العرض الفلسطيني"رجال في الشمس": لماذا لم يدقوا الخزان؟.
2023 ,17 أيلول
دعاء مأمون:صوت العرب – الاردن.
ضمن فعاليات مهرجان صيف الزرقاء المسرحي العربي المنعقد في مركز الملك عبدالله الثاني الثقافي شهد ‏ ‏مسرح حبيب الزيودي ‏مسرحية "رجال في الشمس", ‏التي استمدها ‏المخرج الفلسطيني فتحي عبد الرحمن من رواية الأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني رجال تحت الشمس وحولها إلى نص مسرحي, ولكن بروح تناسب الأحداث الحالية و التطورات السياسية.
 وتركز المسرحية على فكرة ‏اللجوء ‏ومعاناة اللاجئين في المخيمات والتعامل مع فكرة الإغتراب والسفر وفلسفتها بشكل عام و معالجة الفكرة ‏دراميا بالمفهوم الاجتماعي لها وهو الابتعاد عن الوطن والانفصال عن الآخرين الذي يسبب التنافر بين الأشياء, وبين ما ينبغي أن تكون عليه من طبيعة مثالية و جوهرية ,‏ومن أهم معاناة المغتربين ‏الخوف والقلق والحرمان ‏و العجز, ووجدنا هذه الأبعاد متجليه ‏وواضحة في دواخل الشخصيات ‏المستلبه حقوقهم ‏وعلاقتهم بمجتمعهم , ووقوفهم ‏عاجزين أمام الأنظمة ‏الاجتماعية فنرى أم قيس وزوجها في صراع للحصول على لقمة العيش وتحوله إلى (عتًال) او (حمّال )في غربته ‏وقت اللجوء ,‏و وقوفه في طوابير الوكالة للحصول على المؤن ,‏والاكتفاء بالعدس باقي ايام الشهر, ‏حين لمعت فكرة السفر من خلال اخ زوجته سعد آملا بوجود فرصة للعمل للحصول على حياة افضل.
‏ونرى أيضا تأثير النظم السياسية العقيمة والضغط على الفرد ‏الذي يشكل او يفرض روح الاستجابة لدى الشباب للاغتراب والابتعاد عن الوطن ‏كما لمسناها متجليه عند اسعد الذي يحلم بالحريه ويقوم باقتراض مبلغ مادي من عمه الذي بدوره يعطيه الاموال طامعا في تزويجه لابنته ….
وايضا عالجت المسرحيه سقوط الفرد  تحت تأثيرات النظم الاقتصادية وضغطها الفكري, والتضحيه للحصول على حياة افضل فنجد الشاب مروان المقبل على الحياه الذي وجد نفسه بلا سند ,حينما طلق والده امه وتزوج من اخرى تملك اموالا وليست على قدر من الجمال ,وتخلي اخوه الذي تزوج في الغربه وانفصل عن اهله وقطع المعونه الشهريه عن العائله, فوجد نفسه امام مسؤوليه اوجبت عليه التضحيه والتفكير في السفر لاعالة امه واخوته الذين تخلى عنهم الجميع.
‏اضاف المخرج ‏مشاهدا ‏من خارج النص عالج بها مشاكل الفنانين وعرض فكرة إن الفن صيغة  تواصل الإنسان مع الآخرين
‏كانت لرؤية المخرج منفذا دراميا لمعالجة الاغتراب, وكانت فكرته واضحه ومتجليه في الشخصيات الدراميه المغتربه عن ذاتها ومحيطها وطبيعتها نفسيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ,والانفصال عن الوطن هو الانفصال عن الجوهر, وانتقاد فكرة الخلاص الفردي وصولًا لفكرة ان العمل الجماعي يسهم في بناء الشخصيات ,وقد اوضحت اللوحه الاخيره في خيال الظل وخروج المساجين من النفق من خلال حفر النفق اشارة الى (سجن جلبوع )وان بعملهم الجماعي وصلوا الى الحريه …..
لائم الديكور العمل المسرحي فقد قسم المسرح الى ثلاثة افسام كل قسم حاكى شخصيات جديده والموسيقى الغنائيه التي خدمت العرض المسرحي وغناء (البقجه) في مشهد الاستهلال واغنية (ياقيامه قايمه ) اتحدت مع العرض المسرحي واثارت احاسيس وشعور المتلقي وتولدت لديه حاله من الوعي والادراك الذي استحضر تاريخا كاملا في لحظه من اللحظات مما لامس وجدان الحضور, وكان للمشهد النصيب الاكبر من الحراره الذي حرك اعماق جمهوره, وتذكيرهم بالهموم المنسيه 
وكانت من المفردات  المهمه في طرح السؤال الاهم لماذا لم يطرقوا جدار الخزان؟؟.
وكان الختام ساحرا في خيال الظل وموت ساكني الخزان وهم املين في الحصول على اقل حقوقهم واثناء بحثهم عن حياة افضل
وترك لنا المخرج فتحي عبد الرحمن قضية ابو الخيزران مفتوحة التأويل وفتح باب المناقشه وتركها للمشاهد في تقرير جوهر ابو الخيزران, هل هو ضحية الاحتلال والاغتراب ام انه مجرم ويستحق العقاب؟. 
فهو يمثل وعيه بالازمه السياسيه والاجتماعيه والنفسيه واخذه للطابع الواضح وابعاد تجربته الخاصه وفقدانه لرجولته ورغبته في مساعدة الاشخاص الراغبين في الحصول على حياة افضل, وهو طامعا في المبلغ المطلوب من المسافرين 
يضعنا المخرج امام كثير من التساؤلات المهمه التي تبدو مختلطة ومشوشه ولكنها تسقط الى وضوح مباشر وصاعق
تتسم هذه الشخصيه من يأس وعجز واراده مستلبه, فابو الخيزران يقر بوعيه بحقيقة ماساته وازمته النفسيه مع زوجته, ويقر هذا الوعي ويستسلم لطمعه ويعزم على نقل المسافرين في داخل الخزان, فهو عاجزا عن القدره على الافعال الماديه وايضا عجز لسانه في نقطة التفتيش الحدودية عن البوح بالحقيقه ,فمثل بذلك القياده العقيمه السلبيه وكانت الفرديه هنا اختصارا لجوهر الانسان الاناني وتمثيل درامي وفكري لها .
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون