ناصر بن محمد بن جبر الرمزان النعيمي..همس الروح ..
2024 ,28 كانون الثاني
 يوسف الحمدان :صوت العرب - البحرين.
يغادرنا إلى سماء الله خفيفا كرهيف فراشة، كحفيف شجرة في يوم ربيعي، كسحابة تداعب الأثير في ليلة مقمرة، كنسمة تلاطف بنفسج الفجر،  كهبوب البارح على سواحل السمر و العشق ، كجداول نهر تنساب في الروح في ليلة ضمأى ..
خفيفة خطاه على البسبطة حتى توشك أن تظن أنه الهواء في هيئة كائن أثيري ، يمشي لا تحس به خطاه ولا الأرض، توشك أن تنساه ولكن حين تتذكره لا يغادر ذاكرتك وكما لو أنه يسكن جوانحك وحناياك، ..
يوغل في كتاب الله حتى توشك أن توقن بأنه سر من أسراره، لغز من الغازه، قليل البوح والجهر، كثير التأمل والتفقه، عميق صمته كبئر يدخر بلاغة الكون، عيناه بحر من الدموع تسبح في رحابها جلوات خشوعه وتضرعه، وجهه السماحة والوداعة وكما لو أن البراءة كست عمره وروحه بسلام أبدي منذ استقبلت عيناه ضوء الحياة الأول،..
متقشفا في كل شيء وكما لو أن الحياة مهاده الأول والأخير، يغادر بيته ليكتفي بفراش دون قوائم ولا ملاحف ثقيلة في غرفة هي أوسع من كل بيت لأنها الزهد كله ، والرفق كله ..
 يخرج من جلوته ولا يعلم به إلا الله ولا أحد سواه، نيرفاني الروح متوجا بالسمو والرفعة ، يستوقفك صمته الطويل،  هل كان حينها في حوار مع الذات والنفس؟ هل كانت تسكن روحه ذوات لا يعرفها ولا يدركها إلا هو ؟ هل كانت وحدته ملاذا لعرفانيته المتسامية؟ ..
إنه بقدر ما استبطنت روحه وتفقهت في كلام الله فإنه بالقدر نفسه استبطنت روحه لغات وجدت ضالتها في سبل متعددة استثمرها أهل الشأن في أجهزتهم الإعلامية المتعددة خير استثمار حتى صار واحدا من أهم من اتكأت عليه هذه الأجهزة للتواصل مع الجنسيات غير الناطقة بالعربية..
هو الأستاذ والمعلم والعليم العارف المبحر في فضاءات المعرفة دون ادعاء أو مزاودة، تلاميذه كثر وهو الذي لا يزعم أنه استاذهم أو معلمهم، هو الذي لا يسأل من أحد أجرا غير أجر الله ولا مكافأة غير مكافأة الله له في صمته وسره ، ولا ولاء له لغير الله ..
هو الذي لم يتحدث يوما عن نفسه ولم تشعر به يوما إن كان معك حول آنية أو حول منفعة، يمضي في سبل الحياة كهمس الروح لا تسمع لها صوتا أو حسا، هل كانت هذه الشخصية النيرفانية المتسامية يوما ما في حياتي تلك التي ظللت أبحث عنها حتى هذا اليوم لأكتشف كلام الروح وهمسها وصراعاتها الخفية في فضاء المسرح الذي افرط كثيرا في إعلان جهره؟ هل كانت هذه الشخصية هي تلك التي تؤرق كاتب النص مثلما تعذب وتقلق صانعه؟ ..
هو يمضي إلى خالقه وبارئه وفي الذات أسرار لا يجليها ولا يفصح عنها سوى البياض الذي فطر عليها حتى آخر لحظة من حياته وكما لو أنه النقاء نفسه، بل هو النقاء الذي ادخره حتى اللحظة الأخيرة من تشييعه،. تفتحت عيناه على بياض مهده وشب عليه في مسار دربه حتى غادر به هذه الحياة ليترك لنا نقاء أسرار يصعب علينا فك رموزها ما لم نتتبع ونستقصي مساراتها الخفية النرفانية في حياته كلها ..
الآن.. ما الذي ينبغي علي أن استكشفه عن هذه الشخصية القامة المهيبة التي لم تفصح يوما عن مفاتيح أسرارها؟ ..
هنا يبدأ البحث وهنا تنهال على الرأس والمخيلة أسئلة جديدة تتكثف في همس الروح وكلامها..
أذكر أنه لحظة إذ تم تشييعه تخيلت أنه غادر نعشه ولحده ليظللنا ببياض أسراره ، هل كنا من يحمل نعش الوداع أم كانت أجنحة الروح هي التي تتولى مهمة وداعه الأخير؟..
وداعا ناصر الرمزان الذي اختزلت روحه رموز حياة سيصعب علينا فك مغاليقها الروحية .. 
نم قرير العين ياناصر وحلق في سماء الله ورحابها طيرا تستطيب لتحليقه كل الطيور إذا ضاقت بها أغصان الشجر الأخضر وحفيفها ..
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون