*أصداء ما بعد الدراما:الحساسيات الجديدة خلفيات وتنظيرات .
2024 ,16 كانون الثاني
أ. عبير علي
نماذج من تجارب مسرحية تشكل حساسيات جديدة في المسرح المصري....مجايلة أم مغايرة؟
أ.عبير علي :صوت العرب - بغداد.
تساؤلات قد تشكل مدخل
دائما ما تولد التجارب الابداعية انطلاقا من حركة المبدع لتلبية احتياجات فكرية وجمالية لديه ولدي المتلقي، وتتشكل وتنمو عبر رحلة البحث عن اجابة حول الكثير من التساؤلات والعديد من الفرضيات، وبالإجابة عن بعض تلك الأسئلة، وبالاتفاق او الاختلاف او التبني والتماهي مع البعض الآخر، واختبار بعض الفرضيات، وإضافة معطيات جديدة لها، هنا فقط يولد اتجاه جديد لكنه غير ثابت، وانما في حراك دائم، وبين الحذف والإضافة، وبدعم نقدي تستمر التجربة الإبداعية حية تنتج دائما حساسيتها الآنية. 
لقد اخترت هنا ان يكون مدخلي بعض من التساؤلات التي قد تحيلنا الإجابة عليها للنظر الي بعض المفاهيم.
-هل من الممكن ان تظهر حساسيات جديدة وتنمو وتستمر بمعزل عن: -
1- رؤية فكرية وفلسفية " تيار نقدي " يؤل ما نحن عليه ويناقشه؟
2- حرية إبداع دون حصار وتهميش سواء من سلفي المسرح المتمترسين وراء ابنيتهم النمطية أو من قادة التغيير والتماهي التام في التجربة الغربية أو من رقابة مجتمعية ورسمية تنزل بسقف تحليق المبدع حتى يطبق على صدره؟ 
3- توفير وإتاحة مساحات وفضاءات كافية للتدريب ودور للعروض المسرحية؟
4- حق انتاج وتلقي المنتج المسرحي بلا مركزية وبألية عادلة وتخطيط؟
5- توسيع رقعة وكم المنتج المسرحي:
- بتمكين مؤسسات المجتمع المدني الثقافية من إدارة الحركة المسرحية مع المؤسسات الحكومية عبر بروتوكولات وقوانين وتوزيع أدوار؟
- بحلول ابتكارية وآليات لتشجيع البنوك ورجال الأعمال لدعم الإنتاج المسرحي؟ حيث أن المخصص المالي للمسرح في ميزانيات الدول ينخفض كل عام؟
 
    ٦ـ تطوير مفاهيم الصناعات الثقافية وكيفية تحويل العروض المسرحية لسلعة تنافسية قادرة على توفير تكاليف الإنتاج مما يضمن الاستمرارية؟
   ٧ـ وجود خريطة ثقافية (الوظائف والأدوار والمهام للأفراد والمؤسسات) في العملية المسرحية؟
  في محاولة للإجابة على تلك الأسئلة:
 من المؤكد انه لا يمكن، وإن ُوجد فهو نتيجة محاولات فردية متناثرة هنا وهناك لا يكتب لها الاستمرارية والنمو.
 هذا ينقلنا الي تساؤل آخر هل هناك مسرح عربي؟ ليس بمعني انتاج مسرحي ولكن بمعني توجهات فنية ورؤية وبنيات مؤسسية حديثة 
بنظرة عامة لا نستطيع انكار ان هناك الكثير من المشروعات والتجارب المسرحية الملهمة المتناثرة هنا وهناك في المنطقة العربية سواء كانت حكومية أو أهلية ولكن يجاورها ويعرقلها كل ما سبق ذكره. 
لا مانع من اختلاف الذائقة في التلقي، انما الاختلاف مع محاربة التجاور والتعدد!!!
تلك كانت تساؤلات وهواجس لابد منها قبل عرض نماذج لحساسيات جديدة في المسرح المصري والتي نتيجة ما طرح مسبقا بعضها سقط في الطريق، والبعض الاخر تحول الي المسرح الرائج، واستمر في طريقه من استطاع ان يقبض على النار
 التجريبي 1988 - المسرح المستقل 1989
طرح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي  والمسرحيين المشاركين  به من كل انحاء العالم على جمهور المسرح ومبدعيه  أفكار وقضايا وأنماط مسرحية مغايرة جريئة وحرة متحدية الكثير من الابنية المعتادة  للكتابة المسرحية وطرق الكتابة والإخراج والتناول وأيضا طرق التمثيل ، حتى العمل على الكلاسيكيات الأدبية تم برؤى طليعية فقُدم هاملت مونودراما المكوجي الذي يُعاير بأمه في منطقة شعبية ، وابطال لير يظهرون على المسرح بملابسهم الداخلية كرمز لتعري وادانة لتلك الطبقة  .هذا ما اعتبره البعض تجرؤ على النص واعتبر البعض الآخر " أن النص المكتوب ملك للكاتب بينما العرض ملك للمخرج "  ، بالإضافة لهذا ظهر مسرح  الدراما الحركية  بدون كلمه ولا نص لغوي مكتوب ، فقط حوار وجدل  حر بين  أجساد المؤديين ، وتوصيفات للمسرح الايقاعي(التوليف بين الصوت والجسد)، وظهرت العروض التي تبني علي المسرح بدون نص مسبق ،هنا تعالى صراخ المؤلفين واعتبروا ما يحدث تعدي على سلطاتهم، بينما شعر المخرجون بقيود تدخُل المؤلف وكبح جماح حريتهم في التحليق على الخشبة الحية. 
خرج من رحم هذا الزخم تجارب  في جدل مع آليات وانماط الصناعة المسرحية التقليدية منها على سبيل المثال وليس الحصر: -
أولا: نماذج تجارب مغايرة في الكتابة وصناعة العرض المسرحي
الكاتب العقل المدبر وصاحب الفكرة، المتحدث الأوحد على لسان شخوصه، وبالتبعية تتسم أغلب النصوص صاحبة المؤلف الفرد بكونها حاملة وجهة نظره فكريا وبصمات اسلوبه  تقنيا، وطرحه للآخر كما يراه من وجهة نظره، أيضا ، وهي أيضا  رؤية الي حد كبير ذهنية وقولية ، لا تتسع كثيرا للمشهد البصري الحي علي خشبة المسرح وعلى أكثر تقدير تكون بموافقة بعض الكتاب الذين يفرقون بين النص المكتوب والعرض المسرحي الذي يكون نتاج مختلط لأفكار متبادلة بين الكاتب والمخرج مثلما كان في بعض الفرق المسرحية مثل ثنائي نجيب الريحاني وبديع خيري - الكسار وأمين صدقي - حديثا محمد صبحي ولينين الرملي وغيرهما. 
هذا هو الشكل المتعارف عليه عبر تاريخ العروض المسرحية بمصر، سواء كان ما قدموه (اقتباس- نصوص مترجمة- تراثية - تمصير - إعداد عن روايات - كتابات خالصة) كلها إما ان تخضع لسلطة المؤلف، أو المؤلف والمخرج معا.
وإذا اُعتبر البعض الارتجال في الاسكتشات المسرحية على نص مكتوب بالفعل أو مُمَصر هي نوع من الكتابة الجماعية مثلها مثل ما ظهر من أشكال كتابة مسرحية في التسعينات في مصر، أعتقد أن هذا منافي للواقع، الارتجال في هذه الحالات هو تنكيت وتنبيط وإطار كاريكاتيري على محتوى وأفكار ومشاهد موجودة بالفعل، أو ارتجال الرواة الشعبيين في مسرح السيرة ببعض الاضافات او المحذوفات بحكم أن النص منقول شفاهة عبر الأجيال ولكن حدوث ذلك لا يغير في المتن الأساسي للنص المروي.  
لان ما حدث في كتابة التسعينات في مصر - كانت منظومة وآلية مختلفة تماما عن الارتجال بمفهومه السابق
 ما بعد التجريبي استكمال ورسوخ المعني
ظهرت العديد من الفرق والتجارب تحمل سبيكة (خبرات المحاولات المحلية السابقة في الكتابة الجماعية وخبرات الاحتكاك بعروض التجريبي، وبطرق وأساليب الكتابة الحديثة) محملة بأحلامها في الخروج والتحليق بعيدا عن النمط السائد لصناعة العرض المسرحي في مصر.
- مبدعون رأوا أن النصوص والقضايا  المطروحة بها ، وكذا طريقة عرضها قد لا تعبر عن هواجسهم الفكرية والفنية الآنية ، شعروا بحاجتهم القصوى لنصوص تحمل طزاجة ودفء الحياة اليومية بدمائها الساخنة ، نصوص تحمل العديد من مستويات الأفكار التي  تعبر عما في عقولهم من زخم أفكار متصارعة ومتشابكة ومعقدة ، نصوصا تعيد النظر للعالم من حولنا ، وتعبر عنها من منظور مختلف بعيدا عن الأنماط السائدة والمسلمات  ، ومن هنا كان اعتماد البعض في صناعة العرض ( وأقول صناعة العرض  لأنه ليس كتابة نص وانما صناعة عرض مع الفريق علي خشبة المسرح بدون نص مسبق في الغالب  ) ،كان اعتماد البعض على  حكايات الحياة اليومية المجمعة ميدانيا ( حسن الجريتلي -عبير علي- أنا الحكاية – "حالة " محمد عبد الفتاح  ) أو أن يكون  العرض عن كولاج لنصوص أدبية ومسرحية وكتب ودراسات علمية وفلسفية وأشعار وجرائد وأساطير( الدويري – أحمد العطار- عبير علي – طارق سعيد- الجريتلي - قالت الراوية- شيرين الانصاري ) ، أو ان يكون  مرجع العرض لوحة تشكيلية (محمد أبو السعود ) .
- مبدعون شعروا ان الممثل والموسيقي والسينوغراف ليسوا  أداة  صماء تردد تعليمات المخرج كوسيط دونما الفهم العميق المشترك المبني علي البحث والتدريب عن دلالات المعني أو الأداء المرسل عبر الشخوص والملابس الديكور والحركة والموسيقي ، وكذلك جذور وماهية  هذا الأداء ، فكان التعبير عن تلك الاحتياجات هو منهج الدراماتورج  الذي يعتمد على الانطلاق من فكرة تشكل هاجس للمخرج والمؤلف او لكليهما ثم يبدأن عبر جلسات عصف ذهني جماعية مع الفريق( ممثلين -سينوجرافر- موسيقي ) تحديد خطة بحث ميداني ومكتبي ومراجع للقراءة والمشاهدة  وعدة تدريبات ، وعبر رحلة البحث والارتجال المنظم على أفكار ووجهات نظر يُخَلّق العرض المسرحي بناء  على توجيهات من الكاتب الجديد ( الدراماتورج ) الذي قد يكون هو ذاته المخرج أو يكون هو والمخرج معا ، أيا كان - هنا يسمى منظم تلك الآلية البحثية و الإبداعية (لكل عناصر العمل المسرحي وليس الكتابة فقط ) وصانع الصياغة النهائية : "الدراماتورج"  .
من تلك الخلفية ظهرت فرق أعتمد اغلبها طرق مغايرة في الكتابة، بعضهم اعتمد مسار طريقة اعادة تفكيك وكتابة وتأويل نصوص تراثية أو كلاسيكية على غرار ما فعله بريخت مثلا عن جان دارك في "جان دارك قديسة المسالخ " عندما أراد أن يوجه اصابع الاتهام الى الرأسمالية وتوحشها، والبعض الآخر اعتمدت منهج الدراماتورج بتنويعات مختلفة لصناعة العرض المسرحي:
طارق الدويري  " فرقة المِخبر "   في عرض " المسيرة الوهمية" 2021 عن أعمال الكاتب رأفت الدويري وانطلاقا من نصه الأساسي المسيرة الوهمية وخيول الخيال وخيول النيل حيث عمل  مع فريقه على  قراءة وتفكيك كتابات المؤلف واعادة تركيبها بنسق غير منطقي لبناء رؤية جديدة آنية  ، وكذلك طارق سعيد " فرقة الضوء "  في "الساعات الست"  1986 عن مأساة روزنبرج تأليف ليون كراتشكوفسكي بنفس المنطق تفكيك واعادة تركيب وبناء لصالح فكرة جديدة وهي قبل إعدام  ايثيل وجوليوس روزنبرج - أثناء التحقيق  وتصاعد المواقف وردود أفعالهم تبعا  لسماع أصوات أطفالهم بالخارج  وما يتبعه من  صراع مع أنفسهم وبينهم ومع  المحقق ، و أيضا " قالت الراوية" تفكيك وإعادة كتابة موروث الحكايات بمنظور نسوي يغير فيه من  الصورة النمطية للمرأة والبنية الاجتماعية المحيطة بها 
 
عند عبير علي " مختبر المسحراتي "عملت علي تفكيك إعادة كتابة بعض نصوص عروضها من كلاسيكيات عالمية مع ملازمة المشهد البصري لتداعيات الكتابة ، إن الصورة عندها رافد دلالي رئيسي يوازي النص المنطوق ،ففي عرض “الملك لير " بداية الالفية الثالثة  تفكيك وإعادة كتابة من وجهة نظر بنات لير الذين يظهرون بوجوه مطموسة خلف زخارف لا تبين ملامح الوجه ولا تعبيراته ، وادموند "ابن الحرام " الذي يحمل عرائس قاهريه ويناقشهم ويمارس عليهم طقوس الانتقام وفي كافة الاحتفالات يختلط ويرقص البشر مع مانيكان عبارة عن هياكل حديدية بشرية تتحرك علي عجل، ذوي اظافر طويلة يكسوها الطلاء واجزاء من ملابس فخمة ولكنها لا تكسو كل الهيكل ، في طرح وجهة نظر لسان حالها يقول " نحن لم نختر ان نكون أولاد حرام أو ناكري الجميل وقساة القلوب نحن صنيعتكم ،صنيعة هذا العالم المزيف الشكلاني) ، عرض " ميدان اسكتش" 2002 وهو عن نص "الساعة التي لم يعرف أحدنا شيئا عن الآخر " بيتر هاندكه، وهو نصا حركيا صامتا منطلق من سؤال " ماذا يحدث لو جلست في ميدان عام من الصبح حتى المساء؟ " أما عرض "ميدان اسكتش " كان سؤاله: ماذا يحدث لو جلست في ميدان التحرير من الصبح للمساء عشية أحداث 11 سبتمبر؟؟كان الجمهور يجلس في لوكيشن افتراضي لميدان التحرير وعلى محطة الأتوبيس وفي مقاهي الميدان يسمعون ويشاهدون الحوارات الأغاني والأحداث والتقاطعات التي تحدث في الميدان، و كانت تقنية بناء النص عبارة عن جمل  وأغاني وأصوات باعة وراديو متناثرة ومتقاطعة وغير مكتملة ولكنها تكتمل عبر السياق  ، أما مراجعه فقد كانت حكايات وصور وتسجيلات جمعها الفريق  من رواد ميادين مختلفة في القاهرة ،وجمع الفريق أيضا تسجيلات لنداءات الباعة ونداءات الميكروباص واغاني الراديو في المقاهي  وشرائط الكاسيت وجمل متناثرة جُمعت بشكل عشوائي من حوارات المارة وهم سائرون وكان النص مكتوب عبر ثلاث أعمدة معنونة(شريط صوت – شريط صورة – شريط حركة ) وكان الممثل يمر وسط الجمهور في الميدان ويلقي حوارات ناقصة يكمل معناها ممثلون آخرون يجلسون علي المحطة أو علي مقهي في الميدان ، بينما يتحرك ممثلينا في تقاطعات يلقون بجملهم الناقصة ويخرجون ويعودون من الجهة الأخرى شخوص مختلفة بحوارات جديدة  ناقصة ، وليكملها المتلقي لأنها جزء من حوارات حياته اليومية  أو يكملها كما يتوقع أو يريد أن تحدث ،وهكذا ، و في تجربة عرض "الرمادي " عن رواية 1984 لجورج أورويل2015 بعد ان قامت المعدة آمال الميرغني بمسرحة الرواية، قامت عبير علي بتفكيك النص وإعادة كتابته انتصارا لفكرة التعددية وحق الاختلاف وتعدد صور الأخ الأكبر في مجتمع يخاف الآخر ويعتبره عدوه، وتنحت تماما فكرة الأخ الأكبر المركزي الديكتاتور الفرد لصالح فكرة مجتمع يعيش في دائرة قهر متبادل. لمزيد من تجذير القهر المتبادل والرقابة وكبت الحريات ليس من قبل السلطة فقط وانما من قبل افراد المجتمع. كان المسرح كله مراقب بالكاميرات (هي عيوننا المحاصرة بعضنا بعض ، وتشكل سلطة ورقابة مجتمعية ) ومحدد به مسارات الجمهور وهو يتحرك على صوت يرشده قائلا: نحن حريصون عليك اتبع التعليمات حتي لا تتعرض للخطر ويتكرر هذا الصوت لفترة طويلة والعرض لا يبدأ ثم فجأة يري الجمهور نفسه ظاهر علي الشاشة علي خشبة المسرح كل حركاته مراقبة  ثم يظلم المسرح ويظهر فيديو لحروب ودمار محذرة (بلاك )يبدأ العرض ، ونرى ممثلينا يعانين الخوف من الاختلاف الجميع يرتدون زي رمادي موحد وباروكة شعر واحدة ممنوعين من استخدام أي لون غير الرمادي وسماع أي موسيقي غير الموسيقي المقرر عليهم سماعها ، ولكن في نهاية العرض وعند تمردهم كانت ثورتهم متمثلة في خلع الملابس الرمادي وانفجار المسرح بالألوان  في مواجهة شحوب الرمادي ،و في عرض “اثبات العكس" لأوليفييه شتيارى استخدمت الإرشادات  في النص الأصلي لخلق نص موازي على لسان طريدة المدينة التي تتكوم على أبواب البلدة مع نفايات المجتمع الاستهلاكي وتعيد تشكيل فرضيات النص من خلال قطع الصلصال، فهم تسع فرضيات: في كل فرضية يدخل أحد الجيران ليحكي لبطلنا نفس الاحداث من وجهة نظره، وفي " سبارتاكوس " كتبت أحداثه تبدأ من ليلة احتفال سادة روما بصلب سبارتاكوس وفشل ثورة العبيد واستكمل النص مع ابطال سبارتاكوس السادة المنتصرين ، وفي مواجهة سؤال ماذا بعد؟ وبالعودة لدويري في سياق آخر وهو منهج الدراماتورج، عند  دويري  تكون الكتابة  جماعية تحت محددات وأطر بناء الدراماتورج/ المخرج سواء كان تفكيك واعادة كتابة مثل المسيرة الوهمية او انطلاقا من فكرة تشكل هاجس  مثل  "الزومبي والخطايا العشر"  عن تداعيات ما بعد ثورة 2011  ، وكانت مراجعها 451 فهرنهايت راي برادبيري و 1984 لجورج أورويل  و عالم جديد شجاع  ألدوس هكسلي والأعمال الشعرية لوديع سعادة  وأعمال فلسفية لفوكو عن السجون  ، وكذلك " الموقف الثالث " كان مشاركة مع الكاتبة رشا عبد المنعم عن فكرة الحرب والموت مراجعها العادلون لألبير كامي/ أنتيغون / هاملت لشكسبير / أمام الباب لفولفجانج بورشت / الغول لبيتر فايس /مشعلو الحرائق لماكس فريش ، وهنا تلتقي عبير  بمنهج دويري  وأحمد العطار فالعرض هو سبيكة من عدة  نصوص  أو كتابات فلسفية بالإضافة  الى العصف الذهني مع الفريق كما عند العطار او مع  ارتجالات الممثلين كما عند عبير ودويري   " مثال  عرضها " فيفا ماما "  كان  عن  " أشياء عادية لملء الوقت " بهيجة حسين  ، و " التاريخ الذى أحمله على رأسي"  سيرة ذاتية  لسيد عويس  مع المادة المجموعة من حكايات الحياة اليومية ،  في تلك العروض يقوم الدراماتورج باقتراح المراجع التي تتماهى مع الفكرة وتخلق وسط متجانس بينه وبين فريقه وبعد قراءتها يحدد البناء والتقنية المقترحة   للكتابة ويبدأ بوضع الفرضيات للارتجال والكتابة وما يتبعها من طرح مراجع جديدة لاحتياجات تطوير الفرضيات مع وجود الكريوجراف لأنه شريك أساسي   في عروض طارق الدويري،اما المرحلة التالية لبناء تلك العروض عنده تكون ارتجال المشاهد على إمكانيات الممثلين ومهاراتهم من غناء /حركة / لهجة / الشكل الفيزيائي للجسم ...الخ، وبالتالي يختلف العرض لو تغير الممثلين. بنفس الطريقة يعمل محمد ابو السعود " فرقة الشظية والاقتراب " مع اختلافات مثل أن الشريك الأساسي لأبو السعود هو السينوغراف بعكس دويري شريكه الأساسي الكريو جراف ،  أيضا أبو السعود  في عرض" العميان " اعتمد في الارتجالات على  لوحة العميان لبيتر بروجل بشكل أساسي  - بينما  نص العميان لميشيل ديجل دوره كان محفز فقط ،  وكذلك أهل الكهف لتوفيق الحكيم  كان المحفز للارتجال  حول فكرة ماذا لو استيقظ أهل الكهف من سبات طويل هل سيقبلون التغيير أم يصرون على العيش  في الماضي ،.أما  طارق سعيد في   أغلب عروضه المراجع هي محفز للارتجال ولاعلاقة لنصها بنص العرض النهائي ، وايضا ارتجالات الممثلين تكون محفز له على الكتابة النهائية للنص مثال : "فتافيت الماس" عام 1999 عن  17 قصيدة لتشيكوف وصلاح جاهين و " قاعد ولا ماشي "   المحفز كان  كتاب جلال امين "ماذا حدث للمصريين " 2014   و"انصاف الثائرون" 1992 عن شخصية  الفرفور عند  يوسف إدريس ، و المحفز 13 قصة قصيرة  ليوسف ادريس  وبعكس طارق سعيد  كان طارق دويري وعبير علي  وأبو السعود إرتجالات  الممثلين جزء اصيل في النص ، وأحيانا تلتقي عبير مع طارق سعيد فتكون المراجع محفز فقط مثل عرض " أشباح مصرية "  كان نص " الاشباح " لهنريك ابسن وأطروحاته الأساسية العالم السري والعالم العلني للطبقة الوسطى هو محفز الكتابة والجمع الميداني لحكايات الحياة اليومية ولإرتجالات والخروج بنص جديد تماما حول  ازدواجية الطبقة الوسطى في مصر والموقف المزدوج من المرأة  ،أما أحمد العطار" المعبد " الذي انطلق مناشكاليته الأساسية مع محتوي اللغة الموروثة وتعبيراتها وقيمها الدارجة ، هذا الميراث الشفاهي المتناقل عبر الأجيال بما يحتويه من سرديات وانماط وأفكار مزيفة وغير عادلة و قناعات مسلم بها ، لذلك أراد البعد عن المنطق التقليدي في السرد النمطي التقليدي وتلك المرويات المسلم بها ، وبحث عن الاختزال والصياغات الغير مكتملة للنهاية و، كان الكولاچ  والصور المختزلة والمجتزئة من العديد من النصوص هو التكنيك  الذي انتهجه ،. فهو في منطقة وسطي ما بين سعيد والدويري ، فلقد إنطلق العطارعام ٩٦ من نقطة آنطلاق  رفقاء دربه وان كانوا قد سبقوه من نهاية الثمانينات،، كانت كل عروضه تصنع مع فريقه علي خشبة المسرح بدء من فكرة مسبقة يحددها هو، ففي كل عروضه يبدأ بالمشهد الأول وعبر جدل داخل كل بروفة يعود في نهاية اليوم يكتب المشهد وفي اليوم التالي  يقوم باختبار ما كتبه ويناقشه بالبروفة  ثم يعود لتطويره وهكذا ، هنا أحمد يلتقي مع سعيد في كون الفريق محفز وليس شريك في الكتابة ، اما فيما يختص بالمصادر  ومراجع الكتابة فهي غالبا كولاج للعديد من النصوص وهنا يلتقي مع منهج دويري وعبير علي ، ففي عرض " أوديب الرئيس " كان كولاچ عن عدة نصوص  ( ثلاثية سوفوكليس –  اوديب في بولونس  واسكلس بروموتييه – برومسيس باوند  وجوكوكتو وعلي سالم  وجان انوي  ) . وفي عرض " من يخاف وليم شكسبير “ عن عطيللو  صنع جديلة من عدة نصوص من شكسبير ، كما يلتقي العطار مع عبير في كونه يعمل مع ممثلييه علي بناء الكاركتر داخل البروفات كجزء من آلية بناء النص ،ففي منهج عبير بهذا الشأن  على كل ممثل  الشغل علي  الشخصية التي يجدلها ارتجالا وأداء بما يسمي ببيان حال الشخصية يتضمن ( الاسم – السن – التعليم – الانتماء الطبقي- الانتماء الفكري – البيئة المحيطة – الالفاظ الدارجة للنمط – والاشارات والإيماءات – شكل الملابس – ردود الفعل المتوقعة لشخصية تجاه مواقف بعينها – رحلة الشخصية داخل العرض  ) عن طريق صور ومشاهدات وتجوال وتدريبات ، وأيضا يلتقي العطار مع عبير  فأغلب موضوعاتهما كانت العائلة هي الوسط المفضل للشغل عليه ، لأنه كان يراها الصورة المصغرة للمجتمع وتجليات علاقات السلطة والقوة بين افراد العائلة ذاتهم ، وبينهم وبين المحيطين بهم ، ولكنه اختص بكونه مهتم ان تكون كتاباته  دائما  عن الطبقة الغنية العليا الفارغة من الداخل ولا تملك سوي السلطة والمال وفاشلة عن أي منجز انساني .وبالعودة للعروض التي كان متنها الأساسي الجمع الميداني تأتي تجربة "فرقة الورشة"  في "غزير الليل "عن الحكاية الشعبية حسن ونعيمة وسوف نتناولها بالتفصيل في فصل الاستلهام من الموروث الشعبي ،وكذلك عرض "حلو مصر " لعبير علي عن شهادات المهجرين من مدن القناة  وشهادات سكان المدن المضيفة للمهجرين  عن الحروب التي مرت بها مصر واشعار بريخت وشهادات 1956لدلال البزري وكتاب حرب السويس لهيكل و جمع ميداني لشهادات فرقة "ولاد الأرض "وكابتن غزالي وشهادات بعض مقاتلي الحروب الثلاثة مع أغاني تلك الفترات ،وشكل الملابس وصور البيوت وتعبيرات الفترة والاعمال الفنية التي صاغت الوجدان المصري في تلك المرحلة  ، وايضا مثل فرقة الشظية والاقتراب / محمد أبو السعود  في عرض "دير جبل الطير " المرجع هنا بحث ميداني  حيث سافر الفريق الي المنيا لدير جبل الطير  وحضروا مولد العذراء و سجلوا مع زوار المولد  حول   أمانيهم والأحلام التي سوف يرسلوها للطير عند ظهوره  ، ثم قام  الفريق بقيادة  ابو السعود بتفريغ المادة المجمعة في إرتجالات عبر أطر والعاب درامية وضعها أبو السعود ثم أضاف للنص شخصية متخيلة وهي الراوية العرافة  وصاغ الإرتجالات ، وفي" بريسكا " أستعان أبو السعود في التدريب بلوحات لجوكال وتماثيل رودان ، و في" البوتقة " لآرثر ميلر  استعان برسومات شاغال كمحفز للارتجال ، و لأن المشهد البصري هو الشريك الأساسي بدلالاته عند ابو السعود فقد كان يقوم برحلات للمتاحف  مع فريقه لدراسة اللون وأطر العرض - الظل والنور ، فهو يعد الممثل كجزء من  السينوغرافيا - وهم يبحثون  عن  لوحات من وحى نوع الصورة التي سوف يقومون بها على المسرح .
وفي مشروع " صعيد تورج "عند عبير علي وهو تداعي آخر لمنهج الدراماتورج، و تم بالتعاون مع المؤسسة الثقافية السويسرية وكان هدفه تعريف الجمهور المصري بالمسرح السويسري المعاصر عبر ترجمة نصوص لم تترجم من قبل ، ثم عمل ورشة في  معسكر تجمع مجموعات من شباب المسرحيين ( مخرج – كاتب – سينوجراف )  ويتم عمل قراءة تحليلية للنص المترجم ثم تقوم كل مجموعة بتفكيك النص وإعادة تركيبه  بمنطلقات ورؤى مختلف المشروع استمر اربع سنوات ترجم فيه اربع نصوص خرج عن كل نص ما بين تسع واثني عشر نص جديد.
- ان ما سبق هو عرض لحساسيات مختلفة من منهج الدراماتورج أو الكتابة الجماعية والإرتجالات أو صناعة العرض علي خشبة المسرح بدون نص مسبق.
- عبر تلك التجارب مجتمعة تبلور مفهوم الدراماتورج عند كل فريق ببصمته الخاصة وبزغ نجم حرفية الدراماتورج في المسرح المصري انتصار لآلية البحث   والتدريب المستمر والجمع الميداني لحكايات الحياة اليومية والأحداث مما مكن من تعدد الأصوات داخل النص بدرجات مختلفة في مواجهة ديكتاتورية وسلطة الصوت الواحد، وكذا طزاجة الأفكار وآنيتها في مواجهة الأفكار المستهلكة والأبنية النمطية المتحفية.
- في حرفية الدراماتورج يجذر كل مبدع داخل العرض لتيماته الجمالية والفكرية كل حسب تخصصه ودوره ويجدل من البداية خيوطه مع خيوط فريقه ليكونوا جديلة إبداعية تحقق الدهشة وغير متكررة.
ثانيا: تجارب جديدة في التعامل مع الظواهر المسرحية في الموروث الشعبي
بدايات التشكل
- منذ الخمسينات ومع بدايات ظهور خطاب الهوية وتصاعد الحس القومي وثورات التحرر الوطني في المنطقة العربية، بدأت الرغبة في البحث عن هوية مسرحية مصرية مستلهمة من الموروث الشعبي لتكون معبرة ملبية للاحتياجات الفكرية والجمالية لتلك المرحلة.
- وكان التعامل مع الظواهر المسرحية في التراث الشعبي كفن السيرة وحكاء الربابة والسامر المسرحي وبعد الطقوس الخاصة بدورة الحياة (الميلاد – الزواج – الموت) ما بين جمعها وتوثيقها لحفظها، او عرضها كما هي بفنانيها التلقائيين بغرض السياحة أو مغازلة النوستالچيا عند المتلقي مثال فرق الفنون الشعبية وحكائين الربابة التلقائيين في احتفالات قصور الثقافة في المحافظات أو السفر بهم وعرض منتجهم في الخارج، وهناك من أعاد تلك التجارب بفنانين محترفين لنفس الأغراض السابقة.
خطاب الهوية الآني: البحث والجدل 
مع استمرار التعامل السابق مع الموروث ظهر تيار جديد يتعامل مع الموروث المسرحي خارج إطار المفهوم القبلي وانما باعتبار الموروث المحلي والعالمي انجاز انساني جمعي وهو جزء من تاريخه وجذوره، ودخل في جدل مع أفكار وتقنيات المسرح الشعبي محمل بأفكار وخبرات ما سبقوه محليا وعالميا.
بدأ هذا التيار بعدة محاولات لمشروعات متناثرة هنا وهناك ، فهناك من يجرب في سياق فورم مسرح السامر والنمر المسرحية علي نصوص حديثة تحت مسمى مسرح السرادق (دكتور صالح سعد) وتوقفت التجربة برحيله  ، وهناك الفرق التي  بدأت العمل على الموروث الشعبي  وطقوسه التراثية وكونوا فرقا وصنعوا عروضا مثال " فرقة مزاهر للزار " ومؤسسها أحمد المغربي ، وعروض مستمدة موضوعاتها من الحواديت الشعبية  والأساطير والخرافات وأدب السيرة  ( " فرقة الهاية" حمدي طلبة ببنى مزار وفرق مغاغة وأبو قرقاص)  ، وفرق مستلهمة لفنون الاداء الشعبي من حكي وغناء ورقص شعبي وتحطيب تحولت لعروض غنائية ونمر لا تعتبر عروضا مسرحية ,ولكن تنتمى لفنون  الفرجة الشعبية( فرقة  " قول زمان "صفوت البططي بقنا  القاهرة -  فرق "الطنبورة " بورسعيد ) ـ   وبعضها اعتمد فورم  مسرح الشارع   بما يحتويه من فنون السيرك والرقص والحكي والغناء والبانتومايم  والقراقوز "فرقة محمد الجناينى " بالسويس وفرقة "حالة "محمد عبد الفتاح الإسكندرية ) ،وهناك من عمل  على الحواديت التراثية  والف ليلة وليلة بإعادة صياغتها سواء بمفهوم نسوى مثل مشروع  " قالت الراوية  " و فرقة  " أنا الحكاية "  أو حكيها كما هي بتصرف " شيرين الانصاري ،  وأخيرا الحكائين الصولوا رواة الحواديت وحكايات الحياة اليومية (محمد عبد الفتاح ـ عارفة عبد الرسول – رمضان خاطر – سهام عبد لسلام- سيد رجب – والحكواتية شيرين الانصاري) بالتوازي مع بعض ما فات وقبل البعض ظهرت فرق " الورشة " " مختبر المسحراتي "1989 فرق مهمومة بمفهوم الهوية والبحث فى مفردات فنون الأداء الشعبي   من حكي وخيال ظل.. الخ، واستلهام هذا الموروث والدخول معه في جدل إبداعي.
 حسن الجر يتلى- نجيب جويلي " فرقة الورشة “١٩٨٩ 
- عند حسن الجريتلي كان يعمل على جمع الحكايات الشعبية والأساطير المحلية والعالمية ويدخل في جدل مع ثوابتها التقنية والدرامية، ويعيد كتابتها مثال " غزير الليل " عن حسن ونعيمة الأسطورة الشعبية، وكذلك فعل مع "الهلالية "أيضا حولها الي عرض مسرحي خليط ما بين الراوي والمشهدية المسرحية.
- يقدم في “ليالي الورشة" حكي يجمع ما بين حكي من حكايات الحياة اليومية والمونولوجست واغاني شعبية من التراث الغنائي المصري سبيكة أخرى من عروض الفرجة والنمر المسرحية وحكاء الربابة.
عبير علي " مختبر المسحراتي " حكاوي الحرملك "  
جاء اختيار فورم الحكي عند عبير في بدايات رحلتها: - 
 اولا: خيارا اقتصاديا، ففن الحكي لا يحتاج سوى الى حكاء يحمل مهماته من اكسسوار وملابسه في حقيبته على ظهره ويقدم عروضه في أي مكان (مقهى - قطار - رصيف)، لا يحتاج الى مسرح ولا ديكور ولا تقنيات صوت وإضاءة بتكاليفها المُعجزة للمبدع الذي ينتج أعماله من ماله الخاص.
ثانيا: الخيار الجمالي: الحكاء ممثل بمفرده بلا مسرح ولا ديكور ولا إضاءة، فقط بحكيه يحفز المتلقي على صناعة صورة المكان والزمان في مخيلته، فالمتلقي شريك معه في رحلة الخيال وصنع الصورة.
  مسرح الحكى عند عبير علي هو 
- دائما ليس حكاء بل مجموعة حكائين يحكون مجموعة من الحكايات ويمثلون ويغنون ويرقصون في إطار عرض مسرحي يتناول فكرة او حكاية رئيسية وتدور الحكايات والاغاني حول الفكرة وتتخلل الحكاية الرئيسية بما يسمى بتقنية المركز والمدارات.
-  ليس حكي فلكلوري وانما هو خليط ما بين الفلكلور وحكايات الحياة اليومية المعاصرة ودراسات ومراجع أدبية محلية وعالمية. 
-  ليس حكي فقط وانما حكي غنائي يستلهم السامر وحكاء الربابة والنمر والتحبيظ وأحيانا الدمى والرقص.
- تطور الحكي عند عبير في مرحلة وتحول الي حكي تبادلي بين الممثلين والجمهور في مشروع سهاري المسحراتية.
الحكواتية شيرين الانصاري
شيرين الأنصاري بدأت مشروعها في الحكي على قصص ألف ليلة وليلة وهي في سن 17 عاما، منذ أواخر الثمانينات بما تحملة تلك الحكايات من دغدغة المشاعر بسحر وغموض الشرق، ثم تنتقل إلى الإنسان وحكاياته في أي مكان في العالم، فهي ترى أن الحكواتي يتأثر بما يجري حوله، ويعبر عن تفكير وإحساس الشعوب كما يجب أن يتحدث بلسانهم وعن مشكلاتهم، وهي لا تحكي فقط في عروضها، وانما تحكي وتمثل وترقص.
ثالثا: تجارب في المسرح تعمل علي اتساع دور المتلقي في العرض المسرحي (المسرح التفاعلي والغامر).
تعددت اشكال ومستويات  واشكال  حضور الجمهور في العرض المسرحية من متلقي سلبي تماما يسلم نفسه للممثل يقوم بكل شيء بالنيابة عنه وهو يكتفي بالحزن والفرح كما في المسرح الارسطي ، ثم الي متلقي شريك بالتفكير مع بريخت ومحاولته لكسر الايهام والتغريب ، مرورا بالمسرح التفاعلي لأوجست بوال حيث يقوم المتلقي بتغيير المشهد المسرحي السلبي الي مشهد إيجابي فهو يصعد علي المسرح ويقوم بدور احد الممثلين ويغير من الاحداث " مسرح المقهورين " أو يغير الصورة الثابت السلبية الي صورة إيجابية بصعوده الي المسرح وتغيير أوضاع الممثلين الثابتين  " مسرح الصورة الثابتة "،ثم  وصولا للمسرح الغامر حيث تكون مستوى مشاركة المتلقي في العرض متمثلة في عدم وجود حاجز بين الجمهور والممثلين- العرض في الأماكن الحقيقية (قلعة – مستشفيي -بيت قديم – محطة مترو ...الخ ) – إزالة المتلقي من منطقة راحته بإشراكه في السرد او جعله يحدد من القاتل بعد مشاهدته لمشاهد جريمة مما يطرح أكثر من نهاية للعرض . او ان يشترك الجمهور في البحث عن كنز مع الممثلين، وأيضا ان يتحرك الجمهور في أماكن مختلفة لمشاهدة العرض في أماكن مختلفة، وهناك أيضا محاولات التركيز على إحدى الحواس كأن يشترط دخول العرض ان يكون الجمهور معصوب العينيين للتركيز على حاسة السمع، أخيرا يُعرض على الجمهور أكثر من سيناريو ومن حق الجمهور أن يختار أحد هذه السيناريوهات   ليتفرج عليها، وفي حساسيات مصرية كان مشاركات الجمهور وجود الجمهور في نصف دائرة يكملها المؤدي حكاء الربابة وكثير من الاوقات كان الحكاء يسألهم قائلا: وقال بوزيد.. ها قال ايه؟ فيكملون هم ترديد الحكاية مغناه فهم يسمعوها في كل أفراحهم وموالدهم، كما ان لا يوجد مستوي مرتفع للمؤدي فهو والجمهور على نفس المستوي وهكذا يفعل لاعب الخيال القراقوز في تشاركية مع الجمهور كأن يحيوا صاحب الحق أو البطل ويشجعوه في صراعه مع قوى الشر، ولأن المنتج الثقافي في حركة دائمة فالتفاعلات والتقاطع والتأثير والتأثر قائم دائما. النماذج التالية هي تمثيل لرؤى وأفكار خليط ما بين خبرات القديم والاطروحات الجديدة محليا ودوليا تلبية للحاجة لزيادة ادماج الجمهور في الحدث المسرحي.
نماذج " مسرح تجارب مسرح غامر "
في إحدى دورات المهرجان التجريبي في بداية الالفية الثالثة عرض المخرج هاني غانم عرض مسرحي في بيت زينب خاتون الاثري وكان الجمهور يتجول في البيت ويدخل ليشاهد في كل غرفة حكاية مختلفة لا أذكر موضوع العرض وهاني  المخرج هاجر الي المانيا من فترة طويلة وانقطعت اخباره ولم نكن في ذلك الوقت قد سمعنا أو قرأنا  أي معلومات عن المسرح الغامر وبعدها بفترة قليلة كان عرض حسن الجريتلي الهلالية في بيت الهراوي  وقد سبق الإشارة اليه في تجربة الجريتلي  ، وفي دورة أخري للمهرجان التجريبي حضرنا عرض للمخرج أحمد العطار " فرقة المعبد " في  عرض ٢٠٠١" الطريق الي ولا حتة – رحلة قاهرية للسياح والحبيبة"  ركب جمهور العرض  الاتوبيس من ساحة الاوبرا  وتحرك الاتوبيس مع ممثلة تلعب دور مرشدة تحكي لنا عن شوارع الزمالك ومعالمها وأثناء الجولة تحدث مشادة كلامية بينها وبين السائق أعتقد انه كان خطيبها واضطر للعمل سائق  ليدبر مصروفات الزواج بعد الرحلة يعود بنا الاتوبيس الي ساحة الاوبرا ليأخذ ركاب جدد.
ومنذ اربع سنوات دعينا لعرض في إحدى الفضاءات المستقلة بجاردن سيتي " رووم " ودخلنا حفل كان لابد ان نكون معصوبي الاعين والمكان مظلم تماما ويقودنا للدخول والجلوس أفراد ذوي إعاقة بصرية وجلسنا الحفل كله في الظلام نسمع موسيقي واصوات طيور وحيوانات وصوت البحر تخيلنا المكان كبير وان هناك عدد لا بأس به من العازفين وعند انتهاء العرض وإضاءة النور لم نجد سوي عازف واحد وبعض الأدوات والة موسيقية و إيقاع. واقع مخالف تماما لخيالنا في الظلام، وهنا كنا في رحلة في دنيا ذوي الإعاقة البصرية وهم من قادونا في الرحلة.
 أما فرقة" تياترو للمسرح المصري" في عرض " هدوء نسبي " إخراج عمر المعتز بالله -ابريل، ٢٠١٨ - في إحدى دور السنيما المهجورة في وسط المدينة يدخل الجمهور ويتجول لمشاهدة مشاهد العرض عبر الهدد وبعض السقالات في الطوابق الثلاثة المهدمة ثم يستقر به المقام في الطابق الثالث ليجلس مع تلك الاسرة الصغيرة التي تشبه المسوخ لما بها من تشوهات في حالة هدوء نسبي أمام أنفسهم وفي مواجهة الموت ، ولفرقة " مختبر المسحراتي " نموذج مسرح تفاعلي: "ولاد البطة السودا "2014هو عرض حكي تفاعلي غنائي كوميدي ينطلق من سؤال هل المصريين عنصريون؟ فقد كان يؤرقنا جدا ان الكلام عن مناهضة التمييز والمساواة والعبودية منتشرة في خطابنا الشفاهي وكتاباتنا، ولكنها تكاد تكون منعدمة في أغلب ممارستنا اليومية بشكل غير مُعلن.
مصادر الكتابة: على جمع النكات والحكايات والمواقف الحقيقية والنوادر التي تعبر عن التمييز ضد الصعيدي والبدوي والمسيحي والمسلم والاسود والمرأة.
  تقنية التفاعل: -
الاولي: كل فرد من الجمهور يحصل عند دخوله المسرح على صفارة ورقم على كارت في ظهره سؤال ويطلب منه انه آذا أراد الاعتراض أو التعليق علي احد المشاهد عليه ان يصفر بالصفارة ليصعد علي المسرح ويطرح وجهة نظره.
الثانية: أثناء الحكي يتوقف العرض ويختار أحد الممثلين رقم، ثم نطلب من صاحب الرقم الإجابة على السؤال الموجود في ظهر الكارت الموجود معه  
ونطلب من باقي الجمهور أن يستخدم الصفارة عند اعتراضه على الاجابة وعليه أن يطرح اجابته البديلة.
كانت الأسئلة من نوع: -
- ماذا تفعل لو ابنتك -ابنك تزوج - تزوجت زوج - زوجة سوداء؟
- هل ترفض أن يلعب أبنائك مع أبناء البواب؟ 
- لماذا لم يستمر زواج العصفور والضفدعة؟ وهي حكاية داخل العرض 
- هل تأكل في بيت عائلات من الديانات الأخرى؟
رابعا: فرق مسرح الدراما الحركية والرقص المعاصر و البانتومايم 
بالطبع الريادة في هذا المجال في مصر للفنان والمخرج ومصمم الرقصات والسينوغراف وليد عوني، وان كنا لا ننكر موروثنا من الرقصات الشعبية وفرق الفنون الشعبية وفرقة رضا  وأيضا تاريخ باليه القاهرة كل تلك الاشكال من المؤكد انهم كانوا جزء من تكوين خيال مبدعينا صانعي التيار الحديث في الرقص ،ولكن حديثنا هنا عن وليد عوني  لأنه مؤسس أول فرقة للرقص المسرحي الحديث في مصر والعالم العربي ، وهو ايضا بحكم تنويعات محطات حياته ما بين المسيحية  والبوذية  وأخيرا الإسلام  ، وحياته ما بين بيروت وبلجيكا ومصر، وعمله مع عدة مخرجين عالميين في المسرح والسينما، من بينهم وجاك لاسال وفيتوريو روسي ويوسف شاهين وجوسلين صعب وجو مالكونيان والمخرج الإيطالي ألبرتو كورنو ، وأيضا عمله كمصمم سينوغرافيا  ورسام لعروض وكتب مصمم الرقصات العالمي موريس بيجار، ودراسته لفن التشكيلي لمدة سبع سنوات ، كل ذلك جعل منتجه في الرقص المعاصر يغلبه الطابع الفلسفي التأملي  في الأفكار والمرئيات ، فهو يرى أن هناك علاقة بين الصوفية والرقص ويستشهد بتجربة المخرج العالمي موريس جيفار الذي أدخل أغاني كوكب الشرق أم كلثوم في عروضه المسرحية، خاصة الأغاني الصوفية لها وكيف كان ذلك المزج صعب للغاية ». موضوعات عروضه ومشهدها البصري ثري جدا بتراث الأعمال الفنية لكبار الفنانين مثال (محمود مختار ورياح الخماسين - الثلاثية المصرية الغيبوبة- نجيب محفوظ 1995- المقابلة الأخيرة- تحية حليم 1996، صحراء شادي عبد السلام١٩٩٧- دموع حديد عن المعمارية العراقية زها حديد ١٠١٩) هو يشكل بعروضه مناخ كوني تتفاعل داخله أفكار وصور وأصوات واشارات وايماءات تحيلك للتحليق بعيدا خارج الزمان والمكان،
مشروع كريمة بدير في الرقص المعاصر
كريمة بدير مخرجة ومصممة وراقصة بدار الاوبرا المصرية، اختارت كريمة بدير ان تكون رحلتها عرض حكايات وتاريخ النسوة سواء حكايات نساء من التاريخ أو من الاعمال الروائية، اختارت ان تعرض وجهة نظرها حول الموقف المجتمعي من المرأة وتهميشها، لتصرخ بأجساد مؤديها وترفض وتتمرد وتتعاطف مستعينة بقصائد شعر أو مواويل شعبية أو مقاطع متناثرة وغير مكتملة من الحكاية تكملها الأجساد بإشاراتها وحركاتها للتعبير عن المسكوت عنه والممنوع، وهى أيضا تفكك الحكاية التراثية وتعرضها من وجهة نظر داعمة للمرأة، 
مصطفى حزين - فرقة " ملامح " لفنون الأداء الصامت
- تأسست فرقة ملامح عام 2004 على يد كل من مصطفى حزين وشريف شعبان ويعتمد مشروع الفرقة على فنون الاداء الصامت بأشكاله ومدارسه المختلفة من خلال العمل بدون نص مكتوب واستخدامه لمسرح الاشياء ومدارس البانتومايم المختلفة ودمجه مع فن المهرج لعمل عروضها  
شيرين حجازي فرقة " عوالم خفية "
- شيرين حجازي مهندسة سابقة، ومدربة ومصممة رقصات ومخرجة مسرحية ومؤسسة فرقة "عوالم خفية للرقص البلدي المعاصر".
- معنى الاسم: عوالم جمع «عالمة»، وهو مصطلح يطلق على الراقصة التي تحي الافراح الشعبية وترقص في الموالد، و«خفية» للإشارة إلى ما تضعه النساء على وجوههن لإخفاء ملامحهن أثناء الرقص
- المقصود بالرقص البلدي المعاصر في مشروع شيرين: -
 هو التطويرات التي تصنعها الفرقة على الرقص البلدي المحلي، وليس المقصود الرقص المعاصر الغربي. راقصات شيرين يرقصن في مجموعات، لقد فككت شيرين تفاصيل الرقص البلدي، وحولته إلى رقصات ولوحات جماعية لها تصميم فريد خاص بها، وأحيانًا تكون هناك أزياء خاصة لكل حدث، تتنوع بين الأزياء العادية لأي بنت في حياتها اليومية، فيرقصن أحيانًا بـ«البناطيل الجينز» و«التيشيرتات»، وأحيانًا أخرى بـأزياء أكثر فنية.
خامسا: فرق وتجارب لمبدعات نساء يطرحن رؤية مختلفة لقضايا المرأة وأيضا حضورها الإبداعي
نموذج المرأة والذاكرة 
- نشأ هذا المشروع من مؤسسة المرأة والذاكرة تلك المؤسسة كونها 1995مجموعة من الباحثين معنية بترسيخ مفاهيم ترتكز على منظور النوع ( الجندر ) سعيا لتغيير الصورة النمطية للمرأة  في الثقافة السائدة وهى تعيد قراءة التاريخ الثقافي بهدف تشكيل وعى داعم لأدوار النساء الاجتماعية والثقافية  وفى هذا الإطار انشأت  مركز توثيق وأرشيف التاريخ الشفهي للنساء ، ومشروع قالت الراوية 1998وهو مشروع  أعادة كتابة حكايات شعبية وقصص من "ألف ليلة وليلة" من منظور نسوي . 
- مثلت "قالت الراوية" و"أنا الحكاية" بداية حركة في فن الحكي المعاصر انبثق عنهما مجموعات حكى كثيرة تتصل بطريقة مباشرة ب "أنا الحكاية" عن طريق الانتماء الفعلي للمجموعة ثم الانفصال عنها لتكوين مجموعات خاصة، تستهدف مجموعة "أنا الحكاية" تكسير الصور النمطية الرائجة للنساء، وخلق صوت للمهمشات والمعنفات في قصص وحكايات نستطيع من خلالها رؤية عالمهن الإنساني الحقيقي، وأيضا الحكي عن الذات الأنثوية بما تعكسه  من خصوصية  وما تخفيه ،وما المسكوت عنه في علاقتها بالعالم حولها، ولكن  ذات الأنثى ليست نموذج بذاته ولكنه نموذج حامل دلالات عميقة عن عوالم الأنثى والجسد الأنثوي وانشغالاته وما يمارس ضده من انتهاكات، وله حقوق واحتياجات لا يخشى الإفصاح عنها.
 كتب فريق أنا الحكاية ارتجالا ته حول تيمات منها تيمة الجسد وتيمة الملكية وغيرها.
وأخيرا تلك النماذج ما بين تجارب في مسرح الرقص المعاصر أو منهج الدراماتورج وصناعة العرض علي خشبة المسرح أو مسرح الفرجة واستخدام اشكال وتقنيات الفرجة 
- بعضها انطلق من الموروث الفني المصري ودخل في جدل معه مثال: حسن الجريتلي – قالت الراوية – مختبر المسحراتي – شيرين حجازي 
- والبعض تعامل مع المسرح الغربي والتراث المسرحي المحلي في جدل وتفاعل للبحث عن صياغات جديدة مثل بعض تجارب الجريتلي، وحرفية الدراماتورج والمسرح الغامر والتفاعلي عند عبير علي – انا الحكاية - شيرين الانصاري- وليد عوني -كريمة بدير.
- آخرون حاكوا وتفاعلوا مع النموذج الغربي الحداثي مثال أبو السعود ودويري والعطار ونورا آمين وعفت يحي وطارق سعيد ومصطفي حزين.
- وان كان أغلبهم بحكم اننا ثقافة قولية لم يتخللوا عن النص ورسائله الكلامية  والحوار أي كانت طريقة كتابته (عبير – سعيد – عطار – دويري – أبو السعود- الجريتلي- عفت – نورا امين في عروضها الغير راقصة - انا الحكاية – شيرين الانصاري) ولكنهم كانوا دائما  يضعونه شريكا وليس سيدا للمشهد البصري والحالة الصوتية ، فالصورة و الكريوجراف والموسيقي  حاضرون بقوة عند دويري بينما عند عبير الصورة والموسيقي والغناء هم شركاء النص واحيانا الطقس كما " أم الهم " ، اما أبو السعود الصورة شريك قوي للنص – الجريتلي الغنا  والموسيقي حاضرين مع النص – ولكن  شيرين حجازي وكريمة بدير ووليد عوني ومصطفي حزين اما غاب النص تماما او تحول لجمل قليلة للغاية متناثرة هنا وهناك .
- الممثل حضر بقوة في تجارب عبير وعفت والعطار والجريتلي وطارق سعيد وأبو السعود وبعض تجارب دويري، ونورا "العشيقة الإنجليزية "- "عدو الشعب ". 
ويبقي آن نحلم ان تنمو تلك التجارب وتستمر في حراك وتغير مستمر محتفظة بالحضور والأنية والهوية والبصمة الذاتية والجمعية  تحت غطاء إنساني أشمل.
*الندوة الفكرية- يوم الحساسيات الجديدة...مهرجان الهيئة العربية للمسرح /بغداد  2024/1/12.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون