كارثة النقد الأكاديمي .. صرخة ثانية في وجه النقد ( المميت ) !!
2023 ,07 حزيران
الناقد يوسف الحمدان.
يوسف الحمدان:صوت العرب – البحرين. 
يا الله .. أوشك أن أصاب بالغثيان عندما أقرأ مقالات أو دراسات أو استمع لآراء أغلب نقادنا الأكاديميين الذين 
يزعمون وبتعال وتطاوس أنهم يملكون مصداقية وحقيقة ما يطلقونه في كتاباتهم أو آرائهم حول المسرح وعروضه ورؤاه ، ودونهم لا يفقهون في النقد شيئا .. وهذه كارثة ما بعدها كارثة .
وهنا لا بد من العودة والوقوف على مستويات أغلب معاهدنا واكاديمياتنا المسرحية في وطننا العربي ، والتي تسعى لتخريج أفواج من دارسي النقد لديها لا يظل منها مشاكسا ومتمردا على مناهجها إلا من رحم ربي ، أما الأغلبية للأسف الشديد فهم قطيع لتعاليم قديمة عفى عليها الزمن وضجرت منها حتى المدونات الصفراء البائسة التي تحتويها قسرا والزاما ..
أموت واعرف من أي مدرسة أو اتجاه تخرج أغلب من نطلق عليهم اليوم نقاد اكاديميين ؟ ما الذي تلقوه أثناء دراستهم في هذا الحقل من علوم ورؤى ومناهج ؟ ما الذي كان يشغلهم ويؤرقهم في هذا الحقل ؟ ما الذي استفز رؤوسهم من هذه المناهج والطرق المعلبة ؟ ما الذي استضافوه من رؤى خارج إطار هذه المناهج كي تتكون لديهم حاسة النقد المغاير والمشاكس والخلاق ؟ ما الذي تجاوزوه في دراستهم لما هو سائد من المعلومات المتكئة على المدارس التعليمية التقليدية في المسرح وفي النقد تحديدا ؟ من يا ترى يدرس هؤلاء الطلبة الذين تخرجوا من هذه الاكاديميات والمعاهد المسرحية ؟ ما دورهم في انعاش وتطوير ورفد الحراك المسرحي في بلدانهم وفي الوطن العربي ؟ ما هي إصداراتهم النقدية والبحثية المميزة التي يحرص دارس النقد على اقتنائها ؟ ..
مثل هؤلاء تحليلاتهم لا تتجاوز الخطوط العريضة للنقد الفني المحدود ، وغالبا ما تتكيء على الدروس التاريخية في المسرح ،  ومطابقاتهم لا تتزحزح عن حدود الفضاءات المستهلكة التي من المتعذر بالنسبة إليهم تفكيكها وكما لو 
انها مقدسة ومن تجاوزها وقع في عقاب المحظور ..
إن محصلة هذه الاكاديميات والمعاهد في اغلبها نلمسها للأسف الشديد وبشكل منفر ومشفق عليه في الآن نفسه من خلال خريجيها بقسم النقد والذين تحولوا إلى أساتذة يساهمون ويشاركون في ندوات وملتقيات كثيرة تنظمها المؤسسات الثقافية والمسرحية في وطننا العربي ومن خلال نشر كثير من مقالاتهم ودراساتهم في بعض المجلات والدوريات المسرحية في الوطن العربي، ولكن أي رؤية جديدة ومشاكسة من هؤلاء ( النقاد ) خرجت على ( توابيت ) مناهجها التي تلقتها أثناء الدراسة الاكاديمية ؟ 
أي طريقة جديدة تعلمتها غير سنفرة وسردنة المادة التي تكتبها او تبحث فيها ؟ 
إن الرؤوس ( الثقيلة ) التي توجه لدراسات ميتة لا تنتج نقادا ..
احد الاكاديميين اخرج مسرحية واصدر مقالاتها في كتاب واعتبر ماكتب عن مسرحيته نموذجا مهما للنقد الخلاق !! ..
بعض النقاد الخريجين لم يزلوا يؤمنون بتوازنات الكتل والميزانسين في المسرح ..
التركيز على طريقة الاداء الصوتي التقليدية القريبة من النبرة الاذاعية في المسلسلات التاريخية ..
التوزيع التقليدي لقراءة العرض بدءا من النص والاخراج والديكور والممثلين والصوت ..
توزيع العلامات الرقمية النسبية لمستويات الاداء ومستوى العرض بشكل عام ..
لم يعرفوا من مناهج النقد غير ارسطو ( فن الشعر ) وبن جونسون ومحمد مندور ..
حتى الذاكرة الانفعالية التي باتت تعالج من خلال الأنفاس  فحسب هم لم يزلوا بعد يستذكرون المواقف المؤلمة كي يعيشوا الادوار ويوجهوا صناع العروض للامتثال بها !! 
كثير من النقاد لم يعرفوا في تقييمهم للعروض سوى مدرستي ستانسلافسكي والعبث وبريخت وما بعدهما ليس في وارد التفكير والاهتمام ..
اغلب معاهدنا لا تعنى بالاشتغال على الجسد وكيفية التنظير له وقراءته نقديا  ..
لا يوجد اهتمام بالفراغات الاخرى في العرض والتركيز في أغلبه  منصب على ما هو مكشوف وملحوظ ..
اغلب نقاد الاكاديميات متعالمين  وليس مفككين ..
مادة الدراماتورجيا ليست واردة في مناهجهم ..
الاتكاء على المنظورات في قراءة السينوغرافيا والرموز التجريدية هي السائدة ..
لا يوجد لديهم افقا اخر فلسفيا او معرفيا يدعم ما تعلموه اكاديميا ..
هناك طرق مميزة لدى بعض الاساتذة في المعاهد وهؤلاء استثناء طبعا ..
يخطيء من يعتقد بأن النقد تابع أو سائس لخيول المسرح .. ينبغي أن نتعامل مع النقد بوصفه نصا رؤيويا ، بقدر ما يقرأ التجربة والظاهرة للمسرح ، بالقدر الذي يسهم في تأسيس رؤى مستقبلية ممكن أن تتجسدها الحالة المسرحية ..
هناك تقاطع كما أشرت بين العرض والنقد ، هناك إثراء متبادل وخلاق ..
من هذا المنطلق ينبغي أن نقرأ ونتحسس طريق النقد في المسرح ..
جمالية النقد تكمن في كونه مشروع رؤية وقراءة عميقة واستبارية معضدة بمفردات دلالية باحثة تتملك إمكانية أن تتحول إلى خطاب فكري وإبداعي يعيد إنتاج المنقود بوصفه نصا تأويليا .. 
النقد أفق يشاكس جغرافيا التلقي ولا يقف عند اتجاه واحد في البوصلة ، لذا فهو عصي على من ارتكنت خلايا تفكيره إلى سطح المنقود دون بحث أو مشاخصة ..
 كثير يطلق عليهم نقاد ولكنهم في واقع الأمر هم أبعد ما يكونون عن النقد ، بل هم وللأسف الشديد من كرس آلية التعاطي النقدي السطحي والأفقي ..
 النقد ليس انتقام شخصي ، النقد مسئولية فكرية معاصرة على ضوئها ترتقي عقول وأمم ومن خلالها تتبلور وتتشكل رؤى وآفاق جديرة بالتأمل ..
يجب ان تتمتع ادارات المعاهد والاكاديميات المسرحية بقدر من الاستقلالية في اختيار طلبتها الموهوبين بعيدا عن ترشيحات الدول للبعثات والمنح كما كان يجري سابقا لان لذلك تبعاته السلبية على كثير من الموهوبين الذين حرموا فرصة الدراسة الاكاديمية ، ولنا أسوة بأكاديمية الشارقةللفنون الادائية وإن لم تعنى بمجال النقد المسرحي ، الا أنها حددت هويتها الأكاديمية العالمية البعيدة عن الفوضى المنهجية الانتقائية التي اعتمدتها أغلب الاكاديميات والمعاهد المسرحية في وطننا العربي والتي لا جدوى من دراساتها المنهجية المدرسية التي لا تضيف شيئا للطالب ومحتواه ، ومخرجاتها هو ما نراه ونلمسه اليوم أمامنا، خاصة في النقد التطبيقي الذي لم تتح له فرصة أن يتشكل بعيدا عن الأطر المنهجية المتبعة في هذه المعاهد والاكاديميات ، إضافة إلى رسائل الماجستير والدكتوراه التي أصبحت للأسف الشديد عبارة عن حفظ واملاءات يريدها المشرف على الرسالة وكما لو أنها رسالته الخاصة به لا رسالة من يشرف عليه ..!! 
 ان المعاهد والاكاديميات اصبحت اشبه بحكومات موازية في دكتاتوريتها الاكاديمية في المسرح ..
إن مستويات التدريس في هذه الأكاديميات والمعاهد لا تقوم بل ليست مؤسسة على رؤى واتجاهات ، ولا تتوفر على التنوع الاكاديمي المتكافئ كما هو نسبيا في تونس والمغرب ، لذا تكون المحصلة في نهاية الأمر مدرسية تلقينية بامتياز ، ونتاج هذا النوع من التدريس نقد عقيم ..!! 
وللاسف هناك من يعتقد بأن كل استاذ نقد بالاكاديمية بالضرورة ناقد وهذه مشكلة أيضا، إذ معها يتم نفي وإقصاء بعض النقاد الذين اثروا ساحتنا المسرحية برؤاهم بالرغم من عدم انخراطهم في سلك التدريس الأكاديمي ، ولعل أكثر من تخرج من أقسام النقد المسرحي لم يزاول هذا الاختصاص ، فهم ندرة حقا ،وأنا شخصيا واحد من بين كثير ممن تخرجوا من قسم النقد على دفعات متوالية والذين لم يمارسوا هذا الدور ، ولكن لم يبق في ذاكرتي من دروس النقد الاكاديمي 
  الا ما يذكرني بنسيانه ..
اعتقد أنه  آن الاوان لأن تغلق مثل هذه الاكاديميات والمعاهد المسرحية في وطننا العربي ابوابها لتعيد النظر في مناهجها وطرق تدريسها ونظمها الادارية والفنية المترهلة وفي مستوى طاقمها الاكاديمي والاداري وفي مرجعياتها القديمة .. إذ لا بد من الخروج عن القطيع كما ذهب إلى ذلك الفنان التشكيلي البولندي توماس كوبيرا في لوحته التي احتفي بها في صرختي هذه ..
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون