2023 ,12 أيار
د. فوزية ضيف الله:صوت العرب – تونس.
تفاعل جمهور المهرجان الوطني لمسرح التجريب بمدنين مساء يوم 9 ماي 2023، مع عرض عميق ورائع لمسرحية ثقوب سوداء،
انها مسرحية بنفس اخراجي طويل ومختلف، تفضح في لغة مراوحة بين الشعر والتشكيل، وجعا دفينا مدفونا...تحول إلى ألغام مغروسة..داخل الارض التي كانت منبع الحب ،والفرح والرقص. تساقطت القنطرة التي تعبر بنا إلى العشق والحب ، فخلا الجو لاعداء النور، وانتشرت الألغام تهدد حياة الجندي والفنان، وتأتي المرأة، الدنيا الحياة، بالاعيبها، فمن يصدق الدنيا اذا وعدت، ومن يثق في الدنيا إذا كشرت عن انيابها.
جميلة هي الدنيا حتى في خرابها الأخير، يمكنها ان تنقذنا إذا أرادت ويمكنها ان ترقص على وجعنا...كلنا نحب الدنيا...لكن الفنان يتقن مواراتها، بعد أن صار بلا شيء، عليه ان يتقن الدور جيدا، سيعدها بما لا يقدر، سيصلح القنطرة، كما قال..سوف تصدقه ، وتنقذه قبل انتهاء الوقت...يتقن الفنان الحديث مع النسر يفهمه، كلاهما يعشقان الطيران والتحليق. لكن النسر هذه المرة لم يكن ينتظر رغيفا مسروقا من سترة جندي ميت، كان ينتظر جثثا حية، ينتظر انفجار الألغام لياكل.
أما الجندي فاستوت لديه الاضداد، تهيمن على ذاكرته صور جميلة و اخرى مربكة لا يزال يحن للرغيف للزيت للجبل للزعتر والشيح. ويرقصان برجل ثابتة فوق اللغم والاخرى تتحرك...تتراقص الأجساد، يتغير مفهوم الزمان، تتمطط الدقيقة...في انتظار رحمة من روحية ، هي روح الدنيا المتقلبة. يوزع الفنان الحب، والورد، ليعود العشق، ويفرح الآخرين وهو معدم، يسقي عرقه أرضا ملغمة، خلفه الجسر مازال شاهدا على كل شيء، يحن بلقاسم بوبياسة لروحية، للحياة بعد ان مات فيه كل شيء، في صادية شنيعة يتلذذ حال الوحشية فوق اللغم...يحتاج للماء ليبتل ريقه قبل الموت..هاهو يطلب الماء مناديل روحية...اريد ماء..
تقفز روحية مرحا، لقد ناداها باسمها، وترقص وترقص...تترك الفأس..تتوقف عن الحفر تحت اللغم، وعندما تنخرط في الرقص...يدق ناقوس الخطر...هي الأخرى تقف هذه المرة فوق لغم..
ما اكثر الألغام، فقر، جوع، رشوة، فساد، ضياع، تخلف، ...فكيف ننجو من هذه الألغام؟؟؟؟
مسرحية"ثقوب سوداء"، دراماتورج سينغرافيا وإخراج عماد المي عن نص تراجيديا الديوك لنور الدين الورغي،
اعداد السينغراف ايمان جبري
ألحان وغناء هيثم الحذيري
تمثيل طلال أيوب غسان الغضاب، اسماء مروشي.
*أكاديمية وناقدة من تونس
