احمد الطوباسي:صوت العرب – فلسطين.
يعود تاريخ ونشأة مسرح الحريه في بداية الانتفاضه الاولى ١٩٨٧، حيث تعرض النظام التعليمي للانهيار وتوقف الحياة التعليمية المدرسية بحكم الاحداث المتلاحقة و اجراءات جيش الاحتلال و التي تمثلت في الاقتحامات للمدن واسر الكثير من الشباب الفلسطيني وملاحقات امنية ضد الرافضين لسياسات الاحتلال ومنع التجول لفترات طويلة، في ذلك الوقت لم يكن هناك بدائل للتعليم الاساسي الالزامي أو حتى مراكز مهيأة لاستقبال الطلاب الاطفال او الشباب وتفريغ طاقتهم.
في هذه الفتره ترددت المناضلة والناشطة آرنا ميرخميس لمخيم جنين حيث كانت تحضر مواد أساسيه للاطفال مثل اوراق بيضاء واقلام والوان لتصبح آرنا ميرخميس ( سانتا كلوز أطفال مخيم جنين )، كنت طفلاً صغير في ذلك الوقت ولا زال ذلك المشهد أمام عيني عشرات الاطفال يجلسون في الشارع بخطوط من مئات الأمتار يرسمون ويلونون تلك الاوراق والرولات البيضاء ولا زلت ارى تلك المرأة القوية بلهجتها العربية الثقيله وشخصية المرأة القوية وترتدي الكوفية الفلسطينية في جميع حالاتها وفي كل الاوقات . وفي بداية التسعينات حصلت آرنا ميرخميس على جائزة نوبل البديلة للسلام مما مكنها وهي وطاقم النساء في المخيم من فتح بيوت للطفوله في مخيم جنين وهي أول مكان مخصص لأطفال مخيم جنين كنا نتعلم نرسم نغني ونحلم بمستقبل افضل .
في ذلك الوقت اتى جوليانوا ( ابن آرنا ) ليؤسس أول فرقه مسرحية من الاطفال والشباب وأول مسرح في مخيم جنين ومدينتها واسموه ( مسرح الحجر ) نسبة للانتفاضة الاولى حيث كانت الطريقه المتبعه في المقاومة عند الفلسطينين هي الحجر ، ليقدموا اول عمل فني متكامل العناصر ( اضاءه ، سينوغرافيا ، كوستيوم، تأثيرات صوتيه ….الخ) وكانت المسرحية بعنوان القنديل الصغير للأديب والمفكر المقاوم الفلسطيني غسان كنفاني . أتذكر في ذلك الوقت كنت بالصف الاخير احاول ان اشاهد جميع اللحظات بعنايه لا تعرف ما هذا الشئء الذي يحدث على المنصه لم اكن اعلم ان ما يحدث هو ما يسموه المسرح. ولكن في ذلك الوقت كان بالنسبة الي سحر انه السحر وهذا يمكنني ان اطلق عليه .
بعد ذلك اصيبت آرنا بمرض السرطان ولم تتمكن من القدوم للمخيم وللمسرح وبعد ذلك توفيت بسبب المرض واغلق المسرح لاسباب كثيره. في الانتفاضه الثانيه التي اندلعت في العام ٢٠٠٠ وقبل اجتياح مخيم جنين والضفه الغربية ب ٢٠٠٢ اصبح جميع فرقة المسرح مقاومين مسلحون في وجه الاحتلال ولكن خلال الاجتياح استشهد معظم طاقم المسرحيه ولم يبقى سوى ممثل واحد وهو زكريا الزبيدي ليصبح قائد كتائب شهداء الاقصى في الضفة الغربيه والمطلوب رقم واحد لجيش الاحتلال الاسرائيلي ومخابراته ومحاولات عديده لاغتياله والذي يقبع الان في سجون الاحتلال منذ ( ٢٧-٢-٢٠١٩) وكان أحد ابطال النفق السته الذين تمكنوا من الهروب من سجن ( جلبوع ) الامني والمخصص للمعتقلين ولكن اعيد القبض عليه وعلى المعتقلين الاخرين بعد عدة ايام من الهروب في ١١-٩-٢٠٢١ . في ذلك الوقت رجع جوليانو للمخيم ليطمئن على اطفاله واصدقاءك في مخيم جنين ليجد ان معظمهم قد استشهد وان مسرح الحجر قد دمر ليوثق هذة الاحداث في فلم وثائقي رائع ( اولاد آرنا ) التقى جول وزكريا وناشط اخر سويدي اسمه جوناثان ستانزاك ليناقشوا اعاده فتح المسرح ومن ابرز ما كانوا يتناقشون فيه ما يمكن ان يكون الاسم الجديد للمسرح وبكل بساطه و براءه سال زكريا جوليانو زكريا : ما الغاية من اعادة فتح المسرح ؟ جوليانو : الحريه زكريا : اذن سنسمية مسرح الحرية .
وهكذا بدات رحلة المسرح وكانوا يبحثون عن مكان للمسرح حيث اجمعوا على اختيار مبنى بريطاني قديم في المخيم وكان محطة للجنود البريطانين في زمن الانتداب البريطاني وتحول لمخزن للمواد التموينية للاجئين تابع لهيئة الامم المتحده ولكن المبنى كان مهجور ومقفل وكان باب القاعة مغلق بقفل قديم فما كان من زكريا الا ان يقوم بكسر القفل بأخمص البندقية من نوع ام ١٦ ليعلن بداية واول خطوة في مسرح الحرية.
في عام ٢٠١٦ كان الاعلان الرسمي لافتتاح مسرح الحرية في مخيم جنين بمشاركة فنانين ونشطاء من جميع دول لعالم في ذلك الافتتاح اعلن مؤسسي مسرح الحرية ان الانتفاضه الثالثه ستتكون انتفاضه ثقافيه فنية ، وسنقاوم من خلال الفن والمسرح والرقص والشعر والافلام وكل المجالات الثقافيه والفنيه والتي تعتبر من ابرز ادوات المقاومه مثل اي اداة مقاومه اخرى وكانت مقولة المؤسس جوليانومير ومسرح الحرية - ( خشبة المسرح هي سلاحي الكلاشنكوف ) Ak47 هذا النهج لا يتماشى ولا يعجب الكثير وخصوصا الاحتلال الاسرائيلي وقواعده على الارض ففي شهر ابريل من العام ٢٠١١ تم اغتيال جوليانو على بعد امتار من مسرح الحريه باطلاق ما يقارب ٥ رصاصات على جسده من شخص مقنع والذي هرب تاركا قناعه وراءه .
وبالنسبة لنا كفلسطينين وكطاقم مسرح الحرية من المؤكد ان من قتل جوليانو هو نفسه الذي قتل النشطاء السياسين والمثقفين والفنانين الفلسطينيين هو نفسه بغض الطرف عن الطريقه والاسلوب . الى يومنا هذا ما زال مسرح الحرية يقدم الكثير من التضحيات من بداية شهر ٧ -٢٠٢٣ استشهد ثلاثة اطفال او مشاركين في ورشات الدرما في مسرح الحريه وهم : محمود السعدي سديم نغنغية جهاد تركمان وتم اقتحام وتدمير اجزاء كبيرة من المسرح ومحتويات المسرح اكثر من مره خلال عام ٢٠٢٣ واليوم يعتبر مسرح الحريه من اهم المسارح في فلسطين وهو مؤسسه عالمية موجود في مخيم جنين ويقدم عروضه في مختلف انحاء العالم.
وكانت قد اقيمت ندوة "المسرح والمقاومة الثقافية في فلسطين"وشارك فيها فنانون مسرحيون من فلسطين يمثلون فرقا مختلفة مثل «فرقة المسرح الشعبي في رام الله، ومسرح سنابل في القدس، ومسرح نعم في الخليل، ومسرح الحرية في مخبم جنين.
وحضر من الفنانين الفلسطينيين: غنام غنام، إيهاب زاهدة، فتحي عبد الرحمن، أحمد أبو سلعوم، حسين نخلة، أحمد طوباسي،شادن سلامة، ياسمين شلالدة، وبحضور الكاتب المسرحي إسماعيل عبد الله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح.
وقد أدار الأمسية د. سليم عجاج، الذي استهل حديثه بقصيدة للشاعر محمود درويش، قائلا: كأن البلاد تلقننا ما نقول، لكن عيد الشعير لنا وأريحا لنا ولنا تقاليدنا في مديح البيوت وتربية القمح والإقحوان، سلاما على أرض كنعان، أرض الغزالة والأرجوان».
وطالب الحضور بالوقوف دقيقة حداد على الشهداء الفلسطينيين.
وتحدث الفنان اللبناني رفيق علي أحمد، عضو مجلس أمناء الهيئة العربية للمسرح عبر كلمة الهيئة العربية للمسرح فقال: إنه تشريف وليس تكليفا أن تنتدبني الهيئة العربية للمسرح للتحدث باسمها، وهي التي تضم أسماء وقامات جديرة بالقول والفعل، ويتضاعف التشريف حين تكون بغداد بكل ما تمثله من ابداع وعراقة وكفاح هي حاضنة هذا اللقاء، وتكون فلسطين العنوان الأبرز لهذه الكلمة، لأن المسرح، خصوصا والفن عموما، لا ينفصلان عن الواقع بأي حال من الأحوال، فكيف إذا كان هذا الواقع مكنوبا بدماء الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وبعزائم المقاومين، الذين يسطرون تاريخا جديدا على أرض غزة، التي لن يكون ما بعدها، كما كان قبلها.
شارك كذلك في الأمسية الفنان العراقي جواد الشكرجي والفنانة الأردنية مرام أبو الهيجاء، ليتلوا علينا بعضا من أسفار فلسطين بمشاركة الفنان الأردني عبد الرازق مطرية، وألقى جواد ومرام أبياتا من أشعار سميح القاسم وتوفيق زياد.
وتحدث أيضا الفنان الفلسطيني فتحي عبد الرحمن، عن تاريخ الأسي الفلسطيني المقاوم للاحتلال، كما تحدث الفنان إيهاب زاهدة، والفنان الفلسطيني أحمد أبو سلعوم، مؤسس مسرح «سنابل في القدس».
*من ندوة المسرح والمقاومة الثقافية في فلسطين/مهرجان المسرح العربي 14 - بغداد 2024.