2023 ,30 نيسان
*د. خالد شوكات :صوت العرب – تونس.
تحدّث الكثير وما يزالون خلال الفترة الأخيرة عن نهاية الإسلام السياسي ، مرجعين الأمر إلى إقدام الرئيس سعيّد على اعتقال الشيخ راشد الغنوشي وعدد من قيادات حركة النهضة، وإلى إخراج الإسلاميين من مؤسسات الحكم والسلطة، وتفاعلا مع هذا الرأي أرغب في إبداء بعض الملاحظات أغلبها في شكل أسئلة وتنبيهات، تعميقا للنقاش ومحاولة للفهم، وذلك في شكل نقاط كما يلي:
١- اذا كان المقصود بالإسلام السياسي هو مجمل الحركات والتنظيمات - وحتى الشخصيات - الإسلامية على اختلاف أنواعها وأطروحاتها وانقساماتها، هل يمكن القول فعلا بأن الاسلام السياسي يمكن أن ينتهي بإخراج جماعة الإخوان المسلمين تحديدا، أو فروعها في المنطقة من دائرة الفعل السلطوي، مع الاخذ بعين الاعتبار أن حركة النهضة التونسية لا تعتبر نفسها فرعا للإخوان، وهي منفصلة عنها تنظيميا منذ بداية السبعينيات، فضلا عن وضوح التمايز الصارخ في الأطروحات بين الطرفين لكل الباحثين المنصفين؟
٢- الإسلام كدين في حد ذاته "إشكالي" بهذا المعني، فعلاقة الإسلام بالسياسة تكاد تكون بنيوية، ولهذا فشلت جميع المحاولات التي سعت إلى "علمنة" هذا الدين، وكف يد رجاله وعلمائه وحتى معتنقيه عن التدخل في الشأن السياسي، باعتبار ذلك جزء من الحسبة، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضلا عن قناعة عميقة لدى كثير من المؤمنين بالإسلام كرسالة عالمية، بأن الاهتمام بشؤون النّاس هو ما ميّز هذه العقيدة عن سواها من العقائد، ويكتسي هذا التوجّه أهمية أكبر خصوصا مع تصاعد نقد الحداثة الغربية وما يعتبره بعض المفكرين المسلمين بوجود حاجة إنسانية للإسلام بهذا المعنى، أي عدم تخلّي الدين عن واجباته في حماية مؤسسة العائلة والذود عن المنظومة الأخلاقية في نسختها المحافظة؟
٣-هل يبدو الصراع بين الرئيس سعيّد وحركة النهضة صراعا بين الإسلام السياسي والتوجه العلماني ؟ أم أن حقيقة هذا الصراع أنه بين أطروحتين للإسلام السياسي نفسه، إحداهما تدعو إلى "الإسلام الديمقراطي" وأخرى تتبنى نسخة محلّية ل"الإسلام الإمامي"، فالرئيس سعيّد تمكّن من دسترة مقاصد الإسلام/مقاصد الشريعة الإسلامية، ويبدو في خطابه السياسي واستعاراته اللغوية وأمثلته الاتصالية "إسلاميا" أكثر من الإسلاميين التقليديين، كما يبدو في جرأته على مكتسبات "العلمانية البورقيبية" خاصّة أكثر إقداما من أكثر القيادات النهضوية جسارة، بالإضافة إلى رفضه الراديكالي لكثير من المقترحات "التقدمية/الحداثية" التي يشتم منها مسٌّ بالمعروف من الدين بالضرورة كموضوع المساواة في الإرث؟
٤- هل يمكن القول بأن الصراع الإسلامي- الإسلامي غير حقيقي، تماما كالقول بأن الصراع السوفيتي - الصيني أيام الحرب الباردة، أو الصراع الستاليني- التروتسكي - الماوي، أو الصراعات اليسارية- اليسارية التي لا عدّ لها كانت مجرّد مسرحية، أو أن الصراع الناصري - البعثي أو البعثي - البعثي كان مجرّد تمثيل، أو أن الصراع بين الدساترة الجدد والقدامى والصراع البورقيبي- اليوسفي كان مجرّد خيالات و أوهام.. أليس هذا الزعم بأن الإسلاميين "واحد لا يتجزأ" أطروحة ايديولوجية متهافتة لا تصمد أمام الوقائع العملية التي جعلت الإسلاميين يتقاتلون فيما بينهم، ويغتالون بعضهم البعض، ويكفّرون بعضهم البعض، فما الذي يمكن أن يجمع الإخوان بالدواعش بأنصار ولاية الفقيه بجماعة حزب التحرير الذين يطالبون بعودة الخلافة بالطرق الصوفية التي تعتبر السياسة رجس من الشيطان.. هناك آلاف الانقسامات التي يمكن أن ترصد عبر التاريخ والجغرافيا الإسلاميين، والتي تقود كل متأمل فيها إلى الاقتناع بأنه بقدر ما يمكن القول بأن الإسلام واحد فإن المسلمين كانوا منذ زمن النبوّة متعددون بعدد شعر الرأس؟
٥- أخيرا وليس أخرا، هل أن الإسلاميين وحدهم من يتّخذ من الإسلام مرجعية فكرية وأداة سياسية يا ترى؟ هل تخلّى بورقيبة أو عبد الناصر أو القذافي أو حافظ الأسد أو غيرهم من الحكّام في العالم العربي والإسلامي عن الإسلام وتأويله وتسخيره لخدمة السلطة والحكم.. الواقع يؤكد أن الصراع كان بينهم وبين الحركات الإسلامية حول تأويل الإسلام وتسخيره، وليس صراعا بين العلمانية والإسلامية..
وبناء على كل هذه الملاحظات والأسئلة وغيرها، هل ما يزال القول ممكنا بأن الإسلام السياسي يمكن أن ينتهي، أم هو ضرب من المماحكة الايديولوجية والتلاعبات السياسوية!!؟
*كاتب عربي ووزير سابق من تونس.