معرض"الموت الصامت" للفنانة التشكيلية "صفاء معتوق".
2023 ,25 أيلول
د.فوزية ضيف الله:تونس - صوت العرب.
طرحت  الفنانة التشكيلية صفاء معتوق ضمن معرضها "الموت الصامت" (The silent death)، قضية التلوث القاتل الذي مسّ النظام الحياتي والبيئي بمدينتها قابس  أمام صمت غريب. فحولت بحوثها الجامعية بجامعة تولوز وانشغالاتها التشكيلية نحو مشروع فني ايكولوجي، من جهة الأهداف والأفكار والتقنيات. فكان الموضوع هو التفكير في اعادة استرجاع الأرض وحث الانسان على العودة الى الطبيعة. أما من جهة التقنيات، فقد اعتمدت التشكيلية صفاء معتوق على مبحث لوني طبيعي، فتكون الألوان المستعملة كلها طبيعية ومعدنية مستخرجة من الطبيعة. وبحكم دراستها الجامعية حول تقنيات سينما التحريك في علاقتها بالرسم، فقد كانت المحامل المعروضة، فيديوهات لرسوم مُتحركة، الى جانب لوحات فنية على محمل القماش.
أرادت صفاء معتوق، نقل هذه المعاناة البيولوجية، بكل ما فيها من أضرار على الكائنات الحية، بشكل سريع وصادم. وفي ذلك دعوة إلى التساؤل عن كيفية حماية الحياةة على سطح الأرض. كما طرحت مشكلة تلوث الهواء وما سبّبه من دمار للغلاف الجوّي والجهاز التنفسي للإنسان وانقراض الحيوانات. لقد وظفت عذّة رسوممات صامتة حينا ومتحركة حينا آخر للإشارة إلى مشكل تلوّث المياه من خلال تدخّل  المركبات الكيميائية في حياة الانسان، ومن خلال سطوة البلاستيك على مجاله الحيوي والبيولوجي.  يتجه هذا المسار التشكيلي، نحو وجهة بحثية وعلمية واعية، تستند إلى دراسات في علم الأحياء وعلم التشريح البيولوجي، بثّا للوعي بمدى أهمية الثروات والكائنات الحيّّة خصوصا لدى "الطلبة" الذين زارهم المعرض في كلياتهم، فهي تراهن على الطبقة المتعلّمة من المجتمع، فتُخاطبهم بالطرق والوسائل العلمية. 
"الموت الصامت" كيف نسترجع علاقة الانسان بالطبيعة؟
اختارت صفاء معتوق عنوانا مربكا، جامعا بين "الموت" و"الصمت"، على وقع صامت ومخيف، ولكن الفنانة تُحرّك مسار المعرض من خلال اختراق هذا السكون برسوم متحرّكة تُعالج مشكل التلوث. تضمن المعرض 3 فيديوهات لرسوم متحركة، قدّت بالألوان الطبيعية المعدنية.  اعتمدت في تركيبها وتحريكها على تقنية "الروتوسكوبي" (la Rotoscopie)، وهي تقنية على استعمال الصور، واحدة بواحدة، حتى تظهر الحركة في الرسوم على نحو سينمائي كارتوني. إن الغاية من التحريك والحركة، هو الاشارة إلى فناء الطبيعة وعناصرها بشكل سريع بفعل التلوث وانهيار المنظومة ألايكولوجية التي مست كل الكائنات الحية. فيتوالى ظهور الجماجم المفزعة، تحذيرا من فكرة الفناء، وإشارة إلى "علم تشريح الجماجم" الذي استعملته في معرضها الثاني (ça bouge) سنة 2022. 
إن هذه الفيديوهات هي عبارة عن رسوم متحركة مرسومة بألوان طبيعية وبالطريقة التقليدية للرسوم المتحركة، يتطلّب إنجاز ثانية من الزمن رسم 24 رسما،  ثم يتم تجميع الرسوم وتركيبها عبر لوجيسيال (Adobe première). 
 انطلاقا من تحريك رسومات لكوكب الأرض، تحملنا صفاء معتوق نحو مشاهدة الحياة المهددة التي يعيشها، الفأر، السلحفاة، الطيور، الأسماك، الضفادع ثم تظهر لوحات لوّنتها بمواد سامة، استخرجتها، لتبرز الخطر المحدق بالطبيعة. 
العودة إلى الأرض، عودة إلى الأصل:
تشتغل صفاء معتوق على الألوان الطبيعية المعدنية (pigments naturels miniraux)، فترتحل باحثة بين الجبال، عن ألوان خبأتها الأرض بين طبقاتها، وفي حجارتها التي بانت على سطحها. فتجمعها وتصنع منها ألوانها، ولا يبدو أن هذه الرحاة الباحثة عن اللون، هي رحلة يسيرة فقد يأخذ ذلك وقتا، وقد يتعذّر عليها الحصول على حاجتها، فتلتجئ الى التفكير في صناعة اللون بنفسها، كما حصل ذلك مثلا مع اللون الأزرق الذي عرضت عينة منه إلى جانب لوحاتها في معرضها "الموت الصامت".
بدأت صفاء معتوق رحلتها في البحث عن الألوان الطبيعية منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، وهو مبحث مخبري.  تصفّف الألوان، حسب درجاتها الترابية، ثم تستعملها، على محمل القماش، مثلما تستعمل ألوان الأكوارال. فتنتقل وقتها، من مرحلة تحضير اللون إلى مرحلة تثبيته، وفق التصور التشكيلي الذي يتوافق مع المبحث.
الطبيعة كمبحث ايكولوجي.
تتخذ صفاء معتوق من الطبيعة مبحثا ايكولوجيا بيئيا،  تعاين مشاكل التلوث على الكائنات البحرية والبرية. كما ساعدتها فترة الكورونا على تبين هشاشة الوضع البيئي، تأثير الفيروسات في جسد الإنسان وتعقد المسألة الايكولوجية. فتدفع بالإنسان الى مراجعة علاقته بالمحيط والحيوانات والأرض والبحر والجو. 
سيرة موجزة:
الفنانة التشكيلية صفاء معتوق، أستاذة باللمعهد العالي للفنون والحرف بقابس منذ 2018، حاصلة على ماجستير بحث في نظريات الابداع سنة 2013، وحاصلة على الدكتوراه من جامعة جون جوراس بتولوز سنة 2018، ببحث عنوانه "الرسم وسينما الرسوم المتحركة: بحث في الانشائية اللونية الواحدة" تحت إشراف غي ليسيريف و سيلين كومون، ونوقشت يوم 4 أكتوبر 2018.  شاركت في عدة معارض جماعية داخل تونس وخارجها، وفي رصيدها ثلاثة معارض فردية:
المعرض الفردي الأول سنة 2019 تحت عنوان، "من الرسم نحو التحريك" (De la peinture vers l’animation)، أقيم برواق المعهد العالي للفنون والحرف بقابس.
المعرض الفردي الثاني سنة 2022، تحت عنوان، " إنه يتحرّك، تشريح بيولوجي" (ça bouge,) بكلية العلوم بقابس.
المعرض الفردي الثالث سنة 2023، خلال المدة الممتدة من  غلاّة فيفري إلى 25 فيفري، ويحمل عنوانا مختلفا "الموت الصامت" (The Silent Death)، وقد أقيم برواق  "أرتزاين" بالمعهد العالي للفنون والحرف بالمهدية.  
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون