2024 ,16 أيلول
رسمي محاسنة:صوت العرب - الاردن
ضمن عروضها الأسبوعية، تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، يوم غد الثلاثاء17/9/2024، الفيلم الايطالي"بروفة من أجل الحرب" للمخرج "ماريو مارتن"، وذلك في مقر المؤسسة بجبل عمان، الساعة السادسة والنصف مساء بقاعة السينما، والثامنة مساء بالهواء الطلق.
كيف يمكن من خلال الفن أن نقدم مقاربات حقيقية للواقع؟ هذا ما يذهب اليه المخرج الايطالي "ماريو مارتن" من خلال فيلمه "بروفة من أجل الحرب"، حيث يعود بنا الى 1994، والحرب دائرة في "يوغسلافيا".
في ذروة حصار وقصف "ساراييغو"، يقرر مخرج مسرحي أن يذهب إلى ساراييغو مع فرقته مع عرض مسرحي، وتقديمه في اجواء الحرب، تضامنا مع أهل المدينة المحاصرة، ووفاء لصديق له فنان مسرحي يعيش في المدينة. ويبدأ الفيلم بتقديم اجواء بروفات المسرحية، حيث استرخاء الممثلين، ودخولهم في أجواء العرض، وطبيعة الصراع بين الشخصيات، ويبرز ذكاء المخرج في اختياره للنص المسرحي من المأساة اليونانية، التي كتبها "اسخيلوس" بعنوان"سبعة ضد طيبة" والتي تدور حول صراع واقتتال وموت الاخوين "بولينيكيس"، "ايتيوكيليس"، وما ترتب على ذلك من دمار وأحزان وانقسامات.
يستطيع "ليو" - مخرج العرض، ان يجمع حوله مجموعة من الممثلين، الذين يحملون روح الشغف بتقديم عرض مسرحي، في منطقة الحرب، ورغم مواجهة الفرقة لعقبات تأمين مكان ملائم للبروفات، وايضا، قلة الامكانيات المادية لغياب التمويل الكافي، وانسحاب بعض الممثلين، الا ان "ليو" يواصل حلمه، ويبني مسرحا بما هو متاح، رغم احتجاجات الجيران، والعمل في أجواء غير مريحة بين ازقة المدينة الخانقة، المليئة بالضجيج والفوضى، في الوقت الذي تجري فيه على الطرف الاخر من المدينة، بروفات لمسرحية شكسبيرية باذخة من حيث الازياء والظروف المريحة تماما.
وفي ذروة الاستعداد بالبروفات، وتقديم عرض "بروفة أخيرة" أمام مجموعة من الاصدقاء، يخبر "ليو" فريق المسرحية، بأنه لم يعد هناك سفر الى ساراييغو، لان صديقه المسرحي البوسني "ياسمين"، قد مات بسبب قنبلة وهو ذاهب الى المسرح. وأمام صدمة الفريق، فإن الصحافة تتحدث عن العرض الثاني، حيث فخامة الازياء، وأناقة الممثلين، دون التطرق الى الرسائل والمضامين، في مقاربة ما بين طبقتين، ليؤكد الفيلم على تلك الثنائيات التي تحكم البشرية، إن على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي، حيث دائما هناك التهميش والاقصاء، وما يتولد عن ذلك من صراعات تأخذ مداها في دوائر متوالية لا تنتهي، وذلك لغياب العدالة والانصاف.
وتبلغ ذروة الفيلم في المشهد الذي تقدمة الفرقة، بعد ان يقتل الاخوان نفسيهما على اسوار "طيبة"، والاعلان عن دفن " ايتيوكيليس"، الذي استولى على السلطة، وابقاء جثة الاخ الثاني"بولينيكيس" في العراء تأكلها الذئاب، وتدخل الاخت "أنتيجونا"، في تحد للسلطة، وتعلن أنها ستدفن جثة اخيها بكرامة، وسط انقسامات، بين تلك المجاميع التي تبقى صامتة وتابعة طوال الوقت.
إن هذا المشهد بعمق دلالاته، يمكن اسقاطه على الواقع، حيث السلطة التي تدافع عن نفسها تحت شعارات وطنية، تخفي تحت ظلالها مصالح وفساد وقهر واستبداد وتخوين كل من يحمل رأيا وموقفا يطالب بالتغيير وتداول السلطة.
يحيلنا الفيلم الى اسئلة عن واقعنا، حيث لم يعد هناك مبرر للذهاب الى ساراييغو، لان الحرب هنا، في هذه المدينة، حيث الفساد والقتل العلني، وحرب الشوارع تحت نظر السلطة، وطبقة لا ترى الا مصالحها، حيث يقول مخرج العرض الاستعراضي: "إنهم في البوسنة يحتاجون الى السلاح وليس الى المسرح"، في تعبير عن فكر هذه الطبقة . فيلم "بروفة من أجل الحرب"، يمثل نهجا جديا في السينما الايطالية، حيث ان بناء الفيلم يتوتر ويتصاعد بأحداثه، وفق تطور بروفات العرض المسرحي، في ايقاع متماسك، بحيث يضع المأساة اليونانية الى جانب مأساة البوسنة، ومأساة المدينة التي يعيش فيها ويجري بها بروفات مسرحياته، وكأنه يرثي الواقع الحاضر للإنسان.
ويمسك المخرج بعناصر الفيلم، حيث الأداء الواعي للممثلين، وتصوير للأجواء والمكان الضيق والخانق، وللشخصيات في تحولاتها، سواء في شخصياتها المفترضة التي تقدمها على المسرح، أو شخصياتها الحقيقية، اضافة الى الموسيقى، وتوظيف اغنية "ساراييغو" ضمن بناء ورسالة الفيلم.
كل ذلك دون أن يدخل ولو مشهد واحد من الحرب، لكنه يضع المتلقي على حافة القلق كما جاء في أحد حوارات الفيلم" ذلك المستقبل المروع...هو ما اخشاه".