الزمن والنخب: في انطولوجيا الثقافة العربية للدكتورعبدالحسين شعبان.
2023 ,14 شباط
دولة ا.د.عدنان بدران.
*ا.د. عدنان بدران: صوت العرب – الاردن.
استضافت المكتبة الوطنية في عمان- الاردن، الباحث والمفكرالدكتور عبد الحسين شعبان للحديث عن كتابه "الزمن والنخب في انطلوجيا الثقافة العربية" بمشاركة الرئيس اليمني السابق علي ناصر محمد ،دولة الأستاذ الدكتور عدنان بدران،معالي المهندس سمير الحباشنة ،السفير السابق الدكتور يوسف الحسن والبروفيسور الدكتور شيرزاد النجار مستشار رئيس وزراء اقليم كردستان للتعليم العالي سابقًا وبحضور مدير عام المكتبة الوطنية الأستاذ الدكتور نضال الأحمد العياصرة،وعدد من المهتمين.
وقد القى دولة الدكتور"عدنان بدران" رئيس الوزراء الاردني الاسبق،كلمة كانت بمثابة قراءة كتاب وفكر الدتور"شعبان".
في إطار منظور فلسفي، تعرض الكتابُ إلى نخبة من الشخصيات الفكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية، أثرت وتأثرت في التغيرات السريعة التي جرت في أتون ومخاضات المنطقة العربية، إيجابياتها وسلبياتها لما مثلته من مدارسَ فكرية في كينونة علم الوجود "الانتولوجيا" Ontology.  يسلط الكتاب الضوء على انجاز هذه النخبة في سياق المرحلة الزمنية التي خاضتها أمتنا العربية، على قاعدة الإصلاح والتنوير والتغيير.
لقد كان هاجسُ وحضورُ النخبةِ مهما اختلفت اتجاهاتها الفكرية والسياسية هو لتحقيق المشروع النهضوي العربي، وبرزت القضيةُ الفلسطينية خلالها كرافعة جامعة ونقطة لقاء جامع بل قاسمٌ مشتركٌ عروبي، وحدّ مزاجَ الأمة، ضمن تعددية فكرية وأحياناً متضاربة.  لقد شمل الكتابُ 48
شخصية عربية من 16 بلداً عربياً، وغاب العراق عنها إذ سيخصصُ المؤلف عرضاً خاصاً لها في المستقبل بشخصياتها المتميزة، ويقول المؤلف ان العراق كان حاضراً بكل مفصل من مفاصل هذه السردية الانتولوجية.
عالج "الدكتور شعبان" مفهوم التسامح في تحليله للشخصيات المختارة، والكارزما التي يتحلون بها، تاركاً الرؤية الأيديولوجية جانباً، نافذاً إلى الأثر الذي تركته تلك الشخصية فكراً وعملاً.  لم يلجأ المؤلف إلى المديح للتقرب من أي شخصية فكرية، بل كان يلجأ دائماً إلى البعد الإنساني في سلوك وتصرف المسؤول وخاصة الحاكم، فتناول مثلاً الراحل "الملك الحسين بن طلال" باحثاً عن كينونة شخصيته، قريباً من شعبه، وتميزه بالبساطة، والمساعدة والسخاء لمساعدة المحتاج، والتسامح مع الجميع حتى بمن اختلف معهم، حيث جعل من دولة صغيرة شحيحة الموارد، دولة كبرى في المجريات الدولية لها ثقلُها، إذ حزن شعبه من مختلف الاتجاهات بفراقه، والانتقال إلى جوار ربه، كما حضر زعماءُ العالمِ للسيرِ في
جنازته، مهما تنوعت اتجاهاتهم أو خلافاتهم السياسية، فكانت حقاً جنازة القرن.
ويقول "الدكتور شعبان" أنَّ الأردنَّ "يمتلكُ موقعاً وسطياً استثنائياً مما جعله يتحمل تحدياتٍ استثنائية"، لذا كان الملكُ استثنائياً، في بناء دولة عصرية، في منطقة أوسطية ملتهبة، تحيط بحدوده خمسُ دولٍ لها مشاكلها الاستثنائية الداخلية، وأحياناً مشاكل استثنائية أخرى عابرةً للحدود، استطاع الأردن بحكمة مليكه القريب من جميع شرائح شعبه، أن يصمد كقلعة متراصة وسط أمواج وتيارات عاتية استثنائية، مما جعل من شخصية "الحسين" بأن يكون شخصية أخلاقية حكيمة استثنائية بامتياز. 
وتعرض "الدكتور شعبان" في تحليله إلى شخصية أخرى، جمعت مزايا كثيرة وكبيرة، ومؤثرة في شخص واحد، من سياسة، وثقافة، وفلسفة، وفكر ناقد، ومسؤول، وراصد، وفكر تنويري، لذا مرة أخرى وصفها بشخصية استثنائية منفردة "الأمير الحسن بن طلال" الذي يسمونه أعضاءُ منتدى الفكر العربي بأمير الفكر الإنساني والعربي احتراماً لخصائصه
وموقعه المعرفي والفكري والثقافي ولصراحته المتناهية في بحثه عن الحقيقة، فهو المثقف سياسياً، والسياسي المثقف، برؤيا استشرافية لمستقبل غامض، "فالحسن" هو صاحب فلسفة، ورؤية شاملة للحياة، والكون والموقع، له كارزمته السياسية بنكهة فكرية، وثقافية، دون ادعاء أو استعراض، فهو إنسان يوصف بالتواضع والتسامح وعدم التمييز وحب الآخر، واحترام الاختلاف داعياً إلى تجسير الفجوة بين المفكر وصاحب القرار، تدعوه المدارسُ الفكرية الإقليمية والعالمية للسماع لمحاضراته. 
بالمقارنة والمقاربة مع سيرة الأمير الحسن وصفاته، لجأ "الدكتور شعبان" إلى سرد أقوالٍ مأثورة للمهاتما غاندي الذي قال "في الشجاعة الفضيلة من فضائل الإنسان الذي يتمكن الإمساك برباطة جأشه في الوقت المناسب" ولأفلاطون الذي قال "الحاكم كالنهر العظيم تستمد منه الأنهارُ الصغار، فان كان عذباً عَذُبتْ.. وإن كان مالحاً مَلُحَتْ".  
إن الدفاع عن الحقيقة يتم بالقيم النبيلة لا بالعنف، والغاية العادلة تفترضُ وسيلةً عادلة، لأن الوسيلةَ هي جزء من الغاية، بالمفارقة مع ما قاله "ميكافيلي" في كتابه "الأمير" الغاية تبرر الواسطة.
و"الحسن" إيمانه عقلياً، يؤمن بتعظيم الجوامع للأمة، واحترام الفوارق في العيش المشترك، علينا احترام حقوق الإنسان والتنوع الديني والمذهبي، والثقافي، لبناء مجتمع راسخ وآمن لا تهميش فيه للأقلية، فالتنوع له قيمة مضافة تؤدي إلى فسيسفائية جمالية في الفكر والثقافة، وعكسهُ يؤدي إلى الكراهية والتعصب، والتطرف والغلو، والعنف وصولاً إلى الإرهاب.  "فالحسن" إيمانه عميق بفكره، والانفتاح من خلال وسطيتهِ واعتداله، مما جعله من أبرز رموز التسامح في العالم العربي، وتشهد المؤسسات التي أنشأها أن الناس يفكرون جميعاً بنفس الطريقة، إلا أن كل فرد منهم لا يدرك إلا جزءاً من الحقيقة، وينظرون إلى الجزء الفارغ من الكأس أو من زاوية مختلفة، وهو ما استند إليه "غاندي" في رسالته من السجن "لا أحب التسامح، ولكني لا أجدُ أفضلَ منه" وأيضاً "نلسون
مانديلا" الذي تميز في تسامحه مع سجانيه لأكثر من عشرين عاماً، عفا عليهم جميعاً بعد أن أصبح رئيساً للدولة في جنوب أفريقيا.  إننا كبشر قد نخطئ ونحن حسب "فولتير" "نتاجُ الضعف وميالون للخطأ، لذا علينا أن نسامح بعضنا بعضاً مع جنون البعض الآخر"، وكما يقول الشافعي "قولي صوابٌ يحتملُ الخطأ، وقولُ غيري خطأ يحتمل الصواب".
وتطرق "الدكتور عبد الحسين شعبان" في سرديته إلى وصف فلسفي عميق للأمير الحسن بأن "نصفَ عقلهِ يعيشُ في المستقبل" أو حسب تعبير الروائي الروسي "مكسيم غوركي" عند وصفه لأحد مفكري عصره، "فالحسن" لا يتعاملُ مع الحاضر فقط، وكلُّ حاضرٍ امتدادٌ للماضي والأخيرُ امتدادٌ للمستقبل، ومن يخطئ في تقدير الماضي فإنه سيخطئ في النظر إلى الحاضر والمستقبل.  
صحيح أن الماضي أصبح ماضياً، وهو جزء منْا لا نستطيع أن نتخلّى عنه، لكن ذلك لا يعني الاستغراقُ فيه والتعاملُ معه كحاضر والتقوقع في دهاليز الماضي، لأنه أصبح ماضيا".
*اكاديمي ورئيس وزراء اردني سابق.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون