السينما الأمريكية والكوكا كولا.
2024 ,20 آذار
عدنان مدانات:صوت العرب – الاردن.
واحدة من العادات التي صارت متأصلة عند مشاهدي الأفلام التجارية في صالات السينما العامة هي التمتع بشرب كأس مليء بالكوكا كولا أثناء مشاهدة الفيلم وبالتوازي مع التهام حبات الذرة المحمصة( البون كورن)، ما يوحي بوجود متلازمة بين الحالتين. بدأت هذه العادة في صالات السينما الأمريكية أثناء عرض الأفلام التجارية الأمريكية، وانطلقت لتنتشر في صالات السينما في أنحاء العالم.
لا تقتصر العلاقة بين الأفلام التجارية والكوكا كولا على تلك العادة الرائجة، فإن الأساس في هذه العلاقة كون الأفلام الأمريكية تتشابه مع مشروب الكوكاكولا الغازي في كونهما منتجين، على ما بينهما من اختلاف، ساهم كل منهما بطريقة أو بأخرى في الترويج للأيديولوجيا الأمريكية وفي التمهيد "لعولمتها"، عبر مسيرة تاريخية طويلة، وهما منتجان تزداد أهميتهما بخاصة، في العصر الحالي الأحادي القطبية، حيث السينما الأمريكية هي المهيمنة على سوق العروض السينمائية في كافة أرجاء العالم و كذلك على عروض الأفلام في كافة الفضائيات التلفزيونية العالمية، وحيث الكوكاكولا، توزع، تقريبا، في كل مكان، ومصانع إنتاجها الفرعية تنتشر في بلدان آسيا وأفريقيا ذات العمالة الرخيصة.
لهذا كان من البديهي، في ظل تحميل أمريكا جزءا كبيرا من المسؤولية عن دعم إسرائيل في عدوانها على غزة تحديدا، وتزايد مظاهر الغضب في أوساط الرأي العام العالمي، أن يكون جزءا من التعبير عن هذا الغضب المطالبة بمقاطعة البضائع الأمريكية، والكوكاكولا كأحد رموزها، وان تمتد هذه المطالبة لتشمل صناعة السينما الأمريكية، الرمز الآخر الأكثر شهرة عالميا والأشد فعالية في تأثيرها على العقول والنفوس والأخلاق. هذا الحجم الدولي الشمولي للغضب عكس نفسه في مطالبة عالمية، وفي أوقات متفاوتة، بمقاطعة البضائع الأمريكية، وهي مطالبة غير مسبوقة في نوعها ومدى اتساعها وجديتها، تستدعي، بطبيعة الحال التفكر في إمكانياتها والبحث عن آليات لتنفيذه، الغريب أن السينما الأمريكية لم تكن مشمولة بمطالب المقاطعة.
في مقارنة أولية بين الكولا والسينما، يمكن القول إن الكولا مجرد مشروب منعش، موسمي، ترتبط الحاجة إليه، في الغالب، بفترات الطقس الحار، غير أن مفعوله آني ولا يدوم طويلا، في حين أن السينما الأمريكية، بخاصة في صيغتها الجماهيرية الشعبية، منتج ترفيهي، مفعوله تاريخي تراكمي، يصيب العقل والعاطفة والأخلاق والسلوك، يدوم طويلا ويحفر عميقا في الوعي العام العالمي بجوانبه المختلفة، ومنها السياسية والثقافية.  من هذا الفهم لدور ومهام السينما الأمريكية الشعبية الجماهيرية يحق لنا القول إنه إذا كانت المطالبة بمقاطعة البضائع الأمريكية بشكل عام قد نشأت نتيجة مواقف " سياسية"  بالدرجة الأولى، فإن المطالبة بمقاطعة السينما الأمريكية، تطرح علينا، من حيث المبدأ، مجموعة من الأسئلة، منها السؤال حول كيف يمكن أن تتحول القناعة أو الوعي السياسي، إلى قناعة أو وعي ثقافي فني ينتج عنه رفض لخصائص منتجات السينما التجارية الأمريكية والتي يلخصها التعبير الشائع عالميا" السينما الهوليودية، التي تؤكد كل التحليلات أنها تنتج وتعمم ثقافة العنف والجنس والقيم الفردية، وإلى تقبل السينما الأخرى، غير التجارية، السينما الفنية الطابع، الإنسانية المضامين، التي ترقى بعقول و أذواق وأحاسيس المشاهدين حتى ولو كان هذا التقبل مجرد نتيجة لموقف وقناعة سياسية وليس فنية جمالية، ومن ضمن هذه السينما، بطبيعة الحال، عدد لا بأس به من الأفلام الأمريكية، ومنها السؤال حول كيف يمكن لهذه المواقف السياسية المتضامنة فيما بينها أن تتحول إلى نوع من التضامن السينمائي الرديف مع الأفلام السينمائية التي تنتجها الشعوب الأخرى المتضامنة سياسيا، بحيث مثلا، تقوم المظاهرات الحاشدة التي تطالب بمقاطعة السينما الأمريكية، بجعل مطالبها هذه أكثر دقة و أكثر إيجابية على المدى الطويل، فتتحول إلى مطالبة بعرض الأفلام التي تنتجها دول أخرى، على الأقل بهدف الكيد لأمريكا ولأفلامها، أو على سبيل المثال لا الحصر، من منطلق التضامن مع دولة آسيوية ما تتحدى أمريكا وتتعرض للخطر بسبب ذلك، أو الأفلام التي تنتجها دولة متعارضة مع أمريكا مثل الصين الشعبية، والتي قد تفاجأ الجماهير بأنها ليس فقط تنتج أفلاما عالية القيمة فنا وفكرا تحوز منذ بضعة سنوات على أهم وأفضل الجوائز من المهرجانات السينمائية الدولية، بل وتنتج كما كبيرا من الأفلام العميقة المضمون التي تضاهي أفلام هوليوود من ناحية الترفيه والتشويق وتقنيات الإثارة البصرية، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، فيلم غزا صالات أوروبا وبعض شاشات الفضائيات العالمية قبل بضعة اعوام عنوانه "حرب الأفيون، وهناك أخيرا وليس آخرا، السؤال الأكثر ارتباطا بقضايانا القومية كعرب والمتعلق بضرورة تحقيق التضامن العربي وما يتشعب عنه من المطالبة بتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، هذا السؤال الذي نفترض أن على الوعي السياسي الوطني القومي أن يجعل من الممكن محاولة تطبيقه في مجال السينما عبر التعميم، والتوزيع والعرض المتبادل للأفلام السينمائية العربية المنتجة في أقطار الدول العربية المختلفة العربية، من المحيط إلى الخليج، سواء في صالات العروض الجماهيرية أو من خلال شاشات التلفزيون، بحيث تكون عروض الأفلام العربية أحد البدائل عن غياب الأفلام الأمريكية عن شاشات العرض فيما لو نجحت فكرة المقاطعة ؟
لكن الواقع شيء والتمنيات شيء آخر. والحديث عن مقاطعة الأفلام الأمريكية نتيجة فورة غضب وانفعال آنيين، ونتيجة العجز عن قراءة معطيات الواقع بشكل سليم والجهل بواقع السينما نفسها، يظل نوعا من التمنيات غير القابلة للتحقيق، ليس فقط لأن الأفلام الأمريكية هي نتاج صناعة متكاملة تهيمن على سوق العرض والتوزيع العالمي وتدعم هذه السوق بآليات دعاية وإعلام شديدة الجاذبية، ولأن ثقافة الجماهير العريضة السينمائية تقتصر على ما تعلمته منها، بل أيضا وبشكل أساس، لأن الأذواق السينمائية الجماهيرية التي تربت وفقها لا تتقبل الأنماط السينمائية المغايرة.
أخيرا، ليست كل الأفلام الأمريكية سيئة من الناحية الأيديولوجية. هناك أفلام تعادي النظام الأمريكي الرأسمالي على نحو أكثر جرأة مما نفعل نحن وتتوفر على نقد للسياسات وللممارسات وللمفاهيم التي تروج لها أمريكا، أفلام تنتقد الحكام ومن ضمنهم الرئيس، وتفضح المخابرات المركزية الأمريكية ودورها في دعم الأنظمة الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية، وتدين حروب أمريكا كما حصل بالنسبة لحربها ضد فيتنام سابقا والعرق حاضرا، وتكشف عيوب المجتمع الأمريكي، وتهزأ من الحلم الأمريكي ونموذج البطل الأمريكي الفرد. وهي أفلام يقف وراء إنتاجها سينمائيون تقدميون، إنسانيو النزعة، يفرضون أنفسهم، بطريقة أو بأخرى، من خلال آليات الإنتاج التقليدية لشركات هوليوود الكبرى المهيمنة على صناعة السينما الأمريكية، أو عبر الإنتاج الخاص الذي بات يعرف تحت مسمى" السينما المستقلة" أو سينما" الأندر غراوند"،على صناعة السينما الأمريكية مستندين إلى موهبتهم وإلى رؤيتهم الخاصة وتفكيرهم المستقل.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون