المسرحية العراقية"البوّابة":سينوغرافيا العبور، لمخرجها "د.حليم هاتف".
2023 ,21 أيلول
*حلا السويدات:صوت العرب – الاردن.
إنّ العبور فَهمًا وتحليلًا لمسرحيّة البوابة، حتى إن كان ضمن النقد وأدواته، لا يمنع الدهشة واللذة أن تتسرّب إلى السمع والبصر والوجدان والعقل، فمسرحيّة كهذه، تجيد ببراعة أداء التمثيل الإنساني، للوجود المُتصل بالفكرة، والفكرة المتكوّنة داخل الذات، الموجودة ضمن الموجود، العالم؛ ومفرداته كلّها ضمن السينوغرافيا، وهي المسرحيّة التي تلجأ لكافة المكونات الجزئية التي تتسعها خشبة المسرح من ديكور وإكسسوار وإضاءة والتشكيل والموسيقى والصوت، فهي الكل، الذي يساوي في مقام آخر، النصّ المسرحي الملفوظ والقائم عن الحوار، أي أنّ العلاقة بدلية وتبادلية في مسألة قيام الرؤيا في تكوين دلالي إشاريّ يحمل الغاية والفكرة والرؤية إلى ذهن المتلقي، وهو ما يتكفل به الإخراج بالتعاون مع المساعدين الهندسيين ومسؤولي الديكور والموسيقى والممثلين، وهي يعني أنّ لكل منهم دور بنائيّ خاص. 
 وبما أنّ التلقي بمستوى النقد يطمح إلى أن يكون عملية تحليلية تأويلية، تسعى إلى الوقوف على رؤية العمل ورسالته ومقولاته المعرفيّة والفنيّة، لا بدّ من التنبه إلى أنّ عناصر العمل كافة تتضافر في تكوين الدلالة والمعنى، فتعدّ أثناء التحليل دوال تُعتبر في فَهم الغاية، وليست الغاية وحدها ما يُمكن عدّها مركزًا لتميز العمل، بل إخراج الرؤية وتقديمها، في المقابل، يعدّ سمة أساسيّة لبحث تميز وتشكّل البراعة الفنيّة، التي تُنتج الفكرة وتقدّمها للمتلقي بحلّة فنيّة لا يُمكن أثناء الدهشة إلا تلمّسها وبحثها بوصفها دوالّ تؤدّي المعنى وتعرّف الحقيقة، بالإشارة والطرح، عن أي حقيقة يُمكن الحديث في مسرحيّة عبثية وجدلية مثل البوّابة؟ ربّما سيكون الحديث عن تجلّي الدوال، وتراتبيتها، ودورها في تشكيل وطرح الرؤيا والحقيقة، فتعتمد هذه المسرحيّة على حركة الجسد التي تتبدل بين الحركة والسكون، في التقائها برمزيات متعددة، مثل: البوابة، والصوت المرافق، والديكور، والمرجعيات المشهديّة في الخلفية، والحقائب العصيّة على الحركة، والمعطف والأم، وحالة المساس بين الجسدين، (سيف الدين علاء الدين) و(نوفل خالد)، وعبورهما في هاتين البوابتين اللتين تشكلان رمزًا للعبور، والنجاة، والتغيير، ويؤكد صوت الرحلة، إلى أنّ العبور إلى الهجرة، والهجرة تكون للآخر، فتبرز ثنائيتا الأنا والآخر، الأنا المثقلة بالوطن المُتعَب والمُتعِب في الآن نفسه، والآخر ذي الخطاب الملمّع والإنسانيّ، على الأصعدة الكثيرة، التي كانت تبدو ملاذًا خاصّة لفئة من الشباب يعانون من واقع مضطرب، أشير إليه بتكرار مشهد الاحتجاجات في الخلفيّة، أخوان، في الدم، في الهُوية، في الانتماء، يعبران البوابة، ليحصلا على تجربة إنسانيّة كاملة، يختبران فيها ذاتهما، ويحصلان على مراد الحياة، في أن تكون المواجهة مع الحياة، ضمن معادلة عادلة، لكنّ هذه التجربة، في السفر والانتقال والعبور، لم تكن تجربة تتخلى عن الجذور، التي مثلها حضور الأم، وهي رمز الارتباط بالأرض والوطن، التي تشكل الحب والرعاية غير المشروطين، في احتواء الأبناء ومحاولة بعثهم من جديد من خيبة الغربة، وإعادة وصلهم مجددًا بالجذر والأرض، المعنى التي تجسدّه الأم الحاضرة (أسماء مصطفى)، وصور الأمهات العراقيات في المشهد الخلفي، تأكيدًا على تمركز الانتماء إلى الرحم؛ مكان تشكّل الخلق والتكوين وبذرة الوجود في العالم. 
تتجسد الرؤية المعرفية في مسرحيّة البوابة، بالاعتماد الكليّ على حركة الممثلين الجسدية التي تعبّر عن جملة التحوّلات في التجربة، ولا بدّ من الوقوف على هذا الأداء الفعلي، في التلاحم مع الإضاءة وتبدلات الديكور والصوت، لتأثيث المشهد بصورةٍ لا تغيّب الدلالة والرؤية، وربما من الاستحقاق البالغ أن يحصل ممثلوها على جائزة أفضل أداء ممثلين في مهرجان الزرقاء الدولي، إضافةً إلى جائزة أفضل تأليف موسيقيّ، وقد يدرك هذا الاستحقاق المشاهد أثناء تلقيه للعمل، بحواسّه ووجدانه. 
إذن، هي جوائز مستحقة، لمسرحية تمثل الميتا جسد، والميتا مسرح، الذي ينفصل وينقسم ويتجزأ، ليشكّل الصورة والحركة في بحثٍ عن متواليات من المعنى لا يشكّلها اللساني، بل يشكّلها الإشاريّ، المتضافر مع بعضه، دون أن تقام صراحة في اللفظ الصائت، المتجلّي بأسلوب سينوغرافيّ يشكّل المعنى ويصوره بعيدًا عن مجال النص، وقدراته الإيحائية، فيكون كل من الديكور والتتابعية في المشاهد، والعلاقات المترابطة بينها وبين حركة الجسد، دخولاً وخروجًا سكونًا وحركة، هو إشارات ودوال لا يجب إهمالها لفهم السرديّة المعرفيةّ، يخرجها (حليم هاتف)، ويبرع بإخراجها.    
*باحثة وناقدة أردنيّة
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون