تعقيب على المسرحية الليبية" الجندي الأخير" المشاركة في مهرجان صيف الزرقاء المسرحي.
2023 ,16 أيلول
رائد العزام:صوت العرب – الاردن.
مسرحية الجندي الأخير مسرحية مقتبسة عن نص (بعد قليل) للكاتب العراقي مسلم بدير، وهي من إخراج الفنان ربيع العبيدي ومن بطولته أيضًا، بالتشارك مع الفنان محمد الأميل، والمسرحية من أعمال فرقة المسرح الوطني مصراته. 
إضاءة عبادة الأحنف، وصوت أحمد الربيعي والمكياج لعبد الله الوش والملابس لعبد أبو شنين. 
عُرضت المسرحية م ضمن فعاليات مهرجان صيف الزرقاء المسرحي في دورته الحادية والعشرين. 
المسرحية في أربعة عناوين وخاتمة
العنوان الأول: نوع وجنس المسرحي
عمل مسرحي تراجيدي، والمسرح التراجيدي هو الذي يتناول المأساة الإنسانية ضمن أطر نفسية ومجتمعية. وبالتالي يجمع هذا النوع من الأعمال الأحداث محاولا مشابهتها مع الحقيقة، أو ما هو متوقّع أن يكون. ما يعيدنا لفكرة أرسطو حول مفهوم مشابهة الحقيقة على مقتضى الاحتمال والضرورة، ومسرحية الجندي الأخير وافقت وشابهت الحقيقة الحالية كما وافقت الضرورة ومؤشراتها في (ما يمكن أن يقع أو يحدث).
النص لمؤلف عراقي، وطاقم العمل المسرحي ليبي، والنص تراجيدي (الجندي الأخير، مقتبس عن بعد قليل) وربما ما بين العراق وليبيا من تشابه في الحالة (حالة النص وحالة الصراع). 
العنوان الثاني: رموز ودلالات
ولأن المتلقي مشاركا في توليد الدلالات والرموز فإنني أقف عند عدد منها. 
1- اليد الخضراء، دلالة على وطن وأرض وخيرات يتقاسم جزء كبير منها أمراء الحرب والصراعات الداخلية بالوكالة. جسد ذلك إصرار (الدفان) الفنان والمخرج ربيع العبيدي على الحصول على اليد للفائدة الذاتية وبدور اللامبالي بالنتيجة الذي ظهر من خلال حركته ونبرة صوته، وكذلك إصرار (الجندي) الفنان محمد الأميل على الحفاظ عليها من خلال الحركة أيضا ونبرة الصوت الحزين الأجش.
2- أغنية فيروز؛ من خلال هذا الاختيار رأينا على المسرح لبنان والصومال والعراق وسورية وليبيا و و و ، ما أعطى تشابها في الحالة العربية. ومحاولة الهروب من هذا الواقع نحو الحياة والأمل والحب، من خلال أداء وإحساس الفنانين العبيدي والأميل. 
3- المسجد ، الحانة؛ ورمزية  نهج الاصطفافات بأنواعها (الدينية، السياسية؛ العرقية، الإثنية، المناطقية) وفرضها على الشعوب ، (وأحيانا تفرضها الشعوب ذاتها على نفسها) كنوع من الثقافة التي نتميّز بها مع شديد الحزن والأسف.
4- لا ناقة لنا فيها ولا جمل؛ ودلالتها على حيثية الصراعات والحروب بالوكالة، وهذا ما ميّز كثيرا من تاريخنَا وتحديدا القريب منه. فكانت المسرحية صوتا مندّدا بعشوائية الحرب ومرجعياتها.
جسد ذلك تكرار السؤال والجواب وما رافقهما من انفعالات عند الفنانين.
5- هذا الجندي ليس الأخير، دلالة على استمرارية الصراعات الداخلية وربما تجذرها في تاريخنا العربي ( ربما بدءا من داحس والغبراء، البسوس، أو قبلهم بكثير (هابيل وقابيل) مرورا بكل محطات التاريخ التي أفرزت اصطفافات ومذاهب وفرقا وجماعات تناحرت وما زالت).
6- انتظار إعلان النصر، وهنا دلالة أو إشارة إلى فلسفة: أنّ لا منتصر في الحرب، وتحديدا الحروب بالوكالة كما الحروب والصراعات الداخلية، فالثمن لا يوازي الموت حين يكون الاقتتال بين الأشقاء. فقط في المقاومة والدفاع عن الأرض من الغزاة تكون الحرب واجبةً والموتُ ذا ثمن أو قيمة، (بناقة وجمل وفيل حتى). 
العنوان الثالث: الرسائل الفلسفية:
1- فكرة الهروب من الحياة نحو الموت وكيف تكون إنسانية من أجل المحافظة على إنسانية الإنسان، وأظن ذلك يكون عندما يمارس عليه الجبر كي يقاتل فيَقتل أو يُقتل دون ناقة أو جمل (بمعناها المعنوي). 
2- موت الجندي مرات عديدة، كما قال وكرر الجندي. ولكن هذه المرة هي الأعمق أو (الأموت) بعد الإذن من اللغوين بعدم جواز اشتقاق المفاضلة من مفردة الموت. وأقول: إنها الأموت لأنها جاءت بعد اكتشاف الحقيقة من خلال المواجهة مع الذات والواقع، حقيقة ثمن الحرب وثمن الموت وحاصدي النتائج. 
3- خوف الجندي على يده، رغم أنه يريد الموت. معلنا فلسفة الخوف من معاناة وآلام الموت المجزّأ أو المقسّط، وربما بجانب آخر الرغبة بالهروب بالوطن وبليبيا تحديدا من هذا الواقع، وعدم تركها ضحية للصراعات بالوكالة. 
العنوان الرابع والأخير: الخاتمة؛ وفيها رأي ودعوة وسؤال
ساعد إحساس المشاركين في العمل على إبراز الجانب الإنساني فيه، إخراجا وتمثيلا. ونجحت الإضاءة حيث كانت تقودنا إلى حيث ينبغي أن نك.ن، وصوتا واضحا ومعبرا، لكن خطر لي؛ ماذا لو كان الصوت في بعض المشاهد والحوارات أبطأ قليلا، ليحملنا أكثر أو يتيح العيش مع الانفعال العاطفي أو التصور والإبحار الذهني للموقف أكثر.
وإذا كان دور الفنون والمسرح التطهير وإعادة صقل النفس الإنسانية وتعليمها مراجعة مواقفها وتصويبها، والتنبيه وزرع القيم والمبادئ والأخلاق و و و 
فهل أو لماذا ما زال المسرح والفن عموما قاصرا (نسبيا) عن تحقيق ذلك؟ 
لقدوصف الناقد جوليان هلتون في نظرية التلقي أن التواصل بين القارئ والنص لا يتحقق إلا حين تلتقي أفاق التوقعات عند كل منهما ( وطبعا قصد هنا آفاق اللغة والعقائد والقيم وغيرها)، 
فإذا كنتُ قد قاربتُ كمتلقٍ أفاقَ توقعاتي مع العمل وتحديدا توقعاتي بأنساق القيم، 
ولأننا جميعا مع القيم الإنسانية وقيم الحياة، وإذا صحّت توقعاتي أنّ العمل قيميٌّ إنسانيٌّ وغيرُ مصطفٍ، فإنني أدعو فناني العمل؛ المخرج والممثلين والجميع ليطوفوا فيه في المدن الليبية والعربية علّها تُطهر النفوس وتساهم في وقف الموت المجاني. 
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون