسه المؤسسة الخاصة كنجم يدر عليها أرباحا هائلة، وتدفع له المؤسسة أجرا كبيرا لا تدفعه له المؤسسة الحكومية أو الأهلية، لذا نرى طاقته الادائية تبرز بوضوح في عمله مع المؤسسة الخاصة بينما تخفت كثيرا أثناء عمله مع المؤسسة الحكومية والمؤسسة الاهلية، إزاء ذلك نلحظ زيادة الاهتمام من قبل المؤسستين مؤخرا بالممثل النجم - نجم السوق بالتحديد - واحتذائهما بنموذج السلعة الخاصة، والأخطر من ذلك مساهمتهما في تكريس الذائقة الضعيفة التي تكرسها المؤسسة الخاصة في عروضها المسرحية، كنا سابقا نعرف الحدود بين المؤسسة الخاصة والمؤسسة الاهلية، كانت هناك محاذير كثيرة من حيث الذائقة، المادة المسرحية، علاقة المسرح بالمتفرج وما شابه ذلك بالنسبة للمؤسسة الحكومية والأهلية، الآن تداخلت الحدود حتى تشابهت بين المؤسسات الثلاث، وما الاسماء الا تصنيفا شكليا للجهة المعنية وجهة الدعم، ولعل أحد أسباب هذا التداخل، بل وأهم هذه الاسباب، هو اتكاء المؤسسة الاهلية في تسويق أعمالها المسرحية على المؤسسة الخاصة، خصوصا وأن المؤسسة الخاصة تعتمد في انتاج عروضها المسرحية على رأسمال مفتوح بخلاف الاخرى محدودة الدعم المالي، هذا بجانب اغراق المؤسسة الخاصة الجهات الرسمية والاعلامية بالأموال نظير الاعلان الفاقع في التلفزيون أو وسئل الإعلام المختلفة وتخصيص أهم مواقع الاعلان في البلد وأفضل صالات العرض المسرحي وغير ذلك، أن المؤسسة الخاصة تدفع للجهات الرسمية والجهات الرسمية لا تستفيد من المؤسسات الاهلية بقدر ما تدفع لها، بمعنى أن المسرح الأهلي عبئا لا يحتمل من قبل الجهة الرسمية، وكلما زاد ثقلها على كاهلها قللت دعمها له واضطرت في عدم وجود الوعي المسرحي الحاذق لدى الافراد الى التعامل مع المؤسسة الخاصة بل والاندغام فيها كلية.
ـ إن عدم البحث عن مخارج عمليه لدعم المؤسسات الاهلية ماليا ومعنويا دفع بكثير من افراد هذه المؤسسات الى العمل مع المؤسسات الخاصة للأسباب المذكورة، وربما كثير من مواسم المؤسسات الاهلية أرجأت بسبب انشغال بعض العاملين لديها بأعمال مسرحية مع مؤسسات خاصة، ولأن المرجو في المؤسسة الخاصة جماهيريا وماليا أكثر ضمانا دفع بالكثير للانصراف نهائيا من المؤسسات الاهلية وفتح مكاتب خاصة لإنتاجهم المسرحي، وفي ظل غياب الوعي بأهمية المسرح ودوره الفاعل يصبح الإشكال قائما بين الجهات الرسمية والمؤسسات الاهلية، فالجهات الرسمية المعنية ترى بأن ما تدفعه من أموال ودعم للمؤسسات الاهلية كاف بل ويزيد والمؤسسات الاهلية ترى بان هذا الدعم المالي ثابت ومحدود ولا يكفى لإنتاج العرض المسرحي، والحال هذا تصبح المخارج مغلقة والمستقبل للمسرح الخاص. 
- وتزداد ورطة المؤسسات الأهلية بتحول بعض أجهزة الجهات المعنية الى هيئات انتاج خاصة، مثلا فبعد ان كانت عونا إعلاميا وتصنيعيا للمؤسسات الحكومية والاهلية، تعلن عن عروضها فى التلفزيون دون مقابل مادي، وتفتح ورش الديكور لتصنيع ديكورات عروض هذه المؤسسات وتيسر لها اجهزة الاضاءة والصوت وتتابع بعض احتياجات هذه المؤسسات الضرورية للعرض، صارت بعد ان استحالت مؤسسة خاصة تتقاضى أجراً عن كل احتياج تراه هذه المؤسسات ضروريا لإنتاج عروضها المسرحية، والورطة الأكبر تكمن في أن أكثر المؤسسات الاهلية لا تتوفر على اضاءة مسرحية حديثة متطورة ولا على ورشة تصنيع ديكور مسرحي مختصة ولا على أجهزة صوت متميزة كتلك التي تتوفر لدى هيئة الجهة المعنية الخاصة، وذلك بحكم محدودية ميزانيتها، ومحدودية مداخيلها ومحدودية دعمها المالي .
 هكذا وضع ورطوي قاد بعض الجهات المعنية في إحدى دول المنطقة الى الاستغناء عن فرقتين مسرحيتين من أربع فرق، واعتقد ان المشكلة ليست في الفرقتين المستغنى عنهما بقدر ما هي متجذرة في الجهة المعنية الـــتـي استغنت عنهما، فتخيلوا معي فرقا مسرحية تشهرها جهة رسمية معنية بها وتشرف عليها وتبدي استعدادها لدعمها المالي، تطالب فى أسوأ ظروفها بأن تدعم هذه الجهة ماليا، أليست تلك دعوة غير مباشرة لحل هذه الفرق ؟ ، اليست تلك مفارقة ؟ .
- هناك تخريجة تقترحها الجهة المعنية على الفرق الأهلية حين يضيق بها الحال ويتعسر المال ويشح الانتاج، ألا وهي ضرورة احتذاء هذه الفرق بالنموذج التضحيكي التفريغي الاستعراضي الترفيهي باعتباره نموذجا كوميديا عاد على الفرق الخاصة بالجمهور الغفير والاموال الطائلة وأطال من عمر المؤسسة الخاصة، وتطليق كل العروض المسرحية الجادة التي تطرح فكرا ورؤية فنية وتجليا جسديا وتتطلب وعيا موازيا أو محاورا أو متأملا، ولا يقبل عليها من الجمهور الا القلة القليلة أو الصفوة من الناس، حتى لو كانت هذه العروض المسرحية كوميدية .
إن هذا النموذج الذي تقترحه هذه الجهة المعنية وان كان محشوا بالقفشات الاجتماعية والسياسية المباشرة لأنه كما أشرنا يسهم بفعالية في التنفيس والتمييع ويمتص الهموم والمتاعب والقلق ويعكس سياسة التوازن الاجتماعي خصوصا في ظل تغييب الوجه الآخر لهذا النموذج، وتكثيف الاهتمام بذاك النموذج وتكريسه اعلاميا باعتباره فنا كوميديا الأمر الذي جعل كثير من جمهور المسرح يتقبل هذا النموذج باعتباره فنا كوميديا حتى وان لم يمت بفن الكوميديا بصلة، ولان هذا النموذج هو السائد اعلاميا وترويجيا فى أكثر اقطارنا العربية دعا، ربما دعا بعض المسئولين بعقد صفقات تجارية كبيرة مع اصحاب هذه المؤسسات الخاصة، غرضها ترويج هذا العرض أو هذا النموذج من العروض المسرحية اعلاميا عبر القنوات الفضائية، واستقبال هكذا عروض وارد بحكم السائد وبحكم زيادة كثافة قنوات البث المرئى العربي والدولي، وهذه الصفقة ربما تتحقق بشراء هذا العرض مقابل مبلغ مجز على ان تكون حقوق التسويق محفوظة لدى الجهة المعنية، فأية اشكالية تلك؟
- هناك اشكالية اخرى تهدد كيان المؤسسات الاهلية وتطفح في انصراف اغلب العاملين في هذه المؤسسات الى العمل في المسلسلات والسهرات والبرامج التلفزيونية، خصوصا بعد زيادة عدد قنوات البث التلفزيوني ونشاط العمل المشترك فيها، الأمر الذي يتطلب نشاطا اعلاميا مكثفا يستوعب ويغطى هذا العدد من القنوات، وهذا الانصراف دافعه الاساسي تقاضى اجرا مجزيا مضاعفا في كثير من الاحيان بسبب العمل في اكثر من مسلسل وبرنامج تلفزيوني في نفس الوقت، أجرا لا يمكن تقاضيه من المؤسسات الاهلية التي يعملون بها، وكلما زاد الاهتمام بالنشاط التلفزيوني كلما زاد اهمال وتجاهل الجهة المعنية بالمؤسسات الاهلية، وكلما زاد الاهتمام بالنشاط التلفزيوني نشط بالمقابل نشاط المؤسسات الخاصة المقترحة تلفزيونيا من قبل الجهة المعنية، وعلينا أن نشهد حال المؤسسات الاهلية اثناء نشاط الجهاز التلفزيوني، سنرى مقاراً مسرحية خاوية الا من بعض بعض من رهن نفسه للمسرح او من بعض من صرف التلفزيون النظر عنه، واذا كان هناك ثمت نشاط مسرحي فهو لا يتجاوز عروض ذات الشخصية او الثلاث والاسباب بلا شك معروفة، وحتى هذا النوع من العروض معرضا للتوقف احيانا او لتأجيل فترة العرض لأسباب قد يكون ورائها مثلا اضطرار أحد الممثلين للعمل في مسلسل تلفزيوني يتم انجازه في فترة عمله بالعرض المسرحي أو قد يكون ورائها حجز صالة أو مكان العرض لمقتضيات طارئة، وبعض المؤسسات الاهلية تضطر للعمل مسرحيا حتى لا تنقطع عنها الاعانة السنوية أو علاوة الانتاج المحدودة المخصصة من الجهة المعنية بها وحتى لا تتعرض للحل تماما، كل ذلك يحدث في غياب التنسيق بين العمل في التلفزيون وبين العمل في المسرح، كل ذلك يحدث وكما لو أن المسرح الأهلي هامشا طفيليا ضئيلا ابتلت الجهة المعنية به عندما أشهرته ، وفي الوقت الذي يحظى فيه فنان المسرح الاهلي بإجازة لا باس بها كتفريغ للعمل في الدراما التلفزيونية فانه يحرم منها حين يتعلق الأمر بالعمل فى المسرح، علما بان الجهد الذي يبذل اداريا وفكريا وجسديا وتقنيا في المسرح يفوق الجهد الذي يبذل في التلفزيون، ولعل عدم تفريغ فنان المسرح الأهلي لفنه المسرحي او على الاقل تفريغه للعرض المسرحي، يعتبر من أهم أسباب تعثر النشاط المسرحي بالمسرح الاهلي، واحد اهم أسباب توجهه للعمل في التلفزيون ، ففي العمل بالتلفزيون ميزتان لا تتوفران في المسرح الاهلي، التفرغ والاجر المجزي، فلماذا لا تسعى الجهة المعنية بالمسرح الأهلي إلى تحقيقهما في المسرح الاهلي خصوصا وأن هذا المسرح مؤسسة تابعة لهذه الجهة ؟ ربما لا تتوفر مثلا الميزة الأولى وأعنى بها التفرغ للفنان المسرحي في المؤسسات المسرحية الخاصة ولكن تحقيق الميزة الثانية وأعنى بها الأجر المغرى على الأقل فيه ما يكفى للتعويض عن الاجازة التي يقتطعها من عمله الوظيفي، وهذا الاجر بلا شك له دور كبير في استقطاب كثير من مسرحيي المسرح الاهلي وله دور كبير ايضا في تصحير المؤسسات المسرحية الاهلية.
لدى هامش يتعلق بضرورة الدعم المالي والمادي للمسارح الاهلية اود اثارته ليس بغرض المقارنة ولكن من زاوية اهمية القراءة الحضارية للمسرح، ففى انجلترا مثلا تولى الجهات المعنية بالمسرح اهتماما كبيرا بالمؤسسات المسرحية الرسمية فهي بجانب دعمها المالي السخى لهذه المسارح، تلزم القطاع الخاص بدعم هذه المسارح ايضا، وحالة الالزام هذه تجاوزها القطاع الخاص في انجلترا عندما اصبح دعمه للمسارح الرسمية ضرورة حضارية، هذا فيما يتعلق بهناك، ولكن ماذا عن هنا ؟ ماذا عن مسارحنا الاهلية فى الخليج ؟ المتحصل - للأسف - كما يشهره واقع حال مسارحنا الاهلية، دعم مالي ضئيل من قبل الجهة المعنية، لا يكفى لسداد ايجار المقر المسرحي المتواضع المرافق جدا، وتجاهل مطلق من قبل القطاع الخاص، بل ان القطاع الخاص فى دولنا لا يعنيه المسرح لا من قريب ولا من بعيد، خصوصا وان الجهات المعنية به تسهم حثيثا في تهميشه وتجهيل الناس حتى باسم المؤسسة المسرحية الاهلية، واذا حدث وان ساهم احد التجار باعلان عن مؤسسة في بونفليه العرض المسرحي فان المنتظر دفعه مقابل نشر هذا الاعلان غير مأمول غالبا، خاصة ما اذا كان العرض مغيب الصدى اعلاميا ، ولعل لجوء المؤسسات المسرحية الاهلية للإعلان وبكثافة فى كثير من الاحيان سببه ضعف الاقبال الجماهيري على العرض، الأمر الذي يجعل هذه المؤسسة المسرحية الاهلية تتكئ على ما يتيسر من اموال تتحصلها من بعض المؤسسات الخاصة لسداد تكاليف العرض المسرحي وما زاد منها توازعته كحصص للممثلين. 
- وهناك اشكالية اخرى، وهى لان المسرح الأهلي محموما بإغراءات وإغواءات وامتيازات المسرح الخاص من جهة ومفجوعا بتجاهل الجهة المعنية به شبه المطلق من جهة اخرى ومطالبا ايضا بان يمارس نشاطه المسرحي ولو كان ذلك قسرا حتى لا تقطع عنه الاعانة والعلاوة الانتاجية ويُحَل نهائيا يضطر احيانا لإنتاج عرض مسرحي يتقاسم تجسيده اعضاء من هذا المسرح ومن ذاك او اعضاء من المسارح الاهلية وغالبية هؤلاء الاعضاء هم ممن - كما ذكرنا سابقا - رهنوا انفسهم وادخروا طاقاتهم للمسرح وممن انصرف عنهم اهتمام المسرح الخاص والتلفزيون، وممن استجدبهم العهد بالمسرح او ممن تشبع ماديا بحكم ولوجه كفاية أروقة المسرح الخاص والتلفزيون فآثر التوازن في الاخلاص لمسرحه الاهلى من جهة وللمؤسسات الخاصة من جهة اخرى والسبب يكمن فى انصراف اغلب اعضاء هذا المسرح للعمل في المسرح الخاص والتلفزيون وأحيانا لعدم قدرة هذا المسرح على توليد كوادر جديدة يعتمد عليها حين العرض المسرحي مما يضطره ذلك إلى الاستعانة بعناصر أخرى من المسارح لاهلية، وليس السبب - كما قد يتصوره البعض – تدشين العمل المسرحي المشترك بين المسارح الاهلية، والشواهد كثيرة ولا داعي لنبش ما هو معلن وطافح !
وفى غياب خطة انتاجية مستقبلية فاعلة تعضد التوجه للمسرح وتنحو به نحو تفعيل رؤيته وتماسك كيانه واستمراريته المؤسسة والمؤثرة فى غياب هذه الخطة نلحظ التخبط بوضوح بين اتخاذ المسرح الأهلي المسرح الخاص نموذجا انتاجيا في كثير من الاحيان وبين اتكائه المطلق لإنتاج لعرض المسرحي على توفر الدعم المالي من قبل الجهة المعنية به ومن ما تيسر من مداخيل الاعلان ، هذا التخبط وفي غياب الخطة الانتاجية يودي بالمسرح الأهلي الى التمزق ، الى حضور مشهد النهايات الموجعة بوضوح تام، انه قلق غير منتج، بمعنى ان يقف هذا القلق على ضرورة تأسيس وعى مسرحي جماعي فاعل يقيه من داء التفكك واليأس والتخبط ويذهب به نحو نهج مسرحي منفتح تتوالد في حيزه عناصر انتاجية متوهجة تدرك دور المسرح الجاد وتعكف على خلق كل ما من شأنه تأكيده وصقله واستمراريته، أن آلية العمل في المسرح الأهلي وإن اختلفت أحيانا من حيث المضمون مع المسرح الخاص، تتشابه كثيرا فى تعاطيها لغة التجسد مع المسرح الخاص، لغة آليتها تعكس مدى الركود الفني والفكري لدى مؤديها، لغة تجتهد فى البحث عن كل ما يمكنه تقزيم الرؤية الإخراجية وتحجيم دور الممثل فى العرض المسرحي وتنميط المسرح ذاته، فما الديكورات الفخمة والمكلفة والازياء الثقيلة والماكياج المبالغ فيه والاكسسوارات التجميلية في كثير من الاحيان، كل هذه ما هي إلا «عادة » متقنة متوارثة لتغطية ضعف الأداء الجسدي على المسرح ومحاولة لإيهام المتفرج بالعرض المسرحي المتكامل الأمر الذي آل ببعض المسرحيين الى الاعتقاد بأن المسرح التجريبي الذي يعتمد الجسد كثيرا في عروضه، لا يعتبر مسرحا متكاملا ولا يعتبر مسرح فرجة، ولا يتجاوز حدود التدريب، وهو في كثير من الاحيان مسرح غامض يصعب فهمه والتواصل معه، مسرح لا يصلح للبيئة الخليجية وتكمن المفارقة الكبيرة في اعتراف أصحاب هذا الرأي بأهمية المسرح التجريبي في مشاركاتهم المسرحية الدولية، ولكن تظل المشكلة قائمة ما لم تؤسس هذه التجارب الطليعية في بيئتها وما لم تنفتح اسئلة مغايرة بين أصحاب ذلك الاعتقاد وهذا التوجه الجديد، وما لم نقف مليا عند الانتاج المسرحي كحالة إبداعية وليس استهلاكية وما لم نعي أهمية المختبر المسرحي الذي - على الاقل - يثير زمن فراغ الإنتاج المسرحي في موسمه وبعد موسمه ، المختبر باعتباره ضرورة تنظيرية ومعملية في المسرح.
إن الوعي بأهمية هذه الخطة الانتاجية والوعي بقراءة الانتاج المسرحي كحالة ابداعية والاصرار على ترسيخهما وتفعيلهما في بؤرة المسرح الأهلي، لا شك وأنه سيضطر الجهات المعنية بالمسرح الأهلي للاعتراف بدور المسرح الأهلي الفاعل خصوصا ما إذا استطاع هذا المسرح عبر تراكم تجربته المسرحية الجادة التواصل مع المتفرج وخلق ذائقة نوعية تدفع المتفرج للتواصل معه واعتباره المسرح الذي يقدر الجوانب الروحية والإنسانية والابداعية في دواخل هذا المتفرج، سيصبح هذا المسرح بتعاضد عناصره محميا من أي داء يحاول المسرح الخاص دسه في جسده، وسيصبح بلا شك كيانا مغايرا لا يقبل أي تداخل أو تشابه مع معطيات المسرح الخاص، وكلما اتسعت مساحة تأثير هذا المسرح على المسارح الأخرى بما فيها الخاصة كلما اضطر ذلك الجهات المعنية به للالتفات اليه والوقوف عند مكامن الاشكاليات التي قادته اليها، واحيانا يحدث العكس، بمعنى كلما اتسعت مساحة تأثير هذا المسرح على المسارح الاخرى كلما اضطر ذلك الجهات المعنية الى زيادة دعم مؤسسات المسرح الخاص ماليا واعلاميا وفتح مكاتب جديدة وتسهيلات مغرية.
 وفي هذا الصدد، وبهذه المناسبة اتوجه إلى القائمين على تفعيل المهرجان المسرحي لدول مجلس التعاون الخليجي بتوصية أطمح في الاخذ بها لاحقا أو مستقبلا، وهي تأمين صندوق لدعم الفرق المسرحية الاهلية في الخليج تتركز مهمته في تمويل التجارب والعروض المسرحية الاهلية والطليعية منها وتنشيط الدورات والمختبرات المسرحية واصدار مجلة مسرحية فصلية تعنى بالمسرح في الخليج وفي اقطار العالم واعداد برنامج مسرحي تلفزيوني يعني بالمسرح الجاد في الخليج. 
ان مساحة المسئولية تجاه هذه الفرق الأهلية سوف تتسع وتؤتي ثمارها بلا شك متى ما وضعنا هذه التوصية في حيز التنفيذ.
# ورقة تم تقديمها في مهرجان اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية بدول مجلس التعاون الخليجية ـ الدورة الخامسة بدولة الكويت ، وهو نفس المحور الذي اعتمدته اللجنة الدائمة في مهرجانها الأخير بالرياض عام 2024 ، فهل انتهت المحاور الفكرية حتى يعاد طرح نفس المحور ؟! .
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون