"ترفق بي" رحلة ميتافيزيقية ضد النسيان: قراءة للمعرض الفردي للفنان التشكيلي "محمد علي درويش".
2023 ,28 كانون الأول
د. فوزية ضيف الله:صوت العرب – تونس.
 يعود الفنان التشكيلي محمد علي الدرويش في هذا المعرض الفردي " ترفق بي" الى التاريخ القديم، يحاور الأساطير والملاحم كما تشكلت في مخيلته أو كما تراءت له بصريا في قصائد محمود درويش وتميم البرغوثي..يعود أدراجه إلى البدايات وكأنّ العودة للطين لا تكون ممكنة إلا عبر إعادة تأمل ما كتب وما قيل وما تم تداوله سمعيا وبصريا في المخيال والذاكرة وحتى الحاضر الراهن.
 ثمة علاقة وحيدة بين التاريخ والطين، بين المروي والبصري. لذلك يستوحي محمد علي الدرويش الكثير من أعماله من الملامح الاسطورية للملامح الشهيرة. ان قرع باب التاريخ هو التحدي للنسيان بحثا عن عناصر جمالية تشكيلية تراوح بين الطرافة والغرابة..فالمعاني صارت مألوفة حد التلاشي والتاريخ صار متداولا حد الطمس، فكانت الرحلة نحو الماضي هي ضرب من البحث عن الجدة وعن المعنى. 
ربما كان محمد علي الدرويش يخاطب الطين عندما سمى معرضه "ترفق بي" أو ربما هو صوت الطين في أذن الفنان، يدعوه إلى ملامسته وتشكيله بكل رفق. إن الطين هو المادة التي إذ تشكلت وجفت صارت صلبة..وذاك هو الماضي الذي تشكل وحدث وصار صلبا فكيف نعيد قراءته دون أن نطلب منه رفقا؟؟ وكيف نعيد تشكيليه أو تذكره أن لم نتقن طرق وتقنيات العودة؟ إن العودة لتاريخ الملامح كما تشكلت في الشعر والمدونات المكتوبة والبصرية أو المتخيلة أو رحلة تجريبية عبر الروح، تمارس على جهة من التفكير الحر ضد ألم الذاكرة وتدفق الزمن الهارب.
يتكون هذا المعرض الفردي "ترفق بي"من مجموعة من اللوحات بتقنية الخزف الجداري المزجج، أو الخزف الناتئ، اختار لها من العناوين أسماء الملاحم والأساطير والآلهة. وكأنه يرتحل بنا إلى زمن بعيد لم تظهر لنا ملامحه على حقيقتها فاتجه نحو تأويلها استنادا إلى الطين كأنه يشرح معاني الماضي بالصلصال الذي قدّ منه آدم. تراوح العناوين بين "باب المتاهة" وعرش عشتار"، أو بين "رسائل الإله" و "وشم التعاويذ"..دوامة من التساؤلات الفلسفية، تعتمد على الرمز والإيحاء والتجريد كأنها تريد أن تخلق للخزفيات مرافئ ميتافيزيقية لتحميها من مغالطات العقل و رتابة القراءات. 
ربما تزعج هذه الأعمال العقل وتدفعه إلى التساؤل. لكنها أيضا تربك العين واللمس وكل الحواس..لأنها تشكلت في مساحة صغيرة وأحاطت نفسها بشبكات من المعنى المتجدد.
  يبرهن محمد علي درويش مرة أخرى أن قصته مع الخزف مختلفة. لا يمكن أن تتشابه مع القصص الأخرى لأنها تتحرك وسط أفق فلسفي تساؤلي لا يكتفي من البحث وسط المعيشي والتاريخي عن ملهمات إبداعية جديدة. يشتغل محمد على درويش على المفاهيم فيحول الكلمة الشعرية إلى مفهوم، والأسطورة إلى تشكل بصري، والحكاية إلى تركيبات مختلفة. يعتني بكل التفاصيل لكنه يعرف جيدا أن كل عمل كان مغامرة تشكيلية لا تتكرر  .
 يبرهن محمد علي درويش مرة أخرى أن قصته مع الخزف مختلفة. لا يمكن أن تتشابه مع القصص الأخرى لأنها تتحرك وسط أفق فلسفي تساؤلي لا يكتفي من البحث وسط المعيشي والتاريخي عن ملهمات إبداعية جديدة. يشتغل محمد على درويش على المفاهيم فيحول الكلمة الشعرية إلى مفهوم، والأسطورة إلى تشكل بصري، والحكاية إلى تركيبات مختلفة. يعتني بكل التفاصيل لكنه يعرف جيدا أن كل عمل كان مغامرة تشكيلية لا تتكرر. 
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون