ألمخرج"احمد رزاق" في المؤتمر الفكري: تشيكوف وشيكسبير وموليير لم يكتبوا عن العرب فلماذا نعيد نصوصهم؟
2024 ,16 كانون الثاني
المخرج احمد رزاق في الندوة الفكرية - مهرجان المسرح العربي - بغداد
تجارب جزائرية تؤكد أن النصوص التي تحاكي الواقع هي التي تملأ قاعات المسرح.
احمد رزاق:صوت العرب – بغداد.
أكد مخرج المسرح الجزائري أحمد رزاق، في مداخلة له ضمن المؤتمر الفكري المرافق لمجريات المهرجان العربي 14 ببغداد في العراق، في محور "بين عولمة العرض المسرحي وتبييئه، أين يقف مسار الغد؟"، أن المسرحين العرب اليوم، مدعوون إلى الخوض في المواضيع التي تهتم بانشغالات الناس، وأن الاهتمام بالمسرح الكلاسيكي لا يملأ قاعات المسرح، والجمهور لا يريده على الخشبة.
قال المخرج والسينوغراف أحمد رزاق، أول أمس بفندق "المنصور" ببغداد، إنه سئم، في زمن ما، من المسرحيات العالمية التي كانت تقدم على خشبات المسرح بقاعات خاوية، وتابع "في ذلك الوقت، الكثير كان يتغنى بالعالمية وبالثقافة الغربية وبمستواها الفني الراقي، غير أن مستوى العروض لم يكن ينقصه العالمية فعلا، لأنها مسرحيات أدبيا، لا غبار عليها، بل ينقصها الاقتباس الصحيح، والجمهور من لم يعد يهمه لا تراجيديا أنتيغون ولا كوميديا الأخطاء ولا يريد أصلا انتظار غودو، وهنا طرحت على هؤلاء المخرجين وعلى نفسي سؤالا بسيطا ... ما هي العالمية؟".
وأعاز رزاق كلامه بذكر أمثلة في غاية الأهمية، بالإشارة إلى، مثلا، تشيكوف الذي كتب عن الحياة في روسيا، ولم يكتب عن العرب وللعرب، وشكسبير كتب عن موطنه وزمانه في قصور بريطانيا، وموليير كتب عن فرنسا بشخصيات فرنسية لجمهور فرنسي، وتينيسي ويليامس كتب عن أمريكا.. كلهم كتبوا القصص التي تدور في ثقافتهم ويعتزون بها، ويحاكون يوميات شعوبهم وصاروا عالميين.
وأكد رزاق، أنه ساد في الجزائر مفهوم خاطئ، ولمدة طويلة من الزمن، اعتقد الكثير أن الاشتغال على كُتاب أجانب يعتبر عملا عالميا، رغم أن التجارب السابقة لا تعكس ذلك، فالنجاح الجماهيري للكثير من الأعمال الجزائرية، كان بفضل أعمال مثل التي اشتغل عليها عبد القادر علولة في مسرح وهران وكاتب ياسين في مسرح سيدي بلعباس ومسرحيات عز الدين مجوبي، وفرق مسرحية أخرى، مثل مسرح قسنطينة، أو رويشد في مسرح الجزائر في فترة السبعينات والثمانينات، وجاء من بعدهم عز الدين مجوبي وصونيا وغيرهما، ومن الكتاب، مثلا، أبو بكر مخوخ الذي تأثر رزاق بكتاباته باللغة العامية الجزائرية، وكان له أثر على الأعمال الأكثر نجاحا ورواجا.
وقال "قررت الغوص في أعماق مجتمعي، وكما ندرك كلنا، أن العالمية في الحقيقة هي أن تكتب عن أحاسيس الإنسان دون التفريق العرقي، جزائريا كان أو عربيا أو أوروبيا، عن مدى قيمة الإنسانية، ويجب أن تكون بلسانه وشعرية لغته التي تختلف من منطقة إلى أخرى دون تكلف".
وأشار رزاق إلى إحصائية في الجزائر، توضح أنه من استطاع أن يعيد الجمهور إلى قاعات المسرح في الجزائر، وقال "حظيت بجمهور غفير في كل عرض قدمته، منذ سنة 1992، قدمت خلال مسيرتي الفنية خمسة وأربعين عرضا، منهم من كنت كاتبا فيه، ومنهم سينوغرافيا، ومنهم من كنت كاتبا وسينوغرافيا ومخرجا، وكنت ولازلت أبحث وأطرح كل المسائل الشائكة والمهمة التي تتعلق بالجمهور، وبكل ما هو إنساني، حتى وإن لم يكن الموضوع يعجب السلطة، أطرحه بكل حرية رغم معرفة العواقب، وكل إيماني أن الفن حر غير مقيد، أقدم للجمهور ما استطعت من الحب والعمل الجاد".
وبخصوص العولمة، أوضح المتحدث أنها صارت شيئا حتميا، لا اختياريا، ذلك أننا ملزمون بفضاءات استوردت، مثل عولمة استيراد السيارات والملابس وكل مستلزمات الحياة، ولم نبحث في خلق فضاءات تليق بثراتنا وإرثنا وثقافتنا وبيئتنا ونوعية جغرافيتنا وتاريخنا، فاشترينا سياراتهم ولم نبحث  تصنيع سياراتنا، مثل ما أخدنا مسرحهم ولم نبحث في تطوير مسرحنا، فصار لباسنا تقليديا ولباسهم عالميا، وكذلك الأمر بالنسبة للأفكار. لقد صارت العولمة استهلاكا يوميا لا مفر منه، دون إحداث ثورة في كامل الرؤى والمفاهيم.
وأضاف أن المسرح قبل أن يكون بناية، هو ممارسة، لكن البناية تتطور بتطور الممارسة المسرحية، لكل مسرحية فضاؤها الخاص بها، ولكل فضاء تاريخ وممارسات خاصة، ولو تشابه بعضها البعض، فيصير الفضاء المتفق عليه، هكذا ولدت البنايات الأوروبية مند الإغريق وصارت علبة مغلقة مهيمنة في جميع دول العالم.
وقال رزاق "طرحي هذا كفيل بطرح سؤال واحد وجوهري، هل العولمة كما في التجارة نوع من الاستيراد فقط، أم يمكنها أن تتضمن التصدير أيضا، أم الاثنين معا؟ بمعنى أن الفكر والفلسفة والفن والثقافة لا تسوق مثل أي بضاعة، لكنها تخضع لنفس المعايير والمقاييس الاجتماعية، فهل يمكننا تجاوز مرحلة الاستهلاك المفرط لكل ما يأتينا من الغرب والانتقال إلى منتوج فكري اجتماعي محلي يخدم طبيعة بيئتنا ومعتقداتنا المتفتحة على الغير، وإعادة النظر في تاريخ مسرحنا عامة، والنظر بتمعن في نوعية البنايات المسرحية التي تليق بهذا التاريخ، وبخصوصية ممارستنا المسرحية؟".
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون