2024 ,21 أيلول
عثمان الماجد:صوت العرب - البحرين.
فكرة الكتابة عن الإشادات المستحقة بالدكتور يوسف الحمدان وكتاباته، وعن انشغالاته بهموم الثقافة والمسرح والفن الأدائي، وعن احتفاء المؤسسات المهتمة بما يكتب ويشتغل عليه، تبقى راهنة حية يانعة يافعة لا تشيخ طالما بقي إنتاج هذا المبدع متجددا لا ينقطع. وهي أيضا فرصة لتذكير من يهمه الأمر بأن لدينا قامة مسرحية نقدية يحتفي بها البعيد، ولربما يكون ذلك دافعا ليحتفي الإعلام البحريني ومؤسساتنا الثقافية التي في أغلبها لا تحتفي بالمبدعين إلا بعد وفاتهم بعلم من أعلام الأدب والفن والثقافة في بحرين العطاء والإبداع.
وعلى الرغم من أن الكتابة حول إنتاجات الدكتور الحمدان الإبداعية والإشادات العربية والخليجية والمحلية به سهلة بسهولة طبائع هذا الرجل وأريحية تعامله مع فنه والناس؛ إذ يكفيك أن تكتب في محرك البحث كلمة مسرح حتى يقفز أمامك اسم الدكتور الحمدان ناشرا جديده أو محتفى به، إلا أن سؤالا يستوقفني وخشيت أن يكون مصدر إحباط لي لعلاقته بما سبق لي وأن كتبت، والسؤال هو: هل أقدم مجددا على الكتابة في احتفاء كثير من المؤسسات بالدكتور الحمدان وعطاءاته ومساهماته الغزيرة في المسرح، أم لا؟ هذا سؤال وارد ولربما يطرحه بعضهم خاصة وقد سبق لي أن كتبت عن دكتورنا الرائع يوسف الحمدان. من خلال هذا التساؤل توقفت عند مجموعة من الحقائق التي ينبغي الإشارة إليها قبل تدبر المناسب من الكلمات للكتابة حول الإشادات والتكريمات التي يستحقها العزيز الدكتور يوسف الحمدان.
فكرة الكتابة أكثر من مرة في موضوع له في النفس هوى ليست تكرارا مملا في نظري؛ فعندما تكتب على سبيل المثال أكثر من مرة حول إنجازات حكومية تعود بالنفع على الوطن والمواطن، وهي بلا شك كثيرة، فإن غاية الكاتب هي التأكيد على مسار تنموي صحيح تختطه الحكومة أو المؤسسة أو أي جهة أخرى، وليس المجاملة أو «التطبيل» كما يصف هذه الكتابات بعض من يضغنون على الدولة أو من لا يعرفون دوافع هذه الكتابات، والأمر نفسه ينطبق على حالات الكتابة عن إجراءات ذات أثر سلبي في المواطنين قد يتخذها بعض المسؤولين سواء في الدولة أو في مؤسسات النفع العام. بإيجاز شديد إن الكتابة الصحفية ينبغي لها أن تكون انعكاسا لما يمور به المجتمع من القضايا والأحداث، وهذا النوع من الكتابة لا يختلف في شيء عن الكتابة عن شخصيات وطنية ومبدعة ولها في الوطن أثر جميل لا يُنكر.
البحرين منذ أقدم العصور بلد معطاء، فقد وهبت البشرية أعظم الملاحم وأقدمها ووهبتها أعظم الشعراء والكتاب والمبدعين، وها هي على عهد العطاء والإبداع باقية، ولا بد أن يُثمن هذا الإبداع وصانعوه، ولا بد من صرف مجهودات جبارة تعزز مكتسباته وتعزز ثوابت مجتمعية في وجوب تقدير أصحاب العطاء، ولهذا ينبغي الإشارة إلى هذه الجهود والعطاءات؛ لأنها جزء لا يتجزّأ من المسار التنموي الذي تنشغل به قطاعات الدولة المتعددة، وهذا في ظني ضالة كل من يسعى إلى تعزيز النجاحات ويؤكد صواب الاتجاه الذي ينهض بالبلاد. ولئن طالت هذه المقدمة فإنها في ظني ضروريّة؛ لأن المقال يتناول احتفاءات مؤسسات وأشخاص بعطاءات شخصية سبق لي وأن استعرضت منجزا من منجزاتها الكتابية في هذا المكان. وعند الحديث عن عطاءات الكاتب والناقد المسرحي والمتخصص في أكثر من فن أدائي الدكتور يوسف الحمدان فإن ذلك لا يحتاج إلى إمعان في النظر؛ لأن صيته الإعلامي والثقافي «ملأ الدنيا وشغل الناس».
عطاءات المسرحي الدكتور الحمدان غزيرة في حقل اشتغاله وإبداعاته النقدية، كما عُرِف بثراء برامجه الثقافية، هذه العطاءات ينبغي أن تُقدر لأنها علامة من علامات الشخصية البحرينية، ولا بد أن يُكرم صاحبها على مستوى الوطن عبر مؤسساته الرسمية والأهلية، أسوة بمن يكرمون في حقول أخرى. إلا إن هذا التقدير والتكريم المطلوبان من مؤسساتنا الرسمية والأهلية جاء من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، الذي لولا التغطية الإعلامية للكاتب الصحفي النشط والمهتم بالشأن الثقافي، أسامة الماجد، في جريدة «البلاد» ونشر حيثيات هذا التكريم بعناوينه اللافتة، مثل عنوان «في ليلة عنوانها الوفاء للرواد» لما كنا سمعنا به. هذا التكريم تناوله بعض الكتاب حاملين فرحهم إلى جمهور القراء بتكريم الدكتور يوسف الحمدان. مثلما كتب عن ذلك الصديق الأستاذ كمال الديب؛ إذ قال: «الفنان والناقد المسرحي يوسف الحمدان ليس مجرد كاتب مسرحي دخل المسرح من بوابة الشغف بالفنون المسرحية، أو من موقع الدارس المتخصص فحسب بل هو فنان مسرحي متكامل يمارس التأليف والنقد والبحث والدراسة والتدريب..».
صحيح أننا أصبحنا نعيش في عصر الإعلام والمعلومة، وصحيح أن ما يتوافر لنا في عصرنا الحاضر يجعلنا مواكبين لكل المستجدات، ولكن علينا في الآن نفسه أن نقدر الأولويات في تفاعلنا مع مجريات الأحداث، إذ ليست الثقافة والفنون ترفا نحلي به وجباتنا الإخبارية الدسمة بأخبار الحروب والمؤامرات، بل هي من جوهر ما ينبغي أن يُهتم به ويحتفى بالمشتغلين في حقلها؛ لأن شعبا بلا ثقافة ولا فن هيكل بلا لحم وجسد بلا روح، ولا ثقافة ولا فن من دون مثقفين وفنانين مبدعين ينبغي أن يكونوا مقدمين على غيرهم من الظواهر الطفيلية التي ملأت منصات التواصل تحت مسمى المؤثرين، وأن ينالوا ما يستحقون من تكريم وتبجيل؛ فـ«للتكريم أهمية كبيرة في مسيرة أي مبدع»، مثلما أكد الدكتور الحمدان نفسه في تصريح لإحدى الصحف. فهل لنا أن نغير من بعض سلوكنا في التكريم، لنُعرف بمبدعينا والاحتفاء بهم وهم على قيد الحياة؟! ألف مبروك الصديق الدكتور يوسف الحمدان، فأنت أهل للتكريم والاحتفاء.