*اهم التحديات التي تواجه صناعة السينما الإفريقية.
2022 ,23 تشرين الثاني
الناقدة السينمائية"ناهد صلاح" - مصر.
ناهد صلاح: صوت العرب – الرباط.
على الرغم من التطور الملحوظ سواء على المستوى التقني أو الفني إجمالا في السينما الإفريقية على مختلف بلدانها ومدارسها، هذا التطور المرتبط بدوره بالتطور التكنولوجي والإبداعي العالمي، وعلى الرغم من وجود صناعة قوية في بلاد أفريقية مثل مصر والمغرب وتونس في شمال افريقيا ، وحضور افلام هذه البلاد في مهرجانات عالمية كبرى، بل وحضور نيجيريا على سبيل المثال كثالث بلد على مستوى العالم في الانتاج السينمائي، يعني نوليوود بجوار بوليوود وهوليوود ، إلا أن صناعة السينما في افريقيا تواجه تحديات كبيرة ومنها: 
(١ ) الأزمات الاقتصادية التي تعرقل الإنتاج
(٢) ضعف التوزيع أو بالأحرى غيابه، فكثير من البلدان الإفريقية تنتج أفلاما ولا سبيل لعرضها إلا في المهرجانات. لا يوجد دعم عالمي لعروض تجارية ولا حتى عروض محلية .
(٣) عائق اللغة واللهجة ( افريقيا زاخرة باللغات واللهجات) 
(٤) الصراعات السياسية والحروب
(٥) السينما المصرية مصر وعلاقتها بافريقيا.. نقطة أود التركيز عليها لتوضيح الصورة والتأكيد على غياب التواصل ، بالرغم من الجغرافيا الواحدة والمصير المشترك.
  من البديهي أن تخطر ببالنا صورا تستدعي الماضي والحاضر والمستقبل، خصوصا إذا كان عنوان الندوة يشير إلى السينما كطريق للخلق والإبداع وأفق أوسع للإنسانية، من هنا يبدو ضروريا تحديد صورتنا الإفريقية غير واضحة المعالم في السينما.
  ومن هنا أيضا تأت أهمية الأسئلة: ذا كانت مصر هي العبقرية في المكان، كما يحللها الدكتور جمال حمدان في موسوعته الشهيرة "شخصية مصر"، فلماذا لم تستغل السينما المصرية هذه العبقرية في المكان أفلامها، لماذا لم تكترث مثلًا بجغرافيا بلدها وموقعها في الركن الشمال الشرقي من قارة أفريقيا، فتتواصل مع قضايا قارتها الأم، وتتناول التاريخ والمصير المشترك؟!
 هل انكفأت السينما المصرية على هموم خاصة؟ هل طوّقها تعب وشقاء ذاتي لا يغادر الحدود؟ لو كان الأمر كذلك، فلماذا كانت طرفًا في الصراع العربي الصهيوني، لماذا إنغمست في حروب التحرير من الاستعمار وانخرطت في الثورة الجزائرية وقدمت فيلم مثل "جميلة"، وكذلك في حرب اليمن؟ لماذا إنفعلت بالوحدة المصرية السورية؟ هل الهم السينمائي المصري مشرقي أو عربي فقط، أم أنه يبالي أكثر بامتداد مصر الأسيوي، أي ينجذب إلى جغرافيا أخرى بما تحمله من أفراح وأتراح؟!
 قبل أن نجيب على هذه الأسئلة وحتى لا نظلم السينما المصرية، أو نتعامل معها بتعسف يُقلل من عمق تجربتها، أو يحملها وحدها العزلة السينمائية لأفريقيا، يجب علينا أن نضع في الاعتبار أولًا الحضور السينمائي لمصر في القارة الإفريقية وفي العالم، كواحدة من أقدم السينمات عالميًا وأيضًا كجزء من السينما الافريقية، باعتبارها بلد افريقي، وذلك من أجل إدراك ملامحها وسماتها الخاصة والظرف الإنساني الذي تنتمي إليه، كذلك يجب استيعاب الفرق بين السينما في شمال إفريقيا ونظيرتها في جنوب الصحراء، فكلاهما يمتثل لحالته الخاصة وتكون في الأغلب مختلفة شكلًا ومضمونًا، وإن تشاركت أحيانًا في سمات تجمعها، كتجارب الهجرة أو مواجهة عنف أو قهر سياسي ما أو حتى مقاومة الانقياد وراء الخرافات السائدة شعبيًا.
   
(2)
  إذن، أين وضع إفريقيا في السينما المصرية؟ هل هذا يعني أنه ليس هناك تفاعلًا مصريًا إفريقيًا في الواقع، يستدعي حضوره على الشاشة؟.. لا أحبذ الحديث عن صورة إفريقيا وقضاياها في الفيلم المصري، من زاوية الظلم والإجحاف الذي طالها، حتى أنها تكاد تكون غير موجودة، إنما بطريقة عملية يمكننا أن نرصد هذا الغياب ونناقشه في إطار واقعه، بمعنى البحث وراء الظاهرة بغرض إدراكها على الأقل، كأن نفهم المغزى وراء فيلم "إسماعيل ياسين طرزان" الذي أخرجه نيازي مصطفى عام 1958، محققًا خطوة جديدة في التعاون بين بطله إسماعيل ياسين ومؤلفه أبو السعود الإبياري، وربما نندهش أنه ظهر في خضم دور مصر الفاعل فى حركات التحرير والنهضة الافريقية شمالًا وجنوبًا. 
 مصدر الدهشة يأت من أنه فيلم كوميدي لا يحمل قضية عميقة، إنما يحكي عن موت شخص ثري، تاركًا ثروة ضخمة، لن يستطيع أحد من أقاربه أن يرثها إلا بعد أن يعثروا على ابنه المفقود بأحد الغابات الأفريقية والذى تحول إلى شخصية طرزان، هذا بالطبع ليس إدانة للفيلم أو تقليلًا من شأنه بوصفه كوميدي خفيف، لكن الأمر يتخظى ذلك إلى فكرة أنه فيلم يتماثل إلى حد ما مع السينما الأمريكية في تعاملها مع الغابات الافريقية، وطرح شخصية خيالية لا تشبه أهل الغابة، ولا تشبه الأفارقة الذين لا يظهرون ولا يقترب منهم الفيلم أساسًا.
 بنفس الطريقة تقريبًا وبعد نحو 43 عامًا يتعامل فيلم "أفريكانو" (2001) إخراج عمرو عرفة، يقدم قصة بسيطة مدعومة بصورة سياحية لجنوب إفريقيا، ومزيج من الأكشن والكوميديا، لنرى شابًا مصريًا آخر في الغابات، لكن الغابات هذه المرة هي محمية طبيعية مفتوحة، والشاب هو طبيب بيطري يشترك مع ابنة عمه في ميراث المحمية.
 بينما يطالعنا فيلم "مراتي وزوجتي" (2014) إخراج معتز التوني، بقدر كبير من الكوميديا الغليظة والعنصرية، إذ لديه ذلك الأسلوب المزعج في تناول موضوعه، والتعرض للشخصية الإفريقية باستهانة وتقديمها كشخصية بدائية لا كرامة لها، خاصة زوجة البطل الإفريقية التي صورها كخادمة أو أداة للمتعة الشخصية، تنام تحت قدميه وتعد له "الشيشة"، هذا غير ملابسها وإكسسوارتها الغريبة، صورة مهينة تحتوي على قدر كبير من الاحتقار والاستصغار.
 في حين كان "عماشة في الأدغال" (1972) إخراج محمد سالم، واحد من أفلام المغامرات الكوميدية، بطلها عماشة الرابع عشر الذي يسافر بصحبة صبيانه وعالم الآثار محروس إلى أدغال أفريقيا، بحثًا عن كنز تركه عماشة الأول، ويقال أن الغرض من الفيلم كان تمويهًا من المخابرات المصرية، للتغطية على عملية تفجير الحفار الاسرائيلي " كينتنج" عند سواحل أبيدجان في ساحل العاج  "كوت دي إيفوار" حاليًا، نجحت عملية الحفار، فيما لم يعرض الفيلم إلا بعد أربع سنوات.
فيلم ثان شارك في عملية التمويه هذه وهو "ابن افريقيا" (1970) إخراج حلمي رفلة، الإنتاج مصري نيجيري، يحكي عن رجل شرطة من أفريقيا، يتولى مهمة القبض على عصابة نساء تخصصن في تهريب المخدرات.. فيلم يفتقر للعمق والشخصيات المرسومة بدقة، أهميته فقط في مساهمته ضمن عملية التمويه المخابراتية التي ذكرناها.
 عمومًا فإن الأفلام المذكورة هي نماذج لأفلام تم تصويرها في أفريقيا، لكنها لم تتماس بأي حال من الأحوال مع العمق الإفريقي، ولم تكن طموحة في تقديم عمل فني كبير سواء كان موضوعه إفريقيًا أو كانت القارة الأم فيه مجرد موقع تصوير.
 إذا فعلها  الأوروبيون واستخدموا الأرض الافريقية شمالًا وجنوبًا كموقع لتصوير أفلامهم، فإن السينما المصرية  أيضا اتخذت من شمال إفريقيا موقعًا للتصوير، من خلال تقديمها لقصص عاطفية واجتماعية تتداخل فيها هذه الأماكن، بأسلوب أقرب إلى الـ"كارت بوستال" والصورة السياحية لها .
 
(3)
  السودان هو الأقرب جغرافيًا لمصر، بل إنهما كانا بلدًا وشعبًا واحدًا قبل الانفصال في العام 1953، لذا تزداد المشتركات بينهما: تاريخية واجتماعية وإنسانية، كان حضور السودان في الأفلام المصرية كمكان أو شخصيات بديهيًا، فنجد البطل مثلًا يذهب بالقطار للعمل في السودان، أو المهندس صلاح في فيلم "صورة الزفاف" (1952) إخراج حسن عامر، يترك زوجته في القاهرة ويذهب ليلتحق بوظيفة في السودان، أو حوار الفيلم السياسي "مصطفى كامل" (1952) الذي يتردد فيه أكثر من مرة أن السودان جزء من مصر والعكس. 
 في فيلم"بشرة خير" إخراج حسن رمزي، عُرض في إبريل 1952 أي قبل قيام ثورة يوليو بثلاثة أشهر تقريبًا، كما لو كانت نبوءة الثورة يبشر بها فيلم رومانسي بسيط، غنت فيه شادية أغنية " النيل" من تأليف جليل البنداري وألحان حسن أبوزيد: " يا جاي من السودان لحد عندنا/ بالتمر من أسوان والقلة من قنا/ يا نعمة من السودان بعتها ربنا/ ومن عمر الزمان وأنت بقلبنا'، وفي نفس الفيلم شاركت مع ثريا حلمي  في أوبريت "مصر والسودان"، تأليف السيد زيادة وألحان حسن أبوزيد، حيث مثلت الحضور المصري، بينما مثلت ثريا حلمي الحضور السوداني، وهو أوبريت يستنهض الهمة ويسعى لتأكيد الأخوّة بين الشعبين المصرى والسودانى، وضرورة كسر الحواجز بينهما في مواجهة العدو، تغني شادية: هيا سودان يا أخت الحمى / فلنعش حرين أو نرضي الفناء.. وترد ثريا حلمي: أيها التاريخ سجل أننا/ قد سئمنا أن نري ما بيننا/ شبحًا يفرقنا عن بعضنا.
  أما المشهد الذي ينتمي إلى الجمال والأمل والتجلي الحر، نراه في فيلم "تمر حنة" (1957) إخراج حسين فوزي، حيث المطرب السوداني سيد خليفة، يرتدي بذلة عصرية مع فرقة موسيقية عصرية، تنوعت آلاتها ما بين الغربي والشرقي والإفريقي، خفيف الظل والروح يغني فرحًا المامبو السوداني، كمقطوعة سكنت تمامًا في وجدان المصريين، لحنًا وطابعًا صوتيًا في فيلم ينبض فيه المجتمع بالتنوع، ديموغرافيا واسعة تحتضن بشر مختلفين: أغنياء وفقراء، بكوات وفلاحون، أصحاب أرض وغجر، دراما وموسيقى، كلمة وصورة، نعيمة عاكف وفايزة أحمد، رشدي أباظة وأحمد رمزي، فسيفساء واسعة وكبيرة يتحملها المجتمع ويفسح مجالًا لمطرب سوداني موهوب، متجدد، قريب إلى القلب، نجح لاحقًا أن يصنع بصمته الإنسانية والإبداعية التي أسست مسارًا إبداعيًا ليس على مستوى الغناء السوداني فحسب، بل اتسع لكامل الخريطة الفنية العربية والإفريقية.
 ربما يتمثل التواصل المصري السوداني في السينما، من خلال مشاركة فنانين مصريين في أفلام سودانية، مثل محمود المليجي وسمية الألفي في "رحلة عيون" (1983) إخراج أنور هاشم، أو تمكن الفنان السوداني إبراهيم خان من الصمود كممثل كبير على الشاشة المصرية، أو تجدد التعاون في فيلم "ستموت في العشرين" إخراج أمجد أبوالعلاء، بمشاركة المنتجين حسام علوان ومحمد حفظي في إنتاج الفيلم، لكن تظل هناك ندرة في التعاون.
على هذه الخلفية التراكمية من الإهمال لافريقيا في السينما المصرية، تأت أهمية مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية ودوره الفاعل في التواصل مع افريقيا ، أفلاما وصناعا.
فرنسا هي الدولة الأكثر سيطرة على السينما الأفريقية، لأنها تملك الإمكانيات المادية إضافة إلى هيمنة اللغة الفرنسية التي فرضت نفسها على ثقافة عدد من الشعوب الأفريقية.
 لابد من مبادرة ادعو إليها من هنا وفي إطار الشراكة بين مهرجان الأقصر ومهرجان الرباط لسينما المؤلف من أجل بناء سينما لصالح الشعوب الأفريقية.
انشاء المنصات وتعددها بالتأكيد سوف يساعد على الترويج وانتشار الافلام الأفريقية وكذلك طرح رؤى جديدة بعيدة عن سيطرة الأوروبي وتدخلاته.
* أهم محاور الورقة الخاصة بالناقدة "ناهد صلاح" – مصر، في ندوة "تطور السينما الافريقية خلال السنوات العشرين الاخير"- مهرجان سينما المؤلف – الرباط- المغرب.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون