لقاء مع المخرج المسرحي" حافظ خليفة" مدير المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء في دورته الثالثة.
2023 ,22 نيسان
المخرج المسرحي" حافظ خليفة"
وُلد المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء  بعد أحداث "العين السخونة " 
 هذه الدورة مهداة للمرأة المبدعة في قلب الصحراء "
*د. فوزية ضيف الله:صوت العرب – تونس.
 
-كيف نشأت فكرة المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء، ماهي مستجدات هذه الدورة الثالثة مقارنة بالدورتين السابقتين؟
لقد انطلقت الفكرة منذ سنوات، منذ أن بدأت في عملية إخراج الملاحم الفرجوية. فقد قدمت ثماني ملاحم بالجنوب التونسي: "ملحمة "خضراء"، "الأولاف"، "باب الوطن"، حرية وطن"، "ثورة الصحراء". فاكتشفت أنّه من الممكن أن نقوم  بالمسرح في مناطق غير مهيأة مسرحيا، خاصة في عروض مفتوحة. نعلم أننا في الجنوب التونسي وفي الريف عموما، نفتقر الى البنية التحتية لبناء المسارح، سواء مسارح  الهواء الطلق أو المسارح المغلقة. وجدت أنه هناك مركزية، حتى في الجهات، إذ نجد في مركز الولاية كل المرافق المسرحية والفرجوية، مثل مركز الفنون الدرامية ،دار الثقافة أو مركب ثقافي، دار شباب. ولكن لمّا نبتعد عن مركز الولاية بعشر كيلمترات، في مدنين ، تطاوين، وقفصة، توزر، وقبلي وقابس، لا نجد شيئا. وبالتالي، كان هذا المهرجان كفكرة، فلا يعتمد على هذه المرافق أو على هذه البنى التحتية، ويعتمد أساسا على كثبان الرمال كمدارج طبيعية، ويعتمد كذلك على الفضاء، على تضاريس الصحراء ويُوظّفها. نحن لا نقوم بمسرح الشارع ولنا موقف منه، لأنّه ليس هناك شارع بالصحراء، وليس لدينا في تقاليدنا العربية ما يُسمّى "الشارع". نحن نُوظّف الفضاءات المفتوحة، وأنا قد عملت بمسرح الشارع في ايطاليا وأفهم وأعي ما أقول بالنسبة لمفهوم الشارع، لأن مفهوم الشارع متطور جدا في أوروبا. نحن وظّفنا الوظيفة الفرجوية مع معالم الصحراء كواحة، لعروض الأطفال، التي تتحدّث عادة عن الطبيعة، عن الحيوانات، وتتلاءم مع موضوع العرض
 
-لماذا المسرح في الصحراء وليس المسرح الصحراوي؟
في الحقيقة الاختلاف جذري، لأننا اخترنا  أن نفتح كلّ التعبيرات  والأنماط المسرحية بشتى أنواعها في الصحراء: الفرجوية، والأدائية الكوريغرافيا، موسيقى، تعبير جسدي، ملاحم، مسرحية، ديو، مونودرام،  فلما نقوم بعملية اللعبة المسرحية في الصحراء. ويُشاهدها الجمهور الذي لا يكون بالضرورة جمهورا متحفّزا. لقد قال لي عز الدين المدني، الكاتب الكبير ، خلال الدورة الأولى للمهرجان، "كأن الجمهور يكتشف المسرح". وهذا مهمّ جدا، نحن نروم أن نفكّ العزلة الثقافية في هذه البقاع، في هذه المناطق النائية التي تُعاني تهميشا ثقافيا بحتا، وهناك كذلك رهان آخر في المسرح في الصحراء، هو تغيير النمطية التي جُبّلت عليها  مهرجاناتنا في الجنوب التونسي، وأصبح مهرجان دوز مقياسا تعتمد عليه.وتستنسخ العديد من المهرجانات، نسخة سيئة جدا، بل محنطة وتقوم بهذه اللعبة الفرؤجوية، بشكل تقليدي مُحنّط، ليس فيه أيّ ابداع، بتعلّة المحافظة على التراث. بينما وظفنا  الملامح في المسرح في الصحراء، وكل الآليات الصحراوية، وكلّ هذا الارث بشكل فرجوي مُنظّم.  وأصبحت هناك هجرة مسرحية مُعاكسة، وأتينا بالعديد من الفرق الدولية، لكي تقوم باللعبة المسرحية، وتقوم بعروضها في الصحراء.  فالصحراء بها تخوم وتضاريس تشبه المسرح الاغريقي في بنائه الهندسي وكذلك المسرح الروماني، حتى صوتا أو على مستوى الصدى الذي يتوفر بها. صحيح أن الظروف أصعب، ولكن نحن نقوم بهذا العمل، لترسيخ الفرجة. 
-كيف يأتي الجمهور الى المسرح في الصحراء؟
هذه مسألة صعبة جدا، ولكن لنعرّف أولا أين نذهب؟ نحن لا نذهب الى كثبان الرمال بعيدا عن العمران. نحن نسكن في الصحراء، هناك طرقمنارة وهناك قرى تذهب إليها السيارات العادية، ولما تفتح الباب تلرى أمامنك الصحراء، مثل المدن أو القرى الساحلية أو الجبلية. نحن نوظّف الصحراء لأنها قريبة جدا، ونحن لما كنا أطفالا نلعب على كثبان الرمال، أو "العروڨ" كما نُسمّيها، و"العرڨ" هو بمثابة "الشريان الرقيق والمتدفق". ان هذفنا هو الذهاب إلى هذه القرى، وميزة المهرجان أنه قافلة مسرحية متنقّلة، يتنقل من مكان إلى آخر، ولا يكرّر نفسه. وهذا فيه الأفضليتين: الأفضلية الأولى هو أنه يتجدد في كل دورة وينشر ظلاله على كل القرى الجنوبية بولاية قبلي، وقد يكون في المستقبل في الجنوب التةنسي عموما. وهو فعلا كذلك من خلال الورشات التكوينية. فالمهرجان ينقسم الى قسمين: القسم الأول المهم والأساسي هو تكوين العديد من الشباب الذين يعانون تهميشا في القرى النائية، في مراكز الولايات الستة وأضفنا إليها "صفاقس"، بشراكة مع مراكز فنون درامية، أو دور الشباب، حسب توجه المهرجان من سنة إلى أخرى. ونتحصل  في الأخير على ما لا يقل عن مائة شابمكوّن مسرحيا. هؤلاء الشباب لم يُمارسوا بالضرورة اللعبة المسرحية في السابق، بل بالعكس نحن ندعوهم ونأخذ الشباب الذي ليست له علاقة بالمسرح. وقد لاحظنا خاصة اقبالا كبيرا للشابات والفتيات، وهذا كسب كبير، لأننا الى حدّ الآن نُعاني في الجنوب التونسي من هيمنة ذكورية في المسرح التونسي. نعتمد في التكوين على أساتذة متخرّجين، ليُقدّموا بعد انتهاء التكوين "مخرجات التكوين" أمام الجمهور. فالشاب أو الشابة، يعيشان  التجربة في علاقة بالفضاء وبنفسه وبالآخرين، ثم في علاقة بالجمهور. وتصبح  "مخرجات التكوين" ربّما  مادّة مهمّة أو مشروعا مسرحيا قد تستثمره مراكز الفنون الدرامية، في الجهات التي ذكرناها. ويصبح جمهورا نعتمد عليه كذلك، يصبح صوتنا فيما بعد.  
أعود الى المهرجان، الذي تظهر قيمته في تجواله، وتلك هي الأفضلية الثانية.  لكن ثمّة توجّس ألا تُحاصره بعض القبائل الصحراوية التي تعتبر كل شيء ناجح ملكا لها. فعندما يستحوذ الفرد الذي لا يعرف، يصبح خطرا وليس مساندا للمهرجان. هم قبائلنا وعشائرنا، وأهلنا ونعرفهم ونعلم كيف يُفكّرون، حتّى حُبّا في المهرجان.
-هل تقترح المسرح علاجا أو حلاّ للصراعات القبلية التي لا تزال في الصحراء؟
لقد وُلد المهرجان أصلا في 2021، بعد أحداث "العين السخونة" في الجنوب التونسي، بعد العراك الخطير والفتنة الشعبية التي وقعت حول العين السخونة بين "المرازيق" و"الحوايا". لقد كان  المهرجان في الأصل ردّة فعل، ووحّد بين ولايات الجنوب، وبالفنّ انتصرنا فعلا على هذا التهميش وهذه الظاهرة القبلية الخطيرة التي يعاني منها الجنوب التونسي إلى حدّ الآن. 
لقد كانت عودتك إلى الصحراء عودة تلقائية، بعد هجرتك الى إيطاليا أم أنها عودة لها رهانات وأهداف؟
لقد كانت العاصمة بالنسبة إلي، دائما وأبدا "ترنزيت" أي قاعة انتظار. كانت بداياتي في "جمنة" وقد أسست فيها مهرجانين، مهرجان الفرجة بـــ"جمنة" والمهرجان الثقافي بــ"جمنة" وأنا لازلت طالبا آنذاك.  ثمّ غادرت إلى روما بعد تخرّجي من المعهد العالي للفن المسرحي، وهناك اشتعلت مع كبار المخرجين مثل لوكا رونكون (Luca roncone)، ماريو مارتون (Mario martone)،  مال جيبسون (Mel gibson) وهي أسماء مهمّة جدا. كما تعاملت مع ايجينيو بربا (Eugenio Barba)، وقد كانت فرصة فعلا، واكتشفت المسرح الايطالي. ولمّا نذكر المسرح الايطالي، فإننا نذكر هذه القوة الفرجوية الموجودة في الأوبرا، وأعمالهم الفرجوية التي تخلّد الذكريات، سواء المسيحية أو الرومانية، في الشارع أو في احتفالاتهم الكرنفالية في فينيسيا أو في نابولي مثلا أو في صقلية. وبالتالي، فإن الايطاليين يعتمدون على هذا الارث الثقافي الفرجوي. ولمّا عدت أخرجت "حسّ اﻠﭭطا" مع فرقة بلدية دوز للتمثيل، فكأنّني عَبَرْتُ العاصمة، ثم عدت ودرّستُ بالمعهد العالي للفن المسرحي، وقُمت بمسرحية "بحّيت" في تطاوين، ثمّ "مراحيل" (مهرجان عمر خلفة للمسرح) و"برزخ" (جمعية مدى للمسرح)، وكان الترحال بين مختلف الولايات، وتحصّلنا على عدّة جوائز وطنيا ودوليا. آمنت بالمسرح الهاوي في الجهات، مع جمعيات، فاتجهت بعد ذلك إلى حمام سوسة كذلك، وما يُعينني في هذا الأمر هو عدم استقراري، ورفضي للوظيفة، فتفرّغت للعبة المسرحية، وبعد هذا الترحال تكون عودتي إلى إيطاليا. لذلك كانت العاصمة بالنسبة لي دوما "ترنزيت". 
-ألا يبدو قولك بأنّ تونس العاصمة هي "ترنزيت" بالنسبة لك في حاجة الى توضيح أكثر، ألا يبدو كلامك مقلقا لبعض التونسيين من سكان العاصمة؟
 هم أنفسهم في حالة "ترنزيت" لأنهم في حالة نزوح، من من تونس؟ فالكل من الكاف والقصرين...فالعاصمة هي "ترنزيت" للدعاية الاعلامية، للوثائق الادارية مع الوزارة، ولكن من حاد على هذا الأمر سيصبح تائها في أزقة المدينة، كثيرين منهم قد انشقوا وانبتوا  وأضاعوا السبيل. وللأسف كذلك،  لقد جاء كثير من أبناء هذه المناطق البعيدة، ونسوا مواطنهم، لأنه ليس هناك شيء يؤسّسونه. لقد آن الأوان لكي يعودوا ولكي يُؤسّسوا. هذا عموما يعني، وبقيت على اتصال بإيطاليا، لأنها منفذ مهمّ للعالمية، ولرؤية المسرح حقيقة، بشكل صحيح، ولهذا كنت مختلف تماما حتى في توجّهي واقتناعاتي الجماليّة والفنية وحتّى في تأثيراتي( على الجعايبي أو على أبناء جيلي الذين تأثروا بمدارس تونسية).
-ثمة فقرة هامة في المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء، تخصّص للمرأة المبدعة، ماهي أهم رهاناتها؟
إنّ الرهان هو رهان المهرجان أساسا لمّا يصبح لي قاعدة بيانات، وقاعدة شعبية، تضمّ قرابة 80 بالمائة  من الفتيات. ويصبح المهرجان منفذ أو متنفس للفتاة الريفية والفتاة الصحراوية والفتاة الجنوبية، التي تريد الابداع، والمرأة التي تريد أن تعرض ما أبدعته في هذا المهرجان. نعلم أننا في المهرجانات الجنوبية، كلّها تنهل من التراث والفولكلور، ويطغى عليه للأسف الجانب الذكوري بشكل كبير، سواء في الشعر أو الفروسية وحتى في مستوى التنظيم، وحتى في الجمعيات المنظمة. وتعتمد المرأة كغطاء فقط في هذه المهرجانات الفولكلورية، وينتهي الموضوع.
فرهان المهرجان هو أن يُعطي للمرأة دورها الحقيقي والفعّال، ومشاركتها المهمة، ناهيك أن ثلثي ادارة المهرجان من النساء، (الكاتبة العامة، وأمينة المال). من سيتكفّل بالورشات التكوينية في المسرح، هن نساء كذلك: جليلة بن يحيى، نادية تليش عايدة جابلي، والمشرفات على الورشات كذلك أماني عبد اللاوي (الفروسية)، تونس آية علي(التعبير الجسماني). أصبحت العائلة والمرأة موجودون في "الصابرية" وفي "بشني"، هذا ما لاحظناه في الجمهور من خلال الصور، وكأنّنا أمام 80 بالمائة من الجمهور. وبالتالي نتوقع وجودها حتى في "نويل" خلال هذه الدورة، فهي ذات الحضور الطاغي وسط الجمهور. رهاننا هذه الدورة كبير على المرأة المبدعة، وليست المرأة المبدعة هي التي نصنع "الطﺒڨ" أو "الفليج"، بل هي أيضا التشكيلية، الكاتبة والناقدة، والفارسة والممثلة والمخرجة، وهناك العديد من العروض التي ستكون مهمّة في هذا المهرجان، عرض "Allo" لتونس آية علي (فرنسا/ الجزائر) ، عرض "أنا مرا" لنادية تليش، ملحمة "خضراء" التي تتحدث عن الجازية الهلالية، و"ملحمة صحاري الحبّ". كذلك "كلاون" من اسبانيا، لثلاثة نساء ، مونودرام "بريد إلى الله" (سوريا) تقوم به ممثلة كذلك. وحتى في الندوة العلمية التي ستكون دولية، ستشارك فيها الدكتورة نرمين الحوطي وهي مختصة في النقد المسرحي وكذلك في الفلسفة،  الدكتورة والكواتية سارة قصير من لبنان، وهي نجمة في مجالها، وهناك كذلك دكتورة مختصّة في حراك المجتمع المدني النسائي بقلبي، كشهادة للمرأة المبدعة، طبعا ستكون هذه الندوة برئاسة الدكتورة فوزية ضيف الله والأستاذة هدى بوعزيزي من تونس لكي يكون لديهن إضافات على مستوى هذا الموضوع. لن تكون ندوة علمية بأتم معنى الكلمة، بل ستكون جلسة حوارية، مع المبدعات وبحضور اتحاد المرأة بقبلي،  وسنتوجه بدعوة للجمعيات النسائية، هناك حراك نسائي مهم جدا، نذكر مثلا جمعية أمّهات تونس فرع قبلي، الاتحاد العام التونسي للشغل، فرع النساء، كذلك الصناعات التقليدية ومندوبية المرأة والأسرة.  نُريد أن نهدي هذه الدورة إلى المرأة ودورها الريادي في الصحراء، لأن العديد لا يعلم أن المرأة فعلا هي الصحراء، والصحراء تعتبر لدينا هي المرأة، وهناك أقوال كثيرة مأثورة  تؤكد ذلك، مثلا عندما يتحدّث ابراهيم الكوني عن المرأة، ويتحدث عن الصحراء، التي تكون وجهان لعملة واحدة. هناك شاعرات مهمّات، وسوف نستدعي شاعرة أو اثنتين، وهذا جانب غير معروف كثيرا، ونعلم أنّ أقوى الشعراء في الجنوب التونسي كنّ نساء. إنها محاولة لتسليط الضوء على هذا الحراك النسائي المهمّ في الصحراء.
-ينفتح هذا المهرجان على الشباب من خلال برمجة لمخيم شبابي؟
هو مخيم شبابي مجاني وتلقائي، ولكل الشباب.  كما ذكرت، لقد أصبحت لدينا قاعدة شبابية كبيرة جدا، ويأتي هؤلاء الشباب ككلّ دورة، حتى من المناطق القريبة. ولهم دور مهمّ جدّا، فاعتمادنا في المهرجان وفرحنا هما شبابيين بالأساس، سواء من خلال التأطير، سواء من خلال المشاركة. لدينا شراكة مهمّة سوف تكون مع المعهد العالي للتنشيط الثقافي، المعهد العالي للطفولة بقرطاج درمش، وستقيم وزارة الشباب مخيّما في زعفران لمائتي شاب، وهو مخيم هام جدّا، وسنقيم سهرات حول "السامور" تلبية لرغبات الشباب، وعادة نفتح مخيمات، ومنتزهات للشباب لكي يأتي ويكون فرصة للمهرجان أن يكون جمهوره من الشباب. كذلك ثمة فقرات يؤثثها الشباب،  حتى العارضين على مستوى العروض المسرحية والفريق السمعي/البصري والموضبين كلهم من الشباب. بل إنّ حتى مقترحاتنا الجمالية هي توجهات شبابية.
وهل أن الصفة الدولية للمهرجان المتزايدة من خلال عدد المشاركات ستزاحم مهرجانات أخرى تحتفل بالمسرح في الصحراء؟
نحن -كما ذكرت- لا نقوم بالمسرح الصحراوي بقدر ما نقوم بالمسرح في الصحراء، هناك اختلافات عديدة بيننا وبين ما وقع وهذا أمر محمود، نجد ذلك في الشارقة، وفي مهرجان ليالي المسرح في أدرار. ولكن قوّتنا في الجمهور، هذا الجمهور الذي يصل الة عشرة آلاف متفرّج،  جمهور القرية، جمهور القرى المجاورة، الجمهور الذي يأتينا من العاصمة، بينما ما شاهدته في الشارقة هو جمهور يقيم هناك، من العائلات، وهم في حالة تأسيس، وهذا مهمّ. يعتمد مهرجاننا ليس على الدولية فقط. معنى "الدولي" يعني أولا عروض دولية من بلدان اوروبية وعربية تقدّم العروض، وثانيا هناك أعضاء بلجان التحكيم، مؤطرين ومشرفين على التكوين، فالجنسيات ستختلف. لا ندّعي أننا سنستدعي أربعة وعشرين عرضا لأن المسألة مضنية حقيقة، ولكن سيكون بيننا قرابة 12 عرض دولي، والباقي هم ممثلون لدولهم، يعني من خلال مشاركتهم سواء في الندوة العلمية أو في لجان التحكيم،  أو كمكرّمين، لأنه لدينا تكريمات. فكيف سنختلف عن بقية المهرجانات؟ نحن لا نتبع منظومة "مهرجني أمهرجك"/ نحن نستدعي من له إضافة للمهرجان، ومن له كيان ومؤسس ويستحق أن يأتي  إلى المهرجان. ليست اختياراتنا للبروباغندا، ليست للنجومية. اختياراتنا هي فنية بحتة، تأسيسية. نحن لا ننافس، بالعكس لنا خصوصيّتنا، وهذه الخصوصية أساسها جمهور الصحراء المتعطش. هناك الآلاف من القرى التي تتمنى أن يزورها المهرجان، وتنتظر دورها، وقد قمنا في السنة الفارطة، بإحصاء، فقد أصبح هناك تنافس رهيب على مستوى صفحتنا في الفيسبوك، حول هذا الاحصاء، فالكل يريد أن يأتي اليه المهرجان. هناك من فهم طبيعة المهرجان وهناك من لم يفهم ولكن ما يُحسب لنا في الدورة الثالثة هو أن نصل إلى 24 دولة فهذا أمر مهم جدا.
-هل وجدت صعوبات في البحث عن الدعم لتنظيم هذا المهرجان في موعده؟
هذه الصعوبات  المتعلقة موجودة على مستوى الإبداع ولكن المشكل هو الإدارة لما تكون متأخرة. ربّما مشكل المهرجان أنه يأتي في أوّل تنزيل للميزانية، أول السنة، في الربيع. وأنا اخترت الربيع، رغم تخوّفاتنا من الرياح، ولكن نظرا لأني أعلم علم اليقين رزنامة الجنوب التونسي: في الخريف يكون كل الأهالي مركزين جني التمور، ثم يأتي ديسمبر ويُغطي مهرجان  الصحراء الدولي بدوز على كل شيء، بمثابة الشجرة التي تحجب كل شيء. فتصبح كل التظاهرات الثقافية في الخريف بالجنوب التونسي. نَفتقد كثيرا في هذه المناطق إلى تظاهرات، ما عدا طبعا، مهرجان اﻠﭭصور الذي يتعكز قليلا ويعرج لأمور تنظيمية طبعا. لكن احتل المهرجان في الأجندا الجنوبية الثقافية مكانة مهمة جدّا. لقد حضي هذا المهرجان باهتمام في دورته التأسيسة، فتم دعمه من طرف برنامج "تفنّن" (الاتحاد الأوروبي) ونحن اخترنا أن نواصل مع هذا التأسيس. ومرافقة وزارة الشؤون الثقافية لنا مهمة جدا، وقد حضينا بثقتها في الدورة الفارطة وفي هذه الدورة كذلك. وحضينا كذلك بثقة وزارة السياحة، لجديّة الطرح، فقد أصبحنا قبلة مهمة لدعم السياحة الداخلية والبيئية. نلنا ثقة الوكالة الوطنية لإحياء التراث، وكذلك المنظمة الدولية للهجرة، ووزارة الشباب والرياضة هذه السنة، لأننا نؤكّد على الشباب، وزارة شؤون المرأوة والأسرة، اهتمت بالموضوع نظرا لأن مشاربنا وأهدافنا كلها تصب في منبع واحد، هو الشباب والمرأة والناس المهمشين. ونأمل أن تكون لنا مستقبلا اتصالات بمنظمات دولية مثل اليونيسيف، اليونسكو والإيسيسكو، التي تتماشى مع مشروعنا.
-هل سيكون للطفل نصيب في المهرجان الدولي للمسرح في الصحراء؟
نعم للطفل نصيب كذلك، لدينا عروض صباحية للأطفال، بمختلف الأنماط،  وداخل الواحة  وكذلك  مسرحيات تنشيطية. نختلف ربما على مستوى الطرح، نحاول أن نصوغ ونعدّل النوعية مع لجنة المشاهدة،  حتى في عروض الكبار. فسيكون لنا اتصال مباشر وتعديلات متواصلة، وسوف نستغل الواحة تحت ظل الجريد، جريد النخيل. حتى يعيش الأطفال صبحيات من أروع ما يكون، وسنحاول أن ننتقي عروضا تمسهم فعلا. ونراعي مراعاة ذوقهم، نحاول النزول اليهم والارتقاء بهم.
-ستكون العناصر السينغرافية طبيعية، يحضر فيها الطقس والمناخ والكثبان؟
ستكون السينغرافيا كما ذكرت بالنسبة إلى الأطفال في الواحات، هناك عروض  مثل "راعي الصحراء" وعرض "الغابة" وعرض "البخيل" لما عرضوها أصبحت الواحة جزءا طبيعيا وكأنه مكمل أساسي للعرض. أما عروض "عصر البارفورمونس" ستكون في ساحة رأس العين، وفيها خلفية بانورامية من أروع ما يكون، ويصبح جسم الممثل وكأنه متحرك في هذه اللوحة. أما العروض الليلية، فتصبح سحرية. فما يُحسب لهذا المهرجان، هو أنه لأول مرة تقدّم عروض فرجوية في الصحراء ليلا. افتتحت واختتمت المهرجان الدولي للصحراء بدوز ثلاث مرات، ودائما ماكانت العروض تُقام ظهرا وعصرا. ولظروف أمنية يُقال أنّه لابدّ أن ينتهي العرض مع المغرب، ولكن مع هذا المهرجان، أصبحت المسألة أمنيا ممكنة، لأن هذه النوعية من العروض تأتي بتركيز الجمهور ولا تجعل منهم مُشتتي الذهن. 
-هل ستكون ثمة جوائز تحفيزية هذه السنة للمشاركين، وفيم تتمثل الجوائز؟
لقد رصدنا للمهرجان خمس جوائز، وتنقسم حسب الاختصاص: جائزة أفضل عمل للأطفال، أفضل عمل "البرفورمونس" كمخرجات الورشات التكوينية السبعة، أفضل عمل مسرحي، أفضل مونودرام، أفضل عمل فرجوي ملحمي. لن تكون هذه الجوائز ورقيّة، لان لها جانب اعتباري مهم جدا. لأننا سنقيم معارض المرأة المبدعة في الصناعات التقليدية، لتشجيعهن على مستوى البيع، ثم معرض تحويل المنتوجات الفلاحية الذي تقوم به النساء. سيقوم المهرجان بشراء هذه المنتوجات النسائية ويُقدّمها مثل جوائز. فتكون الجائزة "فليج" أو"طﺒڨ" أو شيء له قيمة سيحملها صاحب الجائزة إلى بلده، فيضعها في مقرّ الفرقة أو في بيته، وتكون جانب ترويجي للابداع النسائي الصحراوي التونسي. 
أعتقد أن هذه الجائزة لها جانب اعتباري، نحن لا نقدّم نقودا، وأنا شخصيّا كنت ومازلت ضدّ الجوائز ولكن نظرا لأنّ هناك العديد من الهواة، فإن الجوائز تكون ممكنة لهم وليست للمحترفين. وحتى التكريمات لابدّ أن تكون اعتبارية. فكرة الجوائز هي تحفيزية وسياحية وتنموية، لأنه لدينا هدف تنموي مهم جدّا، يتمثل في وتشغيل الشباب وتشجيع النساء والقطاعات المحليّة. 
* اكاديمية وناقدة تونسية.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون