في رسالة اعتزال الفنانة"د.مارغو حداد": أخرجت نفسي من الضوء، وليس الضوء ما أخرجني منه.
2022 ,02 تشرين الأول
الفنانة الدكتورة مارغو حداد
ما جدوى كل ما أعرفه عن موهبتي أولاً وأدواتي ثانياً وتجربتي الأكاديمية ظل يلاحقني في عصر لا نرى فيه مساحة إلا للسفاهة والانحطاط. 
اشعر بالشفقة حيال من يزحفون خلف الضوء لسد النقص في موهبتهم.
يحزنني كل أصيل وجميل نحوّه وقزّموا ظهوره، وسأتفرّغ للكتابة والإخراج.
رسمي محاسنة: صوت العرب – الاردن.
اعتزال الفنانة المثقفة"د.مارغو حداد" التمثيل، اعادني الى مقالة نشرتها لها في"صوت العرب"،كانت بعنوان"الدراما الرمضانية بين "جنينية المستوى"و"ثقافة الاستهلاك"،ووجدت ان قرار اعتزالها التمثيل، ليس قرارا مفاجئا، انما قراءة معمقة لواقع الدراما التلفزيونية – بشكل اساسي- بكل مكوناتها، من اجواء الانتاج المريضة في اغلبها، الى الاخراج "الحرفي" في افضل احواله،دون رؤى ابداعية، الى التمثيل،والصورة بمجمل مكوناتها.
 وتحدثت بذكاء شديد حول المكان، والبناء المكاني، والازياء بكل دلالتها الجمالية والمعرفية،والتي اعتبرتها البيان الثقافي والإعلان السياسي والمهني والجنساني، والديني،..الخ،وتقول "د.مارغو" بكل الوضوح" فالخطاب البصري وثقافة الصورة تشكلان اليوم سلطة جمالية خلاقة عالية التأثير، تثير قيمنا المعرفية و ذائقة إختياراتنا الجمالية و مستقراتها، و هنا مكمن الخطر في الخطاب البصري المعزِز لمحتوى لغة الحوار في السيناريو و الموسيقى و اللون و الإيقاع و الصورة المحفزة لإثارة خيال المتلقي، و التأثير على تقبله للمنتج الفني وتغذيته الراجعة، وغير ذلك نذهب بالملتقي خارج السياق، و قد نكسبه معارف لا تمت لكيانه الثقافي بصلة".
وفي توصيف دقيق لواقع الدراما تقول" أغلب ما يصلنا عبر الشاشات هو مزيج من ضحالة الفـكـرة و ركـاكـة الأداء و الـتـنـفـيـذ الإستهلاكي و سـيـادة التهريج و الاستظراف الممجوج، و إفساد ذائقة الجمهور و التشويش عليها".
 
اذن هذه الارهاصات، هي كانت حاضرة في عقل ووجدان الفنانة"د.مارغو حداد"،وجاء قرار الاعتزال بلغته العالية، بمثابة احتجاج صارخ، على ماوصلنا اليه.
ونثبت تاليا رسالة الاعتزال.
 
 
 
رسالة اعتزال عن التمثيل
 
رسالة اعتزال عن التمثيل، وتصلح لتكون اعتذار مني لنفسي التي تعشق الفن ولم تطارد حلماً بمثابرة سوى الحلم بالتمثيل، فالحلم بالتمثيل لا يبطل حين يصير المرء ممثلاً، بل يتعاظم ويكبر..
الموهبة الإنسانية أوسع من ميزة واحدة يضيفها المرء إلى لائحة اهتماماته ويعرف نفسه من خلالها: "هذه فرادة لا يمتلكها كثيرون ولو بلغوا شهرة واسعة". وهو وليد نقطة تماس النشوة الفنية مع الموهبة يسبقه مخاض أليم يجعلني أنخرط في صراع. 
سابقاً كانت الموهبة الأساس هي أكثر من عشر سنوات أمضيتها في تمثيل الأعمال الدرامية والأفلام السينمائية وقدمت العديد من العروض المسرحية، اليوم إلى جانب التدريس الجامعي بعد حصولي على الدكتوراة تطور جانب خفي في شخصيتى؛ فقد مكنني تعليم السينما في الجامعة من التعمّق في روح الفن وتماهيه مع الموهبة الحقيقية، فكانت فلسفة السينما توسّع مداركي وتحرر أفكاري في الفن والحياة، لكن سؤالي حول جدوى كل ما أعرفه عن موهبتي أولاً وأدواتي ثانياً وتجربتي الأكاديمية ظل يلاحقني في عصر لا
نرى فيه مساحة إلا للسفاهة والانحطاط. 
القلق تجاه نفسي وشغفي في التمثيل والقلق من انعدام قدرتي على تصيير نفسي لما يحبه أصحاب القرارات الفنية هو المسيطر، قلق جعلني أريد فقط أن أترجّل عن الفرس. إن إحساسي بهشاشة الوجود دفعني إلى مطاردة أجوبة على أسئلة ملحة استحال تفاديها، فكانت فلسفة السينما خلاصاً، تماماً كالموسيقى والفن التي بدورها تبحث في روح الكون. 
الدهشة ولغة الاستغراب كانا المحرض الأساسي لي في نيل درجة الدكتوارة: "علبت تساؤلاتي في أطر منهجية للحصول على الشهادة، فالاتكاء على أرضية متينة تشيد شغفي الفني".
رغم المؤهلات والاجتهاد، تتراءى مارغو حداد للجميع اليوم كفنانة "نخبوية" . نعم هذا خياري : "ذلك لأنني أخرجت نفسي من الضوء، وليس الضوء ما أخرجني منه. وضعتني وفني في (زاوية خاصة)، ثقافية رصينة خارج منطقي التجارة والنفعية". بثقة، وبلا ندم، أنا أحارب التشيؤ: "أتبنى فناً يخوض معركة ضد جمود الأشياء. أريدها أن تنطق فتغني ضمن معايير رفيعة".
اشعر بالشفقة حيال من يزحفون خلف الضوء لسد النقص في موهبتهم، تؤلمني الأيام: "إنه زمن انفعال، لا زمن ابتكار. يتحكم فينا فقدان الشيء، إلى درجة أن المرء إن لم يجد موضوعاً، وقع في فخ تصوير الموضوع.
"لا اجد في "نخبويتي " التي يصفوني بها ما "يضر"، اعترف بأنني لا أغامر: "للمغامرة وقت وجهد، فاستنفدت معظمهما في التعليم. ذلك لا يمنع ظهوري المعلن بإطار آخر. أقاوم الواقع بطريقة مختلفة".
يكفيني التعبير بالفن عن تجارب إنسانية لأشعر بالإنصاف، انا لست ممن يصعدن على المنابر ويعبرن فوق السطور لادعاء المظلومية، فأنا حققت في مسيرتي الفنية والأكاديمية ما يمكنني الارتكاز عليه في مخاطبة نفسي على الأقل: "في النهاية، الحقيقة صلبة وواضحة، استشعر حس الآخرين.
أعشق لغة الصمت لأن الصمت هو الانتباه، هو الرصد، هو لحظة التفكيك لمكونات اللعبة التي دخلتها بقراري وخرجت منها بسبب قلة نزاهة الحكّام فيها .
هذا "عصر الانحطاط"، إن لم يكن لدى الإنسان ما يقدمه، فالأجدر به الاستراحة. الصمت هنا فرصة للتأمل واستنطاق مكنونات الداخل. هو ليس كسلاً ولا تمجيداً للتراخي. بل ضرورة تتيح المراجعة الذاتية وإعادة النهوض بعد الإخفاق. .ويبقى السؤال: أمام العجز الإنساني عن الابتكار والخروج بجديد، لم الوقوع في حفرة الاستنساخ والاستسلام الأعمى للتقليد
يحزنني كل أصيل وجميل نحوّه وقزّموا ظهوره، لذا أعلن اعتزالي التمثيل، وسأتفرّغ للكتابة والإخراج والتدريس وللتأمل في كل ما هو فني ولو كان أبعد ما يكون عن عدسة الكاميرا .
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون