صوت العرب: الاردن.
أقامت جمعية النقّاد الأردنيين ندوة نقدية بعنوان: (قراءات نقدية في تجربة نضال القاسم الشعرية)، مساء يوم السبت الموافق: 5/11/2022، الساعة الرابعة مساءً في مكتبة الأرشيف- الكائنة في شارع زهران- الدوار الرابع- بناية رقم 123.
حيث تحدث فيها كل من: الدكتور حسام عزمي العفوري، والأستاذ عبدالرحيم جداية، الدكتور أنور الشعر، وتقديم: الدكتورة هدى جمال.
حيث قالت الدكتورة هدى جمال: سنستعرض في هذه الأمسية الجميلة أوراقًا نقاشية تطرح آراء نقدية في تجربة شعرية خِصْبة ومتعرّجة لشاعر مُجيدٍ، فذٍّ، ترك بصمة بارزة في ديوان شعراء العصر الحديث، وألهم الكثير من النقاد والباحثين جرْحًا وتعديلا في دراسات نقدية شيّقة ملهمة، وجدت مادّتَها الدَّسِمة في دواواين هذا الشاعر؛ نظرًا لثراء مادته الشعرية، وغزارة نتاجها، وعُمْقِ أفكارها، إنه شاعر ذو مسيرة حافلةٍ تنقّلت بين محطات الشعر والنقد، كان الشعر فيها مادّةً أصيلةً شكّلت هُوِيّةَ هذا الإنسان الذي جسّد عذابات واقع الإنسان المريرة، وتبنّى قضاياه القومية والوطنية، حاملا هموم الفكر والأدب.
إنه الشاعر نضال القاسم، الذي استطاع بشعره أن يتسلّل إلى قلوبنا وعقولنا، ويؤثّر فيها، وكانت إيحاءات قصائده تندّسُ إلى عقولنا من حيث ندري ولا ندري، تحمل رسائل مضمونها أن حرية العقل وحرية العقيدة وحرية الضمير، هي أثمن ما يملكه البشر، وكل من ينتهك هذه الحريات فقد ارتكب جُرْمًا بحق الروح البشرية، لقد كان إحساسه بضرورة احترام الكرامة البشرية عميقًا.
إنّ من يقرأ لشاعرنا سيلمس تطبيقًا حيًّا لمقولة( بول فاليرى): إنّ الشعر لغةٌ خلال لغةٍ، فقد كانت لغةً نابضةً حيّةً، وحقلا من الألفاظ المتخيّرة التي تعتمد الأسلوب الجمالي، وترسمُ صورًا متحرّكةً نقلت مشاهد حيّةً، ولخّصت خبرةً وتجربة إنسانية اعتركت مع أشياء تعيش في واقع الشاعر النفسي، تجمّعت فألّف بينها ذلك الخَلْقُ الفني، ونستطيعُ تأويلَ لغته المباشرةِ وغير المباشرة من عناوين دواوينه، فأرضه مشاكسة، ومدينته رماد، وتماثيله عرجاء، وفصوله الأربعة حزينة، لكنه مازال يكتبُ على الماء والطين كلام الليل والنهار.
ومن ثم تحدث الدكتور حسام عزمي العفوري، عن التصورات الذهنية وإنتاج الكلام في تجربة نضال القاسم الشعرية، حيث قال: فإذا نظرنا إلى المفردات عند (القاسم)، سنجدها تنكمش وتتقلص على خصائصها في شكلٍ، يحمل اللغة إلى أقصى حدود دلالاتها إلى نقطة القطيعة، أو إلى نقطة الاحتمالات المتوالدة، تلك النقطة التي صيغت من لغةٍ متماسكة، ومشيدة بدقةٍ وإحكام، وبأشكال متنوعة، على مساحات نصية مختلفة الأطوار والأحجام، تتحرك هذه العوالم بفاعلية ذات أسطورية، تحمل الماضي بكل آلامه وخروقاته وحواجزه، وتحمل الآني الراهن بكل فتوحاته وانهياراته وتداخلاته وإشكالياته الفكرية والفسلفية، فيما تحمل مجموعة النصوص المتقاطعة تناصات؛ تجسد المشروع الشعري لقصيدة نضال القاسم. لذلك فإنّ أقصر الطرق للولوج في هذه العوالم الشعرية، هي القراءة البصرية، المدعومة بقراءة سيميائية تأويلية مغايرة.
وقدم الشاعر والناقد عبدالرحيم جداية ورقة بعنوان: (الشطحات في تجربة نضال القاسم الشعرية)، قال فيها: أما نضال القاسم فله شطحاته بالخروج عن المألوف، مثال ذلك قصيدة الشهيد في ديوان "أحزان الفصول الأربعة" ص (15) أذ افتتح قصيدته بقوله عندما أهدى قصيدته لعمر القاسم مانديلا فلسطين قائلا:
"سأسميك فتى الشمس والريح والحلم
فتى الشمال
فتى الجنوب
أسميك العواصف والخطوب"
هنا اشتغلت فاعلية الوصف بالأسماء عندما اطلق هذه الأسماء على عمر القاسم، وهذه الفاعلية بالوصف انفعالية عالية، وانفعالية حرة، اطلق عليه هذه الأسماء نوعا من الثورة النفسية كردة فعل لاستشهاده، لكن النفس المتألمة عند نضال القاسم ارتفع نسقها حتى الجذب فدخل في شطحة شعرية بقوله:
"أسميك رفيقي
وأسمي النهر بحرا
والبحر نهرا
وأسمي الريح شمسا
وأسمي الشمس ريحا"
فحين أخذه الجذب قالبا الأسماء والمسميات، في فاعلية مطلقة لم يمسك زمام أموره مفعلا التبادلية الضدية بين الأسماء، حتى كأنه غاب عن الوجود كما يغيب المتصوفة، والغياب عند المتصوفة أن تغيب عن كل شيء إلا وجه من تحب، ولحظة الغياب في قصيدة الشهيد أنتجت هذا النص بشطحة عالية، لكنه عاد لواقعه ليقول للشهيد عمر القاسم: "وأسميك فدائيا رقيقا".
وقال الدكتور أنور الشعر: كشفت الدراسة عن أن الشاعر نضال القاسم مواكب لأحدث النظريات النقدية، فهو شاعر حداثي، وتتمثل الحداثة في ملامح ظهرت في قصائده من مثل:
أ- الخروج عن النمط الشعري المألوف، فقد نأى عن عمود الشعر العربي وعمد لكتابة قصائده على شكل القصيدة المعاصرة (قصيدة التفعيلة) مع أنها قصيدة تلتزم الوزن والبحر العروضي.
ب- استعمال لغة الكلام اليومي، فقد استخدم الشاعر ألفاظًا عامية وألفاظًا أجنبية في أشعاره
مثل: آ.. وي..ها، هيلا هيلا، بي تشانغ، بي خو يوان، التكتيك، الكافيار، التانغو، حي شيبويا، حي كاريوكي، الفالس، السامبا، المواويل، العتابا، بنتُ كلب، شاي الليبتون، عكوب، بونجور، البرندة.
ت- استخدام الأسطورة، والرمز، والقناع، وعناصر التراث العربي والعالمي.
ث- وضوح الفكرة في القصيدة، إذ تتكرر الفكرة بشكل متواتر لتقديم صورة متكاملة، وهذا واضح في كثير من قصائده.
ج- اتسم الشاعر بالنظرة "الطليعية للفن" وهذه النظرة يعدها "مالكوم برادبري" من أسس الحداثة، فسعى الشاعر إلى التغيير في مجالات الحياة المختلفة. وأهم نشاط سعى للتغيير فيه هو محاولته الدائبة لمواجهة العدوان الصهيوني والعمل على تحرير أرضه من ربق الاحتلال، وبذلك يتحول شعره إلى شعر ريادي ثوري.
وختم الشاعر نضال القاسم بقصيدتين من شعره، الأولى (الخيل والليل) من ديوان (أحزان الفصول الأربعة)، وقصيدة (كائنات الصباح الجديد) من ديوان (الكتابة على الماء والطين).