في ختام مهرجان الربيع الثاني: ندوة-الفحيص.. ذاكرة الرحيل والاستقرار.
2023 ,04 تموز
الكاتب "العدوان" والصحفي "الرنتيسي".
*مفلح العدوان: صوت العرب – الاردن.
في اطار الاحتفاء بالانسان والمكان والذاكرة، وضمن فعاليات مهرجان الربيع الثاني/الفحيص، اقيمت في "دارة حمزة لذوي الهمم" ندوة مهمة بعنوان"الفحيص ...ذاكرة الرحيل والاستقرار"، للاديب "مفلح العدوان"، وادارها الزميل الصحفي" اسامة الرنتيسي"، امام حضور كبير، تابع الاستهلال التاريخي الذي بدأ به"العدوان"،التدرج التاريخي للمدينة،وتاثير الجغرافيا على تطورها ومنعطفاتها، وحضورها الضارب في القدم في المشهد الاردني، ومعروف ان الاديب"العدوان" من الذين يدققون في المعلومة التاريخية، والتأكد من اصولها،وتتبع المصادر، حتى يصل الى يقين المعلومة.
المحاضرة غنية باتفاصيل التي ربما كثير من ابناء الفحيص انفسهم لايعرفونها، ونظرا لاهمية المحاضرة، ننشرها كاملة، مع ملاحظة ان الهوامش التي كان يضيفها "العدوان" على النص الاصلي،اعطت الندوة مزيدا من الزخم. وفي نهاية الندوة، قام "ياسر العكروش" بتكريم كل من الكاتب "العدوان"،والصحفي"الرنتيسي".
الاسم.. تحولات المعنى:
يشار الى أن كلمة الفحيص تعني الحصن المنيع أو عش النسر، كما أن هناك رأي يقول بأن اسم الفحيص مأخوذ من الفحص بمعنى البحث، وقيل أن الرومان أقاموا مركزا جمركيا لفحص البضائع القادمة من فلسطين ومصر الى عمان عن طريق وادي شعيب في الموقع هذا، فسمي الفحيص.
الموقع التاريخي-الأهمية:
موقع الفحيص الجغرافي ساعد على تطورها، وتقدمها السريع، فقد كانت تتوسط ثلاثة ممالك هي مملكة عمون، ومملكة حشبون، ومملكة جلعاد، إضافة إلى أنها من أهم تقاطعات الطرق، حيث تربط عمون بجلعاد، وعمون بفلسطين، مما جعلها تشهد عدة غزوات وصراعات دامية، حيث سكنها كل من الجبابرة والعمونيين واليونان والرومان الى أن استقر فيها العرب..
الرومان اهتموا بها، بعد أن رأوا فيها بلدة ذات موقع استراتيجي، كونها تقع على طريق القوافل من فيلادلفيا (عمان) إلى فلسطين، حيث تمر تلك القوافل في طريقها بالفحيص، وماحص، ثم وادي شعيب، والشونة، وأريحا، أو بالعكس في دربها المتجه الى عمان.. وكذلك الحال بالنسبة للقوافل المتجهة الى السلط.
وقد ساعد الفحيص في أن تأخذ هذه الأهمية، وفرة مياهها، وموقعها الذي يشرف على فلسطين، حتى بيسان، ثم عمان، وسهول مادبا.
كما أن الرومان، كانوا أذكياء حين وضعوا الفحيص على خارطة البلدات المهمة بالنسبة لهم،
ولم يهملوا المكان، بل عرفوا ميزات القوة، والإختلاف، والندرة، في البلدة، فقاموا باستعمال قلعة الفحيص كبرج مراقبة لحماية هذه القوافل، لأنها تشرف إشرافا فنيا كاملا على هذه الطرق، كما أنهم أقاموا أيضا محطة لفحص البضائع على عين نبع العلالي.
كل تلك المعالم، والآثار، تدل على ازدهار البلدة، وتطورها التجاري والصناعي، إضافة الى حساسية وعلوّ مركزها العسكري والجغرافي والأمني، مما جعل منها بلدة بمستوى مدينة تزدحم بالسكان، وتستقطب أكبر عدد ممكن من الغساسنة، للإقامة بها، وذلك بسبب الرخاء الاجتماعي والاقتصادي في الفحيص، إضافة إلى شهرتها في صناعة الحديد، والزجاج، والفخار، مع تقدمها وتميزها في المجال الزراعي. كل هذه الميزات مجتمعة خدمتها كثيرا في العهد الروماني، وجعلتها تكبر مساحة، وتزداد سكانا.
في عهد المماليك، كانت الفحيص من أكثر البلدات ازدهارا، وتقدما في حضارتها، حتى أنه قيل أن صناعتها هذه كانت تصدر عن طريق فلسطين إلى اوروبا عبر يافا وعكا.
وقد تنبه المماليك إلى فرادة موقعها، وإمكانية استثماره عسكريا، خاصة السلطان الظاهر بيبرس، الذي استعمل قلعة الدير كمحطة لنقل البريد بواسطة الحمام الزاجل، واستخدم مرتفعاتها العالية كمحطات إشارة لنقل إشارات تنقل العدو.
الدير..مفتاح الكتابة
كان يسكنه (الدير) إثنان من الرهبان، يبدو أنهما كانا على خلاف مع الكنيسة على بعض العقائد الدينية، ولهذا تواريا عن الأنظار وسكنا في هذه المنطقة المنعزلة في غرفتين جعلا احداهما للصلاة والأخرى للسكن، وكانا معروفين عند أهالي الفحيص الذين ترددوا على ديرهما كأصدقاء، ثم أخذوا يتجمعون بعد خروجهم من القسطل بمدة قصيرة حول هذا الدير بالتدريج، حتى تكامل عددهم، وأصبح الدير بما حوله مدينة بالمعنى المعروف للمدن آنذاك".
الرحيل الأقدم.. زمن الغساسنة (الاستقرار في القسطل):
مدينة غسانية،  عايشت العصر البيزنطي حتى أواخر القرن السادس وبداية القرن السابع الميلادي، وهذا يتضح من مكتشفات القبور التي احتوت على قبر كاهن ارثوذكسي، ولباس الكهنوت، إضافة الى آثار كنيسة مبلطة أرضيتها بالفسيفساء.
عندما ضعفت دولة الروم، ضعف الغساسنة، واجتاحت جيوش الفرس والمناذرة الأردن، ودمرت كل شيء في طريقها، خاصة مدن الغساسنة في البلقاء ومنها الفحيص، حيث ارتحل أهلها عنها من أثر تلك الحروب بين الروم والفرس، غير أنه حين استقرت الأحوال، وساد الأمن والطمأنينة، عند دخول الجيوش الاسلامية، وقامت بتحرير البلاد، لم يعد أهل الفحيص، في البداية إلى بلدتهم الأولى، بل لجأوا الى مدينة القسطل جنوب غرب عمان، معتمدين في معيشتهم على الزراعة وتربية المواشي.
العودة الأولى إلى الفحيص:
بعد سنوات من اقامة أهل الفحيص في القسطل، حل الجفاف على المنطقة، ونفذ مخزون المؤن في القسطل، وجفت الآبار، فكان لا بد من ترك القسطل، طلبا للرزق، فخرج أهل الفحيص من القسطل، وتفرقوا في مناطق من الأردن وسوريا، إلى أن عادوا وسكنوا في موقع الدير في أواخر القرن الثالث عشر ميلادي.
الرحيل الثاني.. إلى السلط
أما الرحيل الثاني لأهل الفحيص عن بلدتهم، فقد كان أيام العثمانيين، إذ أنه بعد أن ازدهرت منطقة الدير أثناء الحكم الإسلامي، واستقر أهلها، وأقاموا الأسواق والصناعات، وعاشوا بسلام ورفاه، تولى العثمانيون الحكم مطلع القرن السادس عشر ميلادي، متبعين نظام الإقطاع في حكم البلاد، وكانت منطقة الدير من إقطاع أحد الأمراء الظالمين المستبدين، فأعلن أهل الدير العصيان، وعلى اثر هذا حاصر الأمير الإقطاعي بجنوده الدير، فقاومه أهل الدير، وفكوا الحصار، وطردوا الأمير وجنوده، بعد أن قطعوا حبال خيام مخيم الجيش، فسمي المكان هذا بـ"المقطع"، ولكن بعد فترة عاد الأمير المستبد بجيش أكبر، وحاصر الدير، ودمر المنطقة، وخرج أهل الفحيص من الدير، واستقر معظمهم بعد الرحيل في مدينة السلط.
كانت مدينة السلط آمنة لوجود الحامية التركية فيها، فتملك الفحيصيون هناك، واستقروا، وزرعوا، وتعاطوا التجارة، وبنوا المساكن، وطاب لهم المعيش في تلك الديار، غير أنهم لم يتركوا أراضيهم في الفحيص مهملة رغم بعدهم عنها، بل اعتنوا بها وزرعوها، مع زراعتهم لأراضيهم في السلط.
العودة الثانية إلى الفحيص:
كانت زراعتهم ناجحة، ومحصولهم في الفحيص وافر، غير أنهم مع مرور السنوات أحسوا بتلك الصعوبة في نقل محصولهم، خاصة التبن، من الفحيص الى السلط لوعورة الطريق، حيث أن النقل كان على ظهور الدواب، كما أنه في فصل الشتاء تتضاعف المشكلة حين يرتفع منسوب مياه وادي الأزرق، فيتعذر المشي، أو مرور الدواب، ولذلك فقد بادر بعض أهالي الفحيص بحفر مغارة كمخزن للتبن صيفا، وللإقامة فيها في موسم الزراعة. 
لكن في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي بدأ أهل الفحيص ببيع عقاراتهم ومساكنهم في السلط والانتقال الى الفحيص، وقد تمكن معظمهم من الانتقال الى بلدتهم القديمة، وأصبحت السلط بالنسبة لهم ذكرى، والمركز التجاري الذي يمدهم بضرورياتهم الحياتية، وكذلك أخذ أهالي الفحيص المنتشرون في حوران وسوريا بالعودة اليها حتى أصبحت خلال فترة وجيزة قرية عامرة تدب فيها الحياة والحركة".
ويشار الى أن "أهالي الفحيص، كانوا حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي يسكنون الخيام، وبيوت الشعر، وخزينهم بالمغاور، وهذا يعني أن المساكن الحجرية لم يبدأ بناؤها إلا في نهاية العقد الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي".
حادثة العدوان والمهداوي.. الأخوة مع الفحيصية:
بعد زوال حكم المماليك أصبحت البلقاء تحكم حكما عشائريا، وظهرت فيها قبيلة العدوان بعد فتوح السلطان سليم الأول (1512-1520) ببضع سنوات، وسبقها فيها قبيلة المهداوية، وبعض القبائل الأخرى التي شرعت بالخروج من نجد والزحف شمالا في النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي...".
حدث أن أحب الأمير المهداوي (جودة)، (مريم/ ماريا) ابنة خوري قرية الفحيص (عطا الله ديّات)، وعقد النية على الزواج منها مهما كلفه الأمر، وكان ذلك أثناء زيارة له قام بها إلى الفحيص، ورأى النساء والفتيات أثناء ذهابهن لجلب الماء من العين حيث استحسن احداهن، وعندما سأل من تكون، أخبر أنها ابنة الخوري عطا الله، وعلى الفور ذهب الى الخوري وطلبها منه، وعبثا حاول الخوري اقناع المهداوي بالموانع الشرعية التي تمنع مثل هذا الزواج لفارق الدين، غير أنه تظاهر بالموافقة وطلب إمهالا لتجهيز العروس حتى يتدبر الأمر مع أهل القرية، واتفقا على يوم معين ليأتي مع حاشيته لاستلام العروس. وبعد ذهاب الأمير تداول أهل القرية الأمر، واعتبروه إهانة لهم واستهزاء بدينهم، وهم يعلمون عدم قدرتهم على الأمير، ورأوا أنه لا بد لهم من حليف قوي يعينهم، فحالفوا العدوان الذين كان خلاف قد نشب بينهم وبين المهداوية، ولم يجدوا حليفا خيرا منهم، وعلى الفور أرسلوا لهم رسولا (عفانة) يحمل رسالة يعرضون فيها عليهم الخوة ووجدوا في هذا العرض فرصة لا تعوض للأخذ بالثأر من المهداوي، وهكذا اتفقوا مع الفحيصية على خطة تمكنهم من تحقيق النصر على المهداوي، وقد انتصروا عليهم بالفعل وقتل الأمير ومن معه جميعا. 
وهرب أحدهم واسمه صقر، ولكن العدوان كانوا له بالمرصاد، فقتلوه وسمي المحل الذي قتل فيه (الصقيرية)، ومنذ ذلك العهد والحلف بين العدوان والفحيصية ساري المفعول، واقتسم العدوان والفحيصية أراضي المهداوي مناصفة، وكان ذلك في العقد الأخير من القرن السابع عشر الميلادي تقريبا". 
صبيان الحصان.. أصل التسمية:
أهل الفحيص معروفون بنخوة (صبيان الحصان)، ولذا كان هذا الارتباط بالاسم، يعبر عن البعد الاجتماعي التاريخي لأهل الفحيص.
هناك روايات ترجع السبب في جعل لقب عيال الحصان عنوانا لأهل الفحيص إلى زمن الرومان والغساسنة، حيث كان الغساسة يأخذون الأحداث أو الصبيان من عمر ست سنوات فما فوق، ويسلمونهم الى مدربين يعلمونهم الفروسية وركوب الخيل ورمي الرمح والقتال بالسيف، وغير ذلك من الفنون الحربية، ثم يشكلون منهم فرقا قتالية يطلقون عليها (صبيان الحصن)، ثم أطلقوا عليهم (صبيان الحصان)، نظرا لقوتهم وبراعتهم في القتال".
ولكن هناك رأي آخر يحيل التسمية واللقب إلى قصة أخرى، تحيلنا إلى زوجة الأمير جوده بن طريف بن حسن بن المهدي، أطلقت التسمية لكرمهم وشجاعتهم، بعد أن زارت قريتهم، وأكرموها كرما لا مثيل له، فقالت لزوجها الأمير جودة؛ إن كرم صبيان الحصان، فاق كرمك بكثير. وليتأكد بنفسه مما تقوله زوجته، قال لها سوف أزورهم، وقبل الموعد، أرسلت عبيدها إلى الفحيصية، لتخبرهم بأن زوجها الأمير جوده سيزورهم يوم الاحد. وفي صبيحة يوم الموعد، قصد القرية برفقة مجموعة من خيالته، يتجاوز عددهم أربعين خيالا، وفي ليلة ذلك اليوم قام أهالي الفحيص، بتجهييز الطعام، وعلائق الخيل،  وأشعلوا النيران قبل الفجر، وعند وصول جوده وخيالته، الى القرية، استقبلوهم بحفاوة كبيرة، ولكن الامير اعتذر عن الضيافة، بحجة أنهم ذاهبون للصيد. وعندها  أصر أهالي الفحيص على تكريمهم له، واستضافوه مع خيالته، وعندما عاد الأمير جوده إلى ديرته، قال لزوجته؛ فعلا إنهم صبيان الحصان.
قصيدة سلطان باشا لأهل الفحيص:
وفي هذا السياق، أورد هنا قصيدة لعلي الأطرش، وهو أخ لسلطان باشا الأطرش، وفيها إشادة بأهل الفحيص، وقد سكن هناك أثناء فترة اقامتهم في الأردن، ولهذه القصيدة قصة موثقة في كتاب (زيدان سعيفان الصويص) الذي جمعه وحققه منعم زيدان الصويص، وهي قصيدة يرد فيها علي الاطرش على قصيدة لزيدان الصويص. يقول علي الأطرش:
 
"أمس الضحى سهيان ما طقنا البين           مرتاح عافرش الهنا خوش قايل
جانا سطور من كلام المحبين                  حيي الكتاب اللي لفى بالمثايل
زيدان يا بن صويص انتم زكيين              وكل القرايب بي نظرنا جلايل
واهل الفحيص اكرام للطيب حلوين             عند اللواز مرويين الصقايل
صبيان الحصان النشامى شفيين              ارجال ترخص دمها للنزايل
باجواركم ستة وثلاثين وشهرين                ما قط شفنا من طرفكم نكايل
البلقا وما حاشت ارجالا كريمين              بالذوق يمتازون سبع القبايل
ابظل راس الطايله خلفه حسين               ابو طلال اللي غمرنا ابفضايل
ترى كلامي صج ما به تلاوين            نحكيه ببلاد العرب بالكمايل
انتم لنا خلان عالزين والشين              نطلب من الله ما تذوقوا هوايل
وحنا وداعتكم ترانا غريبين                لن صار بالديوان قيلاً وقايل".
 
مقام الخضر.. تآلف القداسة:
على مرمى التفاتة من الدير، تقع بلدة ماحص، حيث مقام الخضر، الذي يقع على حوالي دونمين،في حوض البلد رقم 8، وهو مقام مشترك يزوره سكان ماحص والخحيص من المسلمين والمسيحيين، وقد بني بالتعاون بين أهالي البلدتين، وفيه ثلاث شجرات متعارف عليها باسم أشجار الخضر؛ اثنتان منها من البلوط واحدة منها حوالي 700 سنة، والثانية حوالي 500 سنة، وهناك شجرة هي الأصغر حجما وهي من السنديان.
مقام الخضر عبارة عن غرفة بلا نوافذ، لها باب يتجه نحو الشمال، وتعلوه صبة اسمنتية قبابية، يخرج من وسطها عمود مربع بطول 75سم، وبارتفاع نصف متر، وفي داخل البناء الذي مساحته 4*4م، يوجد قبر عليه بعض الخلع الخضراء، وكان مفتوحا للناس لأنه يهابونه، ويتبركون به، هو عند المسلمين يعرف بالخضر، ولدى النصارى هو القديس مارجرجيس الفلسطيني، المتوفى في القرن الثالث بعد الميلاد، ويعظمه الدروز ويسمونه "أبو إبراهيم".
ويعود البناء القائم إلى سنة 1840م، بناه الخوري ميخائيل صويص كاهن طائفة الروم الأرثوذكس، والبَنّاء مسعاف السالم، حيث يقال أنه في شهر آذار ذهب الأب ميخائيل صويص إلى بلدة ماحص لشراء حاجاته من بدو كانوا مخيمين في السهل الذي يقع في الجنوب الشرقي من موقع مقام الخضر، فاستضافوه تلك الليلة على أن يجهزوا له طلبه، ففرشوا له تحت الشجرة الموجودة في المقام، وأثناء نومه ظهر له القديس جورجيوس، وقال له: "يا خادم كنيسة الرب، أطلب لك أن تقيم لي مزارا في هذا الموقع الذي أقف فيه، وأن تقيم فيه كل عام قداسا إلاهيا". فهب الأب ميخائيل من نومه مذعورا وجعل يصلي وقفل عائدا إلى الفحيص، وفي صباح اليوم التالي اصطحب معه مسعاف السالم ، وكلفه ببناء المقام.
وقد تم بناء سور حول المقام حيث دفعت بلدية ماحص نصف تكلفة السور نيابة عن المسلمين، ودفعت بلدية الفحيص النصف الثاني نيابة عن المسيحيين، وتم فرز أرض الخضر على هذا النحو عام 1942م.
ويشار أيضا، في سياق القداسة إلى مقام الخضر في ماحص، في حوض البلد رقم 8 وتبلغ مساحته 2.002 من الدنم، وهو مقام مشترك يزوره سكان ماحص والفحيص من المسلمين والمسيحيين، وقد بني بالتعاون ما بين أهالي ماحص والفحيص، وأشرف على بنائه الخوري ميخائيل صويص كاهن طائفة الروم الأرثوذكس.
علاقات منسجمة مع السياق العام
كانت البيئة أمينة لعلاقات حسنة بين المسلمين والمسيحيين، في شرق الأردن، وفي الكفرين، كجزء من هذا الحيز، وهذا ما أكده الرحالة الذين زاروا المنطقة خلال القرنين الماضيين، إذ أنه في عام 1868م يؤكد القس كلاين أن العلاقات بين الطرفين علاقات جيدة وليست تشاحنية. ويقول الرحالة أوليفانت (كتاب أرض جلعاد) أنه "لا يمكن التمييز بين أصحاب الديانتين لأن مظهرهم وملبسهم نفس الشيء ولا يوجد تعصب ديني بين الطرفين، بل إن عاداتهم متشابهة". ويكتب خليل رفعت الحوراني في جريدة المقتبس، في 7/11/1910م بأنه "لا فرق بين المسلمين وبين المسيحيين في عاداتهم وأخلاقهم ولباسهم ومسكنهم وغذائهم ولسانهم، وأن الأهالي يحترمونهم، ويحافظون على حقوقهم، وينظرون إليهم بعين الصدق والمحبة".
وفق هذه البيئة بين المسلمين والمسيحيين، نجد أنه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1850-1900م) أنه في غور الكفرين كان هناك 6 خانات (عائلات) من المسيحيين، بين أربعين من خانات (عائلات) المسلمين (13% من مجموع السكان)، وكذلك يوجد في غور نمرين 5 خانات من المسيحيين، بين 40 من خانات المسلمين (11% من مجموع السكان).
* قاص وروائي وكاتب مسرح وسيناريو وصحفي وباحث.
 
 
 
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون