فهمتلا ( femtella ) .. عرض مشاكس حتى أزمنة أخرى قادمة ..
2023 ,31 تموز
يوسف الحمدان :صوت العرب – البحرين.
فهمتلا .. وهي تعني بالدارجة التونسية ( أفهمت أم لم تفهم بعد ؟ )  وأنا لن أذهب إلى التفسيرات و الإسقاطات المحلية التونسية في قراءتي لهذا العرض الإشكالي ، ذلك أنه يتجاوزها  ولذلك السبب سأذهب إلى قراءة أكثر  رحابة لهذا العرض من هذه الإسقاطات والتفسيرات .
فهمتلا لفيلسوف الصورة توفيق الجبالي  .. عرض مسرحي بصري إشكالي يتجاوز حدود وأطر الصورة الفوتوغرافية الظاهرة والجامدة والتكوين البصري المتحرك الخاضع لإيقاع المشهدية الفيزيائية الحية الظاهرة ..
عرض تسنى لي مشاهدته بمهرجان زيورخ الثقافي الذي تنظمه شركة المبادرات الثقافية هناك والذي تستضيف من خلاله مختلف الفعاليات الثقافية والموسيقية والتشكيلية والمسرحية المغايرة والصادمة في أغلبها والني تشكل اتجاهات استثنائية في المشهد الثقافي العالمي ..
فهمتلا .. حين تكون أمام صورة حية لعائلة في إطار تبدو في حيزه هذه العائلة في وضعية جامدة كما اعتدنا رؤيتها في أغلب مجالس وصالات وغرف بيوت العائلة في أي مكان في العالم ، وفي الوقت نفسه تكون في غاية الشك والارتياب من اعتيادية هذه الصورة ..
إنها اختبار لصبرك ورؤيتك ، بين أن تؤمن بأن ماتراه صورة جامدة فعلا وبين أن ماتراه هو إطار يحوي كائنات حية هي من لحم ودم وروح ، بين أن ماتراه ينتمي للمسرح أو ينتمي للفوتوغرافيا ، بين أن ما تراه هو أنت وعائلتك أو هو شيء آخر لا علاقة لك به تماما ، بين أن ماتراه هو موقع لفرجتك أم هو من يتفرج عليك بوصفك صورة أخرى لم تنتبه إليها طوال حياتك ..
الجبالي في فهمتلا يتجاوز حدود الفرجة التقليدية والتجريبية المعتادة معا ، يتغاير مع حدود اشتغالات باتريس بافيس التنظيرية لمعجمه الظلالي ومع روبرت ويلسون  في اشتغالاته المعملية بمسرح الصورة ، ويشتبك مع ما بعد دراما ايريكا ليشتا حول أفق التلقي لدى المتلقي ، ليضعنا أمام تجربة مغايرة تذهب عميقا في الحفر والتشكيل ونسج ميكروفيزيائية مغايرة في الصور اللامرئية داخل هذه الصورة الظاهرية المؤطرة ، عرض لا يذهب في مبتديات الفعل وخواتيمه ، عرض يصرخ دون أن يجهر ويبوح ، عرض يتحرك في غفلة مشاهدتك له وكما لو أنه يختبر رفة عينيك في اللحظة والثانية ، عرض يرى الغجيعة والفدح في عينيك مثلما يراها في ذاكرته ومخيلته ، عرض يختبر سكون الروح وتفاصيل الجسد في أداء مؤديه ، هو حفر يدعوك لمشاهدة ورؤية واستبار أعماق الصور الداخلية لهذه الأجساد وتخيل حالاتها وانفعالاتها ومآلاتها ..
لحظة في هيمنة الصمت المفجع ترتعف روحا من بين هذه الصور بمكبوتاتها القهرية لتستقر بعد ثوان على حالة صمت أكثر فدحا من هذه الارتعافة ، فهل يكسر الجبالي بهذه الارتعافة جدار الصورة والصمت الحائر لدى متفرجه ؟ ..
لحظات ونكون في مواجهة صورة اخرى تتلوها صور لنعود ثانية إلى المربع الأول للصورة ولكن من زاوية تأملية أخرى، 
فهل كان الجبالي يختبر قدرتنا على تكوين الصورة ( البازل )  من زاوية أخرى؟ ..
إنها اختبار للتلقي بالدرجة الاولى ، وهي تجربة سابقة لعصرها حقا ولربما حتى يومنا هذا لو تم تقديم هذه التجربة ستقترح تأويلات جديدة لا حدود لها في عالم المسرح والسيمياء الادائية، بل أنها في رأيي  تتجاوز حدود اختبار فرجة المتلقي لها إلى اختبار فرجة المؤدي لدواخله الميكروفيزياية وهو اختبار مركب إشكالي صعب خاصة في لحظات التحول الطافر على الصورة الظاهرية لهذه العائلة أو الآسرة ..
وتتعدد أطر وتحولات هذا الطفر المباغت والمريب ليصل الحال بها إلى انفجار غروتسكي كافكاوي يتبدى من خلال شهقات متواصلة ومتقطعة كجهيش الساموراي الصريع والتي تنم عن حجم فدح اللامرئي أو المسكوت عنه في دواخل وهواجس هذه الشخصيات المؤطرة، ليعيد الجبالي مونتاجها من جديد في لحظة سكون متحرك يصوغ صورة أخرى لتعود ثانية إلى وضعها السابق وكما لو أن هذه الكائنات نتاج مونتاجات مستمرة خارج إرادتها الحية والتي تأتي وفق نوازع ومقتضيات لا تتجاوز في تبدلها حدود عقارب ساعة جدارية أهملها الزمن لتفصح في كل نهاية مونتاجية عن كارثة بلانشوية جديدة تقترح تأويلا جديدا وغرائبيا على المتلقي وعلى المشهد المسرحي ذاته ..
إنه عرض يغاير ويشاكس وربما يتماهى أحيانا في تحولاته الغرائبية مع تيارات الثورات الشاطحة الجامحة لدى الوحشيين والدادائيين والسيرياليين التي أفرزت رؤى جديدة في عالم الفكر والفن والثقافة بشكل عام ..
هكذا هو الجبالي .. يرمي في كل سانحة خلقية إبداعية  مغامرة مشاكسة حجرا في بحيراتنا الساكنة ويمضي في جنونه دون أن ينتظر جيختبر قدرتنا على تكوين الصورة البازل نن زاوية أخرى؟ ..
إنها اختبار للفرجة بالدرجة الاولى ، وهي تجربة سابقة لعصرها حقا ولربما حتى يومنا هذا لو تم تقديم هذه التحربة ستقترح تاويلات جديدة لا حدود لها في عالم المسرح والسيمياء الادائية، بل انها في رأيي  تتجاوز حدود اختبار فرجة المتلقي لها إلى اختبار فرجة المؤدي لدواخله الميكروفيزياية    وهو اختبار مركب اشكالي صعب خاصة في لحظات التحول الطافر على الصورة الظاهرية لهذه العائلة أو الاسرة ..
وتتعدد أطر وتحولات هذا الطفر المباغت والمريب ليصل الحال بها إلى انفجار غروتسكي كافكاوي يتبدى من خلال شهقات متواصلة ومتقطعة تنم عن حجم فدح اللامرئي أو المسكوت عنه في دواخل وهواجس هذه الشخصيات المؤطرة، ليعيد الجبالي مونتاجها من جديد في لحظة سكون متحرك يصوغ صورة أخرى لتعود ثانية إلى وضعها السابق وكما لو أن هذه الكائنات نتاج مونتاجات مستمرة خارج إرادتها الحية والتي تأتي وفق نوازع ومقتضيات لا تتجاوز في تبدلها حدود عقارب ساعة جدارية اهملها الزمن لتفصح في كل نهاية مونتاجية عن كارثة بلانشوية جديدة تقترح تأويلا جديدا وغرائبيا على المتلقي وعلى المشهد المسرحي ذاته ..
إنه عرض يغاير ويشاكس وربما يتماهى أحيانا في تحولاته الغرائبية مع تيارات الثورات الشاطحة الجامحة لدى الوحشيين والدادائيين والسيرياليين التي أفرزت رؤى جديدة في عالم الفكر والفن والثقافة بشكل عام ..
هكذا هو الجبالي .. يرمي في كل سانحة خلقية إبداعية  مغامرة مشاكسة حجرا في بحيراتنا الساكنة ويمضي في جنونه دون أن ينتظر جوابا على السبب ، وكما لو أنه يدفعنا بذلك إلى ضرورة تحريك وهز الأسئلة العالقة في رؤوسنا وذواتنا وأرواحنا ومخيلتنا حتى لا تستسلم للتبلد و للعفن والموت والتحلل ..
فهمتلا .. عرض يسكن رأسي وأسئلتي منذ أن شاهدته في عام ١٩٩٢ وحتى هذا اليوم والأيام التي تليه، عرض يتجدد ويشاكس في كل مشاهدة ، وهكذا هي العروض التي تروم التأسيس والمغايرة ، لا يمكن أن تنسى على الإطلاق، بل تقترح في كل مشاهدة أسئلة جديدة ..
هي فهمتيلا .. أو الصورة توشك أن تنفجر وتتشظى..
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون