نهلة إيهاب :صوت العرب – القاهرة.
من خلال رؤية مختلفة للوجود ترفض التقسيمات النوعية والحدود المنطقية وثبات هوية الأشياء حيث يختلط فيها الإنسان بالطير والحيوان ، ونجد المعجزات والخوارق والتحولات العجيبة جنبا إلي جنب مع أنشطة الحياة اليومية البسيطة فالأضداد في عالم الطفل تتوحد وتمتزج في بوتقة خياله الخصب ، ووجدانه الرحب .
و في إطار ذلك المفهوم قدم العرض المسرحي "الفار الطباخ" أعداد "فدوي نافذ" ، وإخراج "باسم كرم" عرضا يتخطي التفسير المسطح للهدف الترفيهي لمسرح الطفل ، بل طرح برؤية تسمح بإخصاب الخيال وتنمية الحس الجمالي والإرتقاء الوجداني .
فالعرض مأخوذ من الفيلم الأمريكي "خلطبيتة بالصلصة " أو "الطباخ الصغير" وهو فيلم رسوم متحركة فاز بجائزة "الأوسكار" عام2007 لأفضل فيلم رسوم متحركة ، أنتج من قبل شركة بيسكار وقامت شركة أفلام ديزني بتوزيعة .
حيث تدور الأحداث حول "ريمي" الفأر الصغيرالذي يتمتع بحاسة تذوق حادة بالإضافة إلي القدرة علي شم الروائح وتمييزها بشكل غير عادي، يحلم أن يصبح طاهياً كمثله الأعلي الراحل" أوغست غوستو " إلا إن أحلامه هذه تبدو مستحيلة وذلك لأنه فأر، كما تصور لنا الأحداث المصاعب التي يخوضها " ريمي" الفأر في مطعم الطاهي" أوغست غوست" و مع اندفاعه وشجاعته ، وبمساعدة من الشاب "لينجويني" يعمل "ريمي" علي إبهار ناقد الأطعمة " أنطون إيجو" وتحويل الحلم إلي حقيقة .
لقد اقتبست المعدة " فدوي نافذ " عددا من المواقف الدرامية الخاصة بالفيلم الأصلي " خلطبيتة بالصلصة" و عملت علي أعادة تشكيل بعض من خيوطها في نسيج جديد ممتع يجمع بين الألفة والطرافة .
كما قدم المخرج "باسم كرم" رؤية إخراجية مسرحية متفردة بمخرج واع جيدا بقواعد و أساليب "مسرح الطفل" فهذه ليست التجربة الأولي له ، بل له العديد من التجارب المسرحية المخصصة لهذة الفئة فئة
" الأطفال " وكان أخرها مسرحية " الأسد الملك " ، والتي تعرض أيضاً بالتوالي مع العرض المسرحي " الفار الطباخ " وعلي نفس خشبة المسرح "مسرح الفن" جلال الشرقاوي .
وهذا أن دل فأنه يدل علي خطة إنتاجية مدروسة بشكل جيد للمنتج " تامر جلال الشرقاوي " ؛ كما قام بدمج فقرتين إضافيتين قبل العرض المسرحي ذاته وهما "فقرة المهرج ، وفقرة الساحر" وذلك للعمل علي تهيئة الطفل و دعم المستقبالات الحسية لديه ؛ كما أنها تساعد الطفل علي تأهيل حواسه بشكل أكبر وأسرع فالطفل يعمل كل ما بوسعه لكي يكون يقظا ومنتبها أثناء هذه الفقرات وهو ما يحفز لديه حاستي البصر والسمع إذ يستطيع من خلالهما المشاركة الفعالة .
كما نجح المخرج" باسم كرم " في تقديم رؤية بصرية ماتعه للطفل من خلال سينوغرافيا العرض المسرحي فقد جاء الديكور ل" شادي قطامش " بسيط ، وسلس يبرز عمق خشبة المسرح بشكل مميز ؛ وكذلك الإضاء للمصمم المحترف " عز حلمي " ، و تنفيذ " حسني القناوي " جاءت معبرة ؛ تمزج بين الاضاءة الصاخبة الحادة و الهادئة الشاعرية في الكثير من المشاهد وذلك طبقًا لأختلاف وتنوع المواقف الدرامية .
أما بالنسبة للملابس المسرحية ل " عمر حمدي " والميكياج ل" يارا إبراهيم " فقد كانا بمثابة العتبات الدرامية الأولي للدخول بسلاسة لجوهر وروح العرض المسرحي المقدم خصيصًا للأطفال ؛ مما يدفع الطفل للاندماج التام والتوحد التلقائي مع الشخصية الدرامية .
كما ساعدت الإستعراضات ل " أحمد سمير " والحركة المسرحية للمخرج " باسم كرم " في خلق حالة من التفاعل الحي والمباشر مع الأطفال ، كما أختصرت الكثير من الجمل الحوارية والمواقف الدرامية حتي لا يشعر الطفل بلحظات ملل أو ضجر أثناء المشاهدة ؛ ولكي يتجب "المخرج" اللغة الخطابية المباشره في الحوار .
كما جاء الأداء التمثيلي لكلٍ من " باسم هشام ، وليد صلاح ، أية الوكيل ، أحمد سعد‘ نورهان سعيد ،أحمد رضا ؛ مفعم بالطاقة التمثيلية والحضور المسرحي .
كما نجح المخرج في عمل ثنائيات درامية قوية ومميزة تعطي للمتلقي الصغير حالة من البهجة والمتعة أثناء المشاهدة ؛ قدمها كلٍ من ؛ محمد إبراهيم في دور " لينجويني " ‘ محمود خلفاوي في دور" ريمي " ، حسين عشماوي في دور " سكينر" ، مورين رزق في دور "كوليت "
عمر محمود في دور " بامبيتوا" ، حازم علي في دور" لالو" .
هكذا قدم العرض المسرحي " الفار الطباخ " إخراج" باسم كرم " علي "مسرح الفن " مسرح جلال الشرقاوي عرضًا يحترم عقلية ووجدان الطفل كما يساعده علي الاندماج في المجتمع من خلال التعود علي لعب الأدوار الجماعية والتعاون والتنسيق مع بقية الشخصيات المشاركة في العرض المسرحي فينفتح علي الاخرين ويكون علاقات اجتماعية إيجابية أساسها التفاهم والتشاور والألفة.