سعد الفرج ..شيخ الفنانين الخليجيين وعميدهم..
2024 ,15 آذار
الفنان سعد الفرج ..شيخ الفنانين الخليجيين.
*يوسف الحمدان:صوت العرب – البحرين. 
من أين تبدأ والطريق طويلة ومحفوفة بتجارب في كل واحدة منها مضمار يصعب رؤية أو تبين نهاياته أو مداه ؟ فماذا لو اجتمعت كل هذه التجارب ومضاميرها في هذه المديات اللامحدودة الآفاق في شخصية واحدة بقامة شيخ الفنانين الخليجيين وعميدهم سعد الفرج ؟ ..
إنه سعد الفرج .. الفنان الكويتي الذي شكل حضورا رياديا في المسرح والدراما التلفزيونية والإذاعة والسينما ، وتميز في مختلف أدوارها ، ولو أحصيت عدد أدواره في هذه الفنون والمجالات ، لاحتجت إلى وقت آخر تختبر فيه ذاكرتك وقدرتها على لملمة وغربلة الأزمان والاقتراب من حوافها ونواصيها قبل الدخول في فسحها الواسع المركب المحفوف بارتباكات لا تسعفها الذاكرة دفعة واحدة .. 
هو الفنان الذي لا يشبه نفسه في كل أدواره ، وهذه في حد ذاتها مسألة أخرى لو وقفنا على مشاخصتها وتبين أسبابها لاحتجنا إلى قراءة أخرى تجوب عوالم هذا التميز وهذه الفرادة ، ولكني في هذه السانحة الاحتفائية بهذا الفنان القامة الكبيرة والمؤثرة على أهل الوسط الفني ممن جايلوه وعاصروه وتتلمذوا على يده وممن قرؤوه نقدا وممن سجلوا انطباعاتهم عنه وممن شاهدوه وتابعوا نتاجه الفني في مختلف هذه الفنون من المتلقين ، في هذه السانحة أجدني مكتفيا بتسليط عدسة الضوء على هذه القامة من زاوية بنورامية تلامس ملامح هذه القامة فنيا وشخصيا ، محاولة مني في الاقتراب إلى مناطق قد تعزز أو تكمل ما تم التطرق إليه من قبل من سبقوني في الكتابة عنه ، أو ربما تضيف إلى ما تم تناوله قبلي . 
هو رفقة الدرب الطويل مع الفنان الكوميدي الكويتي الكبير الراحل عبدالحسين عبدالرضا ، شاركه في أغلب مسرحياته التي قدمها في الكويت والخليج والوطن العربي وما تجاوزهم في دول أخرى ..
 هو الفنان سعد الفرج ( بو بدر) الذي قدم لساحتنا الفنية مختلف الأدوار ، النوخذة والتاجر والثائر والمغلوب على أمره والمصاب بالزهايمر والكثير الكثير من الأدوار ، ولكنه تفرد عن قرينه عبدالرضا ( بوعدنان ) بقدرته الفائقة على تجسيد أدواره الكوميدية دون وقوف أو اتكاء على اللحظة اللفظية لإضحاك المتفرج ، إنما كانت اللحظة هذه مقرونة بفعل أدائي ، فيبدو كمن يضحكك بجديته في تجسيد دوره وليس بالاتكاء على اللحظة اللفظية فحسب ، وهذا النوع من الأداء يفتقر إليه الكثير من فناني الكوميديا في خليجنا العربي الذين احترفوا البحث عن ( أوفيهات ) أو قفشات كي يستجدوا المتفرج للتعاطف معهم ولو كان ذلك على حساب الدور والمسرحية والمسرح والجمهور .
الفنان سعد الفرج عصي بطريقته الأدائية على كثير من ممثلي الكوميديا اليوم ، لذا سيظل حاضرا ومتميزا وفريدا في أدائه المسرحي ، خاصة وأنه تمكن من الاشتغال بجانب أدواره الكوميدية مع عبدالرضا على أدوار جادة وساخرة ولاقت حضورا جماهيريا كبيرا في الكويت وخارجها ، مثل مسرحية ( حامي الديار ) وهي من تأليفه ، ومسرحيات مثل : ( حرم سعادة الوزير) و(ممثل الشعب ) و( دقت الساعة)  و( بترول ياحكومة ) و(عنبر و11 سبتمبر) ، وقد قام بأداء هذه الأدوار بعد استقلاله الفني عن رفقة دربه الفنان الكوميدي الكبير عبدالحسين عبدالرضا .
لقد تناولت وعالجت أغلب مسرحيات الفرج التي كان يؤلفها أو يؤلفها غيره من المؤلفين على الفساد الإداري وعلى الوضع السياسي المتردي ، كما تنبأ في مسرحيتي حامي الديار ودقت الساعة بخطر الإسلام السياسي على مجتمعات الخليج العربي وليس الكويت فحسب ، مثلما تصدى للأنظمة المتواطئة مع داعش وعرّى الانتهاكات اللاإنسانية لحقوق الإنسان ، فكل القضايا التي تبناها الفرج تهم المواطن وتُعنى بهمومه وليست قضايا عابرة أو استجدائية عقيمة وبائسة ، إنه يسجل من خلال عروضه المسرحية موقفه السياسي والإنساني مما يحدث في الفسح الخليجي والعربي . 
إن الكلمة السياسية أو الموقف السياسي لهما معنى ومكانة خاصتين لديه ، فهو يتبناهما ويؤمن بهما ولا يسيحهما أو يطليهما بمواقف هزلية رخيصة مبتذلة تخل من قيمتهما ، لذا ستظل أعمال الفرج شامخة سامقة في أرض وفي سماء خليجنا العربي .
هو الفنان الذي لم يُخلق لحفظ الأدوار،  لأن المواقف تتشكل وتصدر وتنجم عنه بتلقائية نظرا لمخزونه السياسي والاجتماعي العميق ، فهو ابن الحياة بمختلف وتعدد معاناتها وأوجاعها ونضالاتها وأحلامها ، لذا لو غرفت من مخزون الفرج العميق لكلّت يداك وفاضت ذاكرتك ، ولا أعني بذلك الاستغناء عن حفظ الأدوار ، إنما أعني بذلك تلك الأدوار التي يؤسسها ويفلترها هذا المخزون أثناء أداء الدور ، وليس تلك الأدوار التي تُخزن في الذاكرة لتهرب منها فورا ودون إحساس أو معاناة .  
ومما يساعد على تميز وألق الفرج في جلّ أدواره ، هو تمتعه بوجه فريد في تعبيراته وتقاسيمه والذي من خلاله تنبع الضحكة العفوية وليس من الكلمات التي يؤديها فحسب ، ففي وجهه تضاريس دقيقة وواضحة ، ملامحها تتداخل فيها أزمنة ، وكما لو أن هذه الأزمنة عجنته بمعاناتها وبساطتها وشكلت شخصيته التي نراها اليوم ، ففي وجهه البارز الملامح ترى الطفل الشقي والطيب والخجول ، وفي طفرات عينيه تلحظ السماحة والغرابة والتوتر أحيانا ، مثلما تلحظ فيهما أحيانا حين يختلي بنفسه في إحدى أروقة المسرح أو مجالس اللقاء الحكمة والسؤال الهارب من لحظة التأمل . 
هو الباحث عن الطاقة المتجددة في حياته وفي فنه حتى لو كان ثمانيني العمر أو على مقربة من نهاياتها ، فإنه يصر دائما على أن يحافظ على هذه الطاقة التي تضمن له تمثـُل أدواره في مختلف الشخصيات ، خاصة في دور الكهل العاشق أو المتصابي ، فإنه متمكن من أداء مثل هذه الأدوار بامتياز وخاصة في الدراما التلفزيونية ، ولعل كثير من الفنانين يحسدونه على أداء مثل هذا الدور ويريدون معرفة السر من وراء قدرة الفرج على إقناعهم بأداء مثل هذا الدور . 
هو نجم في كل المواقف حتى في الجلسات الخاصة ، فلنقاشه نكهة خاصة تأسرك ، تضحكك وتبكيك وتستوقفك ، صاحب نكتة في أحاديثه الخاصة التي جمعتني به في الفجيرة والبحرين خاصة ، وللبحرين في قلبه مكانة خاصة جدا ، فهو من مرتادي هذا البلد وله فيها من الأصدقاء والأحبة ما يعجز اللسان عن ذكر أسمائهم ، وكانت واحدة من إحدى أمنياته أن يكون له في البحرين مسرحه الخاص ، ولكنه أصر على أن ينتج فيها عرضا مسرحيا يشارك فيه فريق أكبر من فناني البحرين بقيادة المخرج البحريني عبدالله يوسف ، وهو كما أعتقد عرض مسرحية ( سنطرون بنطرون ) .
هو فنان في قمة التواضع ، إذا طلب منه العمل مع مؤسسة أو صديق لا  يتردد حتى في دعمه والوقوف معه حتى النهاية ، فنان محبوب من الجميع ، فنان لا يتردد في الاشتغال مع أبنائه من الفنانين رغم  تجربته وخبرته الفنيتين الضاربتين في أعماق الخليج .
هو صارية المسرح السياسي والاجتماعي الساخر التي التفت حولها الأجيال في الكويت والخليج وظل كثير من الفنانين يحاولون تقليده أو التمثل به ، 
سعد الفرج هو مورغن فريدمان أو ريحاني الخليج ، رائد من رواد المسرح والدراما التلفزيونية والسينما في الخليج ، اجتمعت حوله كل الأجيال وظل بحبه لفنه عابرا لها ، بل ظل رمزا تحتذي به مثلما تحتذي بفريدمان والريحاني . 
حين ينزوي في المجالس تشعر بكم الخجل الذي يستبطن شخصيته الحقيقية وحين يتحدث سعد أمام مسئولين كبار فاعلم أنه يتبنى رأي كل من في المجلس من الفنانين وليس رأيه فحسب ، وقد لمسنا ذلك في جلسات واجتماعات صاحب السمو الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة عضو المجلس الإتحادي الإماراتي الذي يأنس لحضوره ويصغي إليه بمحبة واهتمام كبيرين .. 
لذا يستحق أن يكون الفرج عميد المسرح والدراما في خليجنا العربي وبامتياز ، خاصة وأنه بجانب ذلك الزخم الفني يعتبر أحد أهم من سجلوا حضورا أكاديميا عالميا لافتا ومبكرا في حينه بخليجنا العربي ، بل في الوطن العربي ، ففي عام 1969 حصل على دورة في الإخراج والإنتاج التلفزيوني من معهد الإذاعة البريطانية بي بي سي، وفي عام 1973 حصل على شهادة الدبلوم في الإخراج والإنتاج التلفزيوني من الولايات المتحدة ، كما حصل الدبلوم في الإخراج المسرحي من «لوس أنجلوس سيتي كلوج» بعام 1974 ، كما حصل بنفس العام على البكالوريوس في الإخراج والإنتاج التلفزيوني من الولايات المتحدة .
*ناقد مسرحي بحريني.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون