صرخة الطبيعة حبا للحياة:قراءة للعرض الكوريغرافي "سلام " لعماد جمعة".
2023 ,02 تشرين الأول
د. فوزية ضيف الله:صوت العرب – تونس.
قدم قطب البالي  والفنون الكوريغرافية  لمسرح  أوبرا تونس  مساء السبت الموافق ل 30 سبتمبر 2023  العرض الكوريغرافي  "سلام" لعماد جمعة، وهو العرض الذي برمج بمهرجان الحمامات الدولي خلال الصيف المنقضي وكان قد قدم عرضه  ما قبل الأول  يوم 12 جوان الفارط  ضمن أيام  قرطاج الكوريغرافية.
  تناول هذا العرض  الكوريغرافي  مشكلة المتغيرات  المناخية  وحرص على التحسيس  بخطورة  الوضع الكارثي  التي  تعيشه الطبيعة جراء التلوث الصناعي  واختلال التوازن الطبيعي.
تعددت  اللوحات  الكوريغرافية التي قدمها الكوريغرافيون  (أميمة مناعي، هدى رياحي، بية بوزقرو، سيرين كلاعي، خلود با عبد الله، وائل مرغني  عمر عباس ، عبد القادر دريحلي، حازم شابي، زياد سليمي، عبد المنعم خميس)،  وانطوت  على حركات  للجسد  تعبر عن التعطش  للهواء النقي، وخطوة العيش. فتلتقي  الاجساد  لتتلاطم  وتتنافر،  ثم تحاول  مرات أخرى  لإيجاد  موطن  للبقاء، ولكل الخطر يصبح  أكثر هلعا، لتكون المحاولات فردية  لضمان  البقاء. 
لقد عم البلاستيك  كل شيء، صار هو الملبس، والماوى، بل صار موضة  نرتديها ونحن نتناسى  هول اختياراتنا، ويدفعنا  الروتين  الى غض النظر عن ضيق الافق  أمامنا.  تصرخ  الطبيعة بكل ما فيها، عبر اجساد  الراقصين، واصواتهم مراوحة  بين الفجيعة  والانتظار،  وتدق  ساعة الخطر، ونسمع  نواقيس  الانذار الأخير،  بينما مازال البعض  محدقا  في ذهول، ثمة أجزاء من الكون تتلاشى، يخفف النور،  ويعم  الظلام  والاختناق..وينتفي  الماء والهواء..
تزايد الحركة  منبهة  الى هول الحدث، يتغير نمط  الأضواء...دوائر الضوء المتعددة  المنعكسة  على الركح، هي الحلقات  المفرغة والمفجعة  التي يعيشها  كل كائن  حي أمام  الخطر القادم.
لقد صرنا مثل الحشرات، نتقاتل  على فسحة الضوء  والهواء، ملتفين  بالسواد، مغمضي  العينين، خشية  الحقيقة، و ملثمي  الوجه  خشية  التلوث..نتصارع  على فتات  الحياة  الأخير. 
تجردت الأشجار وماتت..ولكن الجسد  الراقص  مازال  يحاول  أن يبث  فيها روحا جديدة. ربما بالرقص  يمكن للطبيعة  أن يزورها  أمل  النور  والحركة. نحتاج للرقص والفن  لنعبر  عن وجع  تحسه  الطبيعة  ولا نراه  وعن خطر قادم  مازلتا  نتصوره  مجرد  لعبة طفولية. تحضر فيما بعد محاولات التعمير والتشجير  من جديد.. لكن الأخضر  كان على هيئة  رقع  متباعدة...مربعات  متناثرة تشع  من بعيد  لكنها  تظل غير  كافية  لانقاذ  الجميع. فتقفز  الحياة  من رقعة الى أخرى،  لكن الماء ينضب..وتتلاشى  مقومات  العيش  الآمن. 
ان عرض "سلام" لعماد جمعة هو عمل كوريغرافي  يسهل من المسرح والفكر والفلسفة  وينفتح  على مفاهيم  علمية  ووجودية، تبحث في مكانة الإنسان  داخل عالم  يحدق  به الخطر، وتندد  بالاخطار المناخية. ويتساوق  مع عرضه " غايا" "gaia" الذي  يتناول  كذلك  مشكلة الانحباس  الحراري  والاختلال  في الطبيعة.
ينبض العرض  بروح  استيتيقية  جميلة وان كان يتناول  قضية علمية  تتعلق  بالطبيعة. فقد استمتع  الحاضرون  باللوحات الكوريغرافية التي عبرت عن المبحث  برهافة  جمالية  واتقان  حرفي. كما كانت الاختيارات الموسيقية  والضوئية  منسجمة مع فقرات العرض  ومع المبحث الجمالي.
 
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون