في الطابع السياسي لقرار صندوق النقد الدولي.
2023 ,16 شباط
*د.خالد شوكات:تونس – صوت العرب.
كنت استمع قبل قليل إلى أحد المدراء العامين السابقين في البنك المركزي في احدى الاذاعات الوطنية، الذي قال أن السنوات الأربع القادمة ستكون السنوات الأصعب من حيث التزامات الدولة المالية لسداد قروضها الداخلية والخارجية، وهو ما يقتضي قدرة استثنائية على تعبئة الدولة لمواردها المالية سواء بالعملة المحلية الدينار أو بالعملة الصعبة. 
ومما ذكره في هذا السياق، أن الأسواق المالية العالمية مغلقة حاليا في وجه تونس جرّاء عوامل كثيرة من بينها تخفيض ترقيمنا السيادي، وأن الدول الشقيقة والصديقة التي اعربت عن رغبتها في مساعدة تونس تنتظر اتفاقها مع صندوق النقد الدولي الذي تعثّر إلى حد الآن.
كما قال الرجل أن الدولة مطالبة بتسريع نسق النمو حتّى تتمكن من تعبئة موارد جبائية أكبر للخزينة العمومية، وهو أمر يبدو صعب المنال، إن لم يقل شبه مستحيل، بالنظر إلى توقّف الاستثمار العمومي الذي يعدّ قاطرة الاستثمار، فالمستثمرون الخواص من الداخل والخارج عادة ما يرسمون مخططاتهم الاستثمارية بناء على مخططات الدولة وبرامجها، والاستثمار كما هو معروف "أهم محركات النمو"، وهو مرتبط بالمناخ العام، أي مناخ الثقة السائد خاصّة.
وعندما نتحدّث عن "الثقة" فإننا نتحدّث عن عناصر أخرى أساسية يجب توفيرها، تتجاوز المسائل الاقتصادية، إلى مسائل اجتماعية، وخاصّة مسائل سياسية، وهنا مربط الفرس كما تقول العرب، حيث استمتع أحيانا إلى بعض الخبراء الماليين والاقتصاديين، ندرك أنهم يعرفون موضع الداء ولكنهم في أحاديثهم وتصريحاتهم يحومون حوله ويترددون في ذكره..
وبعبارة أخرى، يحاول البعض أن يتحدّث - زعماً للتشبّث بالاختصاص التقني الصرف- عن الاقتصاد باعتباره "عملية تقنية ومالية"، والعارفون يدركون أن الاقتصاد "مسألة سياسية"، وأن الانعاش أو الانقاذ الاقتصادي هو "قرار سياسي" في المقام الأول يرتبط بحزمة من الاجراءات السياسية تصاحبها بناء عليها اجراءات قانونية ومالية واقتصادية…الخ.
وهنا أقول أن تونس لن تتمكن من مجابهة التزاماتها المالية المتعلقة بالدين، ولن تتمكن من انقاذ اقتصادها دون انقاذ نفسها من الازمة السياسية التي تعيشها، وهي أزمة بصدد التعمّق لا الحل اذا توقفنا بالخصوص عند المستجدات الراهنة، أي اصرار رئيس الدولة على المضي في سكّة العناد وتجاهل المعطيات الواقعية والهروب إلى الأمام.
وبقول آخر ، وبصدد أهم عقدة متمثلة في قرض صندوق النقد، الذي تردد ضمن أجواء الزيارة التي تقوم بها السيدة بودن إلى الامارات، أنه بصدد التحيين، أكاد أجزم بأن القرار هو "سياسي" بامتياز، وأن ما استجد طيلة الايام الماضية وما يزال، من اعتقالات لنشطاء سياسيين وإعلاميين بتهم ارهابية غير مقنعة البتة، وتكييف قانوني عجيب غريب غير مسبوق وطنيا ودوليا، وتسخير "سياسوي" للمنظومة القضائية من جديد، مما يعمّق الأزمة السياسية، ومعها أزمة الثقة في بلادنا على الصعيد الخارجي، وما يستتبع ذلك من صورة قاتمة عن دولة "تمنع المعارضة السياسية" وتقوم بتحويلها إلى "جريمة ارهابية"، كل ذلك ستكون له تداعيات خطيرة، لعل أهمها مواصلة صندوق النقد لممانعته فالجميع يدرك أن قرار هذه المؤسسة المالية العالمية هو قرار سياسي بالدرجة الأولى..
خلاصة القول، أن ما تسعى "الادارة التونسية" ومعها جماعة التكنوقراط من "انقاذ اقتصادي ومالي" يستغرق منها بذل جهود مضنية على مرّ أشهر طويلة، يقوم رئيس الدولة بقراراته "الشعبوية" وهوسه "السلطوي" بهدمه في سويعات قليلة
 *كاتب عربي ووزير سابق من تونس.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون