الأردن ؟.
2023 ,01 حزيران
ناهض حتر:صوت العرب – الاردن.
هذا هو عذابي المتلاف.. اخترعتُ وطنا من شدة الرغبة الملحاحة. الرغبة الصاعدة كالموج من داخلي.
أضحكُ، ملء فمي، من الحوارات والعداوات والمؤامرات والتهديد.
أضفْ ما شئتَ.
إنني أضحك لأن يقيني الوحيد هو رغبتي.
كيف أساجل رغبتي؟ أستطيع أن أكبحها يوما.. شهرا، لكن الحياة طويلة، وهي تعاودني بانتظام جبار.
هكذا استسلمتُ لها، إنني أنحت وطنا من الرغبة، أو ان الرغبة هي وطني. أحيانا أشعر بالسخف! الوطنية سخف على نحو ما.
لكن سوف تظل الرغبة.
هل الأردن هو ذاك الذي على الخارطة؟ الذي نقرأه في الصحف ونشاهده على التلفاز ونصطدم به في الفظاظة المستجدة، في الازدحام المستجدّ حيث يرتطم المال بالمال، والرغيف بالرغيف؟ أم أنه رغبتي أصبحت بلدا؟
فكرتي تحققت وطنا، وطنا مستحيلا يركض وراء الفكرة، ولا يلحقها .
الفكرة التي لا تتلاشى ولا تنكسر ولا تُناقش، فهي بنت الرغبة. 
بترا؟
بالطبع بترا.
لا يمكن تجاهل بترا: أرض خلاء، جبال جرداء من صخر ملوّن، القليل من الماء. هل يصلح ذلك كله من أجل منزل ـ موطن ـ وطن؟
سوف تضطر لإخفاء شقائك بالرحلة الصعبة، أنا لا أحب الآثار، كأنها جثة الأمس ملقاة على قارعة الطريق؟ الجثة تدل على أن صاحبها عاش في الضدّ.. لا على نهر، ولا على بحر، ولا في جبل من الينابيع.
استولد من رغبة سابحة في التاريخ، وطنا.
الرغبة/الفكرة نحتها بشرٌ في الصخر، كانت رغبة / فكرة خلّفت جثةً. سأدير وجهي عنها أنا أيضا لدي رغبتي.. فكرتي.. سأحاولها. 
كان يمكن للأنباط، العيش في الخيام، الانتقال، في رحلتي الشتاء والصيف. هكذا عاشت قبائل كثيرة، قبلهم وبعدهم.. لماذا هذا العناء المستحيل في استيلاد وطن من لا شيء تقريبا. 
وطن يختتنُ الأرضَ في ما لا يفنى، في موت لا يمّحى.
ماذا كان يضطر الرجال والنساء إلى تأليف وطن بالإزميل؟
ما الذي حدا بشخص ما، أيا كان، إلى ذلك العناء؟
كان يمكنه أن يعيش بدويا سارحا في الصحراء، كان يمكنه أن يتسلل إلى دلتا النيل، إلى غوطة دمشق، إلى أرض اللبن والعسل، كان يمكنه أن لا يكون. لكنه كان، في الأرض الخلاء، في الجبال الصخرية، بالقليل جدا من الماء، بالكثير جدا من الرغبة التي تشق الصخر، وتؤلف دولة.
دولة بين الفراتين والساحل، بين الصحراء والبحر، دولة تحقق المعنى حيث لا معنى.
هذا هو إعجاز الأردن: بلد يولد من فكرة، فكرة تولد من رغبة، رغبة تنزع، تفكّر، ترى، تنحت بالأظافر، تُنبتُ الصحاري، تقاتل، وتصهر النحاس والنساء وتُلبسهن الحرير وتشحنهنّ بالمودّات.
الأردن؟
ليس كيانا سياسيا لكي يُلغى عن الخارطة.
ليس خيارا لكي يتبدل.
ليس واقعا لكي يزول.
إنه رغبة تسكننا حتى الموت. الرغبة لا تموت، و لا يمكن تعليبها أو وأدها أو تجاهلها.
تختفي كالسراب وتنفجر كالنبع، تبحث عن التحقق الأبدي الذي لا يأتي: لذّة أن تكون أردنياً.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون