فيلم “liberation”يحاكي وحشية الاستعمار الفرنسي في القارة السمراء.
2023 ,14 شباط
 دعاء مامون:صوت العرب – الاردن.
الاستعمار الجشع والاستعباد للانسان، لا يزالان يمارسان حتى هذه اللحظة من العصر بعدة أشكال مختلفة، كلما تطورت الحياة تطورت معها أساليب الاضطهاد وقمع الشعوب وتكميم الأفواه، وتنوعت أساليب سرقة خيرات العباد وزهق أرواحهم من قبل أصحاب السلطات الاستعمارية المناهضة لمفهوم حقوق الإنسان وصون كرامته وعرضه، تحدث هذه الجرائم على مسمع ومرأى العالم الصامت، كصمت التماثيل المنحوتة في أعالي الجبال.
فيلم"تحرير"، "liberation" للمخرج يوسف علاري يضع صورة الاستعمار البشع في اطار فيلمه القصير الصامت من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما شخصية فتاة إفريقية يتم استعبادها واستغلالها من قبل سيدها، لا اسم للفتاة في دلالة واضحة على أنها تمثل كل آلام الذين استعبدوا في الأرض وانتهكت حرماتهم ولا نعرف أسماءً لهم، وأيضا لا نعرف لأي بلدٍ تنتمي وهي إشارة ثانية من المخرج أن الشخصية تمثل القارة السمراء بأكملها لا بلدا بعينه.
أما شخصية السيد المستبد أيضا لا اسم له، لأنه يمثل جميع الظالمين المستبدين الذين قهروا شعوبا وأفرادا مستغلين قوتهم وسلطتهم، فعاثوا في الأرض فسادا.
يقودنا علاري من خلال الميزانسين الذي أعدَّ بعناية جيدة على وجود بعض الدلائل، كالجمجمة وبرج إيفيل المجسد في لوحة كبيرة التي تظهر في خلفية المشاهد للشخصية المستبدة، لنفهم أن الفيلم يشير إلى الاستعمار الفرنسي للقارة السمراء وأيضا من خلال اختيار بطلة الفيلم من إفريقيا.
 يحمل الفيلم بين طياته رسالة سامية ذات قيمة عالية وهي رسالة المخرج الذي هو كاتب الفيلم، تجسد معنى الحرية التي لا تمنح من أحد، بل تُأخذ بالقوة، كما سُلبت بالقوة.
وفي سياق الحديث عن الفيلم قال المخرج يوسف علاري:
أهم خطوات التصالح فيما بين الشعوب تتمثل في التحدث عن العبودية وإدانتها إدانة واضحة وصريحة لا لبس فيها، ومن ثم اعتذار واضح وصريح من الدول التي استعمرت شعوباً وأمماً أخرى.
 وأضاف علاري: يطرح الفيلم الدولة الفرنسية كدولة استعمارية - موضوع الفيلم - التي استعمرت أكثر من ٣٢ بلدا في القارتين الأفريقية والآسيوية، فقتلت على مدار العديد من القرون الملايين من المدنيين، ومارست ضدهم أبشع أنواع العنف، هذا عدا نفي وتشريد النساء والأطفال والشيوخ من أراضيهم وسلب خيراتهم، ومواردهم الطبيعية، فضلا عن ضلوعها في تجارة العبيد، ومن هذه النقطة يبدأ الفيلم بصمت موحش لينتهي بصمت صارخ في وجه المستبد والمستعمر الفرنسي.
ويقول علاري "جاءت فكرت الفيلم رداً على رفض فرنسا الاعتذار للجزائر على الجرائم الوحشية والإبادة الجماعية التي ارتكبها المستعمر الفرنسي طيلة 132 سنة في حق الشعب الجزائري العظيم."
الفيلم يرفض فكرة "السيد" الذي يُظهر الآخر كعبد ويؤكد فكرة التحرير والنهوض وهما شرطان أساسيان لمُتطلبات الحريَّة والحياة الكريمة. فالصراع الخفي الصامت ما بين الفتاة المستعبدة التي تؤدي هذا الدور الفنانة "ليولّا توسيروي" من أوغندا، وبين المستعمر الفرنسي الذي يؤدي هذا الدور الفنان يوسف علاري مخرج الفيلم من فلسطين.
نشاهد من خلال الفيلم محاولات المستعمر ترويض فريسته الفتاة لتكون ملك يمينه، فيظل السيد طوال الفيلم على قلق حتى يطمئن أن فريسته صارت طوع أمره، لغة الفيلم صامتة، وكأن علاري يريد أن يوصل رسالة لكل شعوب الأرض بلغة يفهمها الجميع دون ترجمان.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون