مفاتيح أسئلة أسرار الغرفة 46:سرديّات الإرهاب.. خفايا وخبايا في كتاب د. عبد الحسين شعبان.
2023 ,26 آب
حسن عبد الحميد:صوت العرب.
الكتابة عن كتاب الباحث والمفكر الموسوعي الكبير د.عبد الحسين شعبان "الغرفة 46.. سرديات الإرهاب.. خفايا وخبايا"، الصادر في كانون الثاني 2023 ببغداد عن دار الرافدين للنشر، لا تعدو في أعم وألمع تورياتها التداوليّة، حتى وإن تنزّهت نواياها من دواعي التبرير واحتمالات الشكوك، بأن تستدعي الكثير من ثوابت فحص وتدقيق أدق التفاصيل أملاً بالوصول والحصول على حقائق دامغة - إن لم تكن معقولة ومقبولة - وإلا لأضحت تلك الكتابة بمثابة صدىً لحوح لفخامة وقتامة حزن ذلك الصوت القادم من أتون ما يقرب من ربع قرن من عمر ذلك الزمن الذي انتزع فيه د. شعبان استيضاحات قاسية، مدمرة ومريرة من تلك الشواهد.. الشواهق، عبر شهادات شمّرت لترمي ذَرعِ ونبش وقائع وأحداث كوّرتها التماعات أسئلة مسننة وجملة استفهامات زحفت تفضي لأسئلة أخرى كانت قد تواثبت على هيئة اعترافات نافذة، أخذت في بعض الحالات والحوارات إلى ما يشبه جلداً لذات.
  أفاض بما أدلى به شاعر إنساني.. عاطفي وتقدمي (كان الباحث قد وثّق نماذج مُلحقة من قصائده المنتقاه ضمّها القسم التاسع من الكتاب (ص 209)، يضاف إلى كونه مناضلا وسياسيا ودبلوماسيا ذلك الذي أجهد وناور- بما هو ممكن - عبرمحاور وسِجالات مُفحمة، جريئة وغير متوقعة.
لم يشأ د. شعبان الإعلان عن اسم ذلك الشخص صريحاً إلا في السطر الأخير من المقدمة التي انضوت تحت عنوان "عوضاً عن مقدمة، كتاب بعد ربع قرن" ألا وهو عاطف أبو بكر.. السفير الفلسطيني السابق في عدد من الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقيّة، والشخص الثاني والذراع الأهم في تنظيم "جماعة أبي نضال" التي أسس لها "صبري خليل البنا" بكنيته التي اشتهر بها، ونزوع تفرّده بالانشقاق عن حركة "فتح" منذ العام 1974، والذي أسماه "فتح - المجلس الثوري"، حتى غموضيّة احتمال نَحره أو انتحاره في بغداد عام 2002.
سجل اغتيالات
  كشفت المقدمة عن ورود ثلاث أسئلة استباقيّة ـ توّقع الباحث وهو كذلك ـ أن تشغل بال وفضول القاريء، هي: لماذا هذا الكتاب؟.. وفي هذا الوقت بالذات؟.. وما الغاية منه؟، كما وتفيد الاعترافات بفيض ما كان قد وضعه من خلال  تبيان جوانب هامة من سِفر وسيرة مُحدّثه- بطل ومحور هذه الاعترافات والشهادات التاريخيّة التي نتجت عن عمله قريباً من "أبي نضال" لثلاثة سنوات امتدت للفترة 1985 - 1988، ليختفي بعدها ويتوارى عن أنظاره خشية الفتك به وتصفيته كما حصل للعديد من رفاقه المقربين الذين عملوا معه وعلى سبيل الذكر "منير شفيق" أمين  سّر المجموعة، ثم خلفه الأديب والكاتب الفلسطيني المعروف "ناجي علوش" الذي تخلّص من قبضة أبو نضال بأعجوبة، فيما سبقهم في مجال تلك الاغتيالات "حنا مقبل"، "ميشيل النمري" وأبو داود المعروف بـ "محمد عودة داود"، وكذلك الكاتب والأديب المصري والوزير يوسف السباعي، فيما ظل أبو بكر متخفيا طوال ثلاث عقود ونصف عن أنظار ومخاطر الساعي والطامع بالنيل منه. 
الغرفة الغامضة
   تسعة أقسام هي مخرجات ما دار في رحاب الغرفة 46، بتمام وكمال غياب جغرافيتها عبر تعميَتها أو تضليها ـ قصداً ـ، والتي لم نستعلم عنها شيئاً حتى نهاية آخر سطر من هذا الكتاب المثير، غير الإشارة للرقم مجرداً على الرغم من أهمية وخطورة ما شهدته من نزع كشوفات وتسوية تقابلات وتبادل وجهات نظرٍ وتمرير أراء كان من شأنها أن تثير الكثير من الوقائع والحقائق والقناعات التي ناقشها د. شعبان مع عاطف أبو بكر، الذي قال فيه ـ من قبل ـ المؤرخ والباحث والصحفي البريطاني "باتريك سيل/ 1933 - 2014" صاحب كتاب "أبو نضال.. بندقيّة للايجار، المناضلون في خدمة الموساد" الصادرعن دار الزهراء للطباعة والنشروالتوزيع عام 1992: "عاطف أبو بكر، من أمهرالرجال الذين قابلتهم في الحركة الفلسطينيّة"، فيما يعترف أبو بكر، بحسب ما يرد في مقدمة كتاب د. شعبان، ليُلخص تقييم مواقف غريمه أبو نضال من جرد لمجمل جرائمياته الخارجة عن الحدّ والتصوّر من تلك التي اقترفها وقام بها ضد إخوته الفلسطينيين والعديد من المؤيدين لقضيتهم، لا استهداف الإسرائيليين أس وجوهر العداء ومكمن النزاع الواقعي والتاريخي لقضية العرب الكبرى. وكثيرة هي جرائمه الناجمة عن شخصية قلقة، عدائية، ناقمة ومتمردة حد الهوس والنرجسيّة المقيتة، وقد تمّ  تداول ذكر ذلك وإشهار العديد من الأسماء الشاخصة والمعروفة في ذواكرنا- كما ذكرنا- بيد أن أغربها وأعجبها تلك الواقعة التي دّقت ناقوس خطر جسيم  ومسموم في جسد ووجدان الأمة العربيّة ـ جمعاء ـ والتي تجسّدت بحادثة محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن "شلومو أرجوف" عشية غزو لبنان 1982 ومحاولة اجتياح العاصمة بيروت، واسُتثمرت تلك الحادثة ذريعة للعدوان، الكتاب، ص 234.
 الصحفي مؤرخاً 
   سأرصف الكتاب جانباً، بعد أن انتهيت من أمثولة سعي حريص يستجلي ترك مساحات أوسع للقاريء القادم، أو الدارس الزاعم أو المهتم في تقصي محتويات فصول هذا الكتاب والتوّغل أكثر عبر السعي أبعد في أدق تفاصيله، بغية إصدار الحكم بـ "المعَ" و"الضد" وما بينهما، فالحقيقة هي الضحية الوحيدة في أي نزاع أو صراع، وإذ أبدو منحازا لهذا الطرف أمام ذاك، فذلك يعود لقناعاتي بما قمتُ به من تمحيص وتدقيق وفحص وسواند تعليل يتمركز على تقديم النواحي السايكولوجية والجوانب الإنسانيّة في تقريب مكامن الشخصيتيّن، من حيث هما طرفي معادلة بهذا الخصوص.
   فوق كل هذا وذلك، يقع تقييمي لعمق مناهل الباحث ونبل تسامي غايته وصدقية نواياه وسعة مناسيب ثقتنا بما يتجلى ويتموضع  بطروحات المفكر د. عبد الحسين شعبان، عبر خلاصة دأبنا لما أطلعنا عليه وغزارة ما قرأنا من أسفار كتبه المتنوّعة والكثيرة في مسالك المعرفة ولوازم الفكر وأقيام دفاعاته الحقوقيّة عن الإنسان وجوهر إنسانيته، هنا تقدح في ذهني عبارة نيتشه الرامية للقول:"منذ القدم والبشر لا تعاقب إلا من يقول الحقيقة، إذا أردت البقاء مع الناس شاركها أوهامها، الحقيقة يقولها من يرغبون في الرحيل". ولكي ألزم نفسي صبرها وقدرة تأنيها.. في تعميد أسلوبه وطريقة تتبعه مضمار المسار الشائك والمغامر لهذه التجربة والمحاولة الجريئة أن تحوّل الباحث والمفكر الكبير ـ طوعا واضطراراً ـ إلى صحفي ما شاء ينفك عن إطلاق سهام الأسئلة، وليولّد أسئلة أخرى من مخارج ومداخل إجابات مُحاوره والذي لم يزل على قيد الحياة، معززا بذلك رأي ألبير كامو في زعم تسمية    الصحفي بمؤرخ  اللحظات، وبالتالي فإن الصحافة هي  محصلة ذلك التاريخ، الذي يرى فيه شوبنهاور الصحفي على إنه "عقرب الثواني للأحداث"، ولعل واقعة الغرفة 46 ـ بظني وتقديري ـ ستتحوّل إلى تاريخ كشفٍ ومراجعةٍ حقيقية لواقع ووقائع للكثير من المنظمات والجماعات الفلسطينيّة على مدار ومنوال نضالها التاريخي ضد الاحتلال الإسرائيلي".
ضميمة الختام 
 أضاء الباحث بعد إتمام مهام ما نوى وخططّ وفعل في عموم مجريات كتابه هذا، وهو الحصيف المختص والمحنّك بكل ما يتعلق ومهام الانصرف للعمل الفكري والحقوقي متمثلاً بدأب دفاعه المستميت عن حقوق الإنسان، ويكفي – فقط - أن نتعرّف على شرف احتيازه - فضلاً عن أوسمة وجوائزعدّة - لوسام أبرز مناضل لحقوق الإنسان في العالم العربي (القاهرة 2003).
بهذا الحيّز الكثير من جوانب تماهيات "الإرهاب" و"الإرهاب الدولي" و"المقاومة" إلى جنب قضايا وأحداث عالمية مهمة هي الأخرى بعد أن سعى الكتاب بعموم أقسامه التسعة إلى جلي الحقائق ونفض الغبار وما تراكم من رماد على ملفات قضية "أبو نضال" ونِقم استفراده بمسك عرى ذلك الفصيل المنشق عن حركة "فتح" والذ أسماه "فتح - المجلس الثوري"، فيما كان "أبو بكر" حيال كشفه خفاياها وخباياها التي ظلت لعقود من الزمان أسراراً، ومحض شكوك وطيش احتمالات، يصّرُ على تسميته بالجماعة نكاية وتوكيلاً بكل ما قامت به تلك الجماعة من مسلسلات وسيناريوهات جرائم وحمم تجاورات صارخة تناول العديد منها وحولها على طول وعرض تلك الحوارات الصاخبة.
       كان د. شعبان قد أستلمع بخواص وخوالص شواهد وقضايا مثيرة حَوتها أوراق وسطور ما أسماها "ضميمة" وهي تسمية مقصودة وذات معانٍ ومثابات لجملة أمور تساوق ذكرها عززت من عراقة الفروق ما بين غاية الإرهاب بنواياه ومناحيه العنفية القائمة على التشفي والثأر ومحق الآخر، وما بين المقاومة بتساميها وتفانيها بالدفاع عن النفس بغية الشروع للوصول لأهداف عادلة، كما وحوى هذا الحيز الكامل الدسم - إن صّحت التسمية - على ذكر العديد والمفيد من المواثيق الأممية والاتفاقات الدولية، منها ما يعود إلى تواريخ سنوات بعيدة، وأخرى من ماضينا القريب.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون