بأم عينى :الجمال الخشن يخطف القلوب .
2023 ,11 شباط
أحمد خميس:صوت العرب – مصر.
خرجت وخرج الكثيرين مثلى من تلك اللعبة الدرامية التى تابعناها تحت مسمى (بأم عينى 1948) وانا ممتلئ بالقضية الفلسطينية ومدرك تماما بقدرة اهلها على التعامل المبتكر مع تطورات المواقف المتأزمة مع العدو الذى يسكن بيتنا , خرجت وأنا أتساءل مع الصديق المبدع غنام غنام أين هو الإحتلال طبعا بصيغ متعددة فمرة يكون السؤال جاد ومرات بصيغة تهكمية , ووجدتنى بعفوية أتساءل مع الاصدقاء من أهل المنصورة هل ما شاهدناه فى تلك الليلة التى تمس الروح يعد عرضا مسرحيا بالمعنى المتداول لكلمة عرض مسرحى وما الذى يحتاجه العرض المسرحى ليكتمل وجوده ؟ وما هى حدود العرض المسرحى وما يمكن أن يرمى إليه العرض الموجة لقضية ماعبر تيماته المتضمنة والتى قد تجنح لاستخدام أساليب صادمة أحيانا خاصة لذلك المتلقى غير المعتاد على كسر الحدود الفاصلة بين المؤدى والمتلقى؟ ثم ما هو دور المتلقى أصلا فى العرض المسرحى الذى لا يستخدم خشبة تقليدية أو حتى مسرح معد بالاجهزة التقنية ويرجو فقط تلاحم الناس مع المؤدى فى بؤرة واحدة قد تتبدل فيها الطريقة وفق رد فعل شخص متفاعل أو تدخل فى صلب الحكاية من قبل معترض أو غير متوافق مع الطريقة الخشنة فى الاداء ؟
 أين تبدأ تلك الحكاية العجيبة واين تنهى وما حدودها الجمالية وفلسفاتها التى ترجو ؟ وما هى شروطها للتحقق وافكارها عن المتلقى المستهدف ؟ وما كل تلك الحكايات المتضمنة التى تقف عادة عند سؤال بديهى يقول (أين هو الإحتلال) ؟ فبالحق أين هو الاحتلال والاهل فى كل مناطق أرض فلسطين مؤمنين تماما بحقهم فى الطين والعمارة والتاريخ القريب والبعيد , متمسكين برد الفعل مؤمنين بتاريخهم وقصص أهاليهم القدامى , 
لماذا هزمونا ؟
تنتهى حكاية غنام بثلاثة اسئلة صعبة يوجهها للمتلقى الحيران الذى تفاعل مع الحكاية المقدمة لماذا هزمونا ؟ ولماذا يهزموننا ؟ ولماذا لم نهزمهم ؟ ويعتبر الرجل أن رد المتلقى منتظر ومتوقع خاصة وقد تحدث للناس عن حكايات الاهل فى الارض المحتلة وبين كيف يلتحم الكبير والصغير ويجتمعون على قضية عمرهم , فقد تتغير الاساليب وطرق التعاطى مع القضية لكن الفلسفة واحدة والقصدية واضحة جلية لدى الجميع , ولكنهم هناك فى الارض المحتلة فى واد والعالم العربى فى واد آخر , أو قل إن هناك سنين فلكية بين من يقابل النار بصدره ومن لا يعنيه الموضوع من قريب أو بعيد
حدود الدراما - حدود اللعب الخشن
كما المونودراما التى قدمها غنام فى معظم الدول العربية تحت إسم (سأموت فى المنفى) تبدأ تلك الحكاية أيضا بحكاية إطار يشرح من خلالها ذلك المشبع بالقضية الفلسطينية طريقته فى تدوير العمل مخلصا نفسه من المسمى الفنى وداعيا المتلقى المتحلق أيضا كى يترك المسميات جانبا وينتبه للحكى الفعال الذى يشرك الجميع فى العمل , هنا تبدأ اللعبة المشتركة التى يسمح فيها للمتلقى أن يغير المسار لو أنه يمتلك نفس القدرة على امتلاك ناصية الحكاية , وحتى فى عرض سأموت فى المنفى كانت الدعوة لكل من يمتلك حكاية أن يشارك عبر نفس المنصة بحكايته هو , وتلك مسألة ضرورية خاصة فى ذلك النوع الذى يتأثر بفعالية التلقى الحر والخشن للحد الذى تتوهج فيه الحكايات المتضمنة , وللحد الذى يدفع الاخر لتقديم حكاية جديدة عبر نفس المنهجية ونفس المنصة التى تبدو سهلة من الخارج ولكنها معقدة للغاية من الداخل وتحتاج لمؤد متمرس على العمل الشاق والخشن , المؤد الممتلك لادواته والذى تربى على منصات شعبيه واعية ومدربة بحيث تشتبك مع المتلقى وتوجهه وتخمد اى تمرد او شرود بحرفية ووعى كبير , ذلك الذى لديه إستعداد طول الوقت للعمل من خلال مساحة فارغة بتحلق فيها الجمهور حول المؤد المدرب والذى لا يحتاج الا لبعض الاكسسوارات البسيطة كى يكمل مهمته التى تقوم على القدرة الفائقة على التأثير ومشاركة المتلقى فى الهم الاجتماعى والسياسى , ففى هذا التكوين يتبدى الممثل الحكاء كمحور وحيد فى العمل 
 مع هذا العرض ها نحن مع وعن غنام ذلك الذى يتمنى لو يعود لارضه ووطنه ويطمح فى زيارة بناته الاثنتين اللتان تعيشان فى الارض المحتلة كل منهما على طريقتها الخاصة فهناك واحدة تحيا فى البلدة القديمة إذ يعنيها تماما أن تفيق فى الصباح على رائحة القهوة عند الجيران وتشبع نفسيا من تبادل الزيارات للإطمئنان وتلاقى الارواح مجتمعة حول معنى الوطن , بينما الاخرى تعيش قى حى متطور لايعرف سكانه بعضهم البعض , فقط هناك معلومة مهمة فذلك حى يعيش فيه سكان معظمهم نازح من روسيا , المهم إنه فى إحدى مرات تقديم عرضه القديم (سأموت فى المنفى) جاءته إحدى الصديقات المخضرمات فى العمل الوطنى وأكدت عليه بأنه من الممكن أن يرحل معهم الى فلسطين متخفيا طالما حضور بناته اليه مستحيل بحكم العدو , هنا تبدأ الحكاية فى التشويق حيث المغامرة الذكية من صديقته وفريقها الذين قرروا أن يخوضوا المغامرة بعد حساب عواقبها , هنا يثبت الرجل من جديد قدراته الفائقة فى تحويل الخاص والشخصى الى هم عام يمكن أن يمر به كل إنسان صادق فى مشاعره ونواياه نحو الوطن الذى تربى فيه وعشق ترابه , تتبدل المواقف والاحداث الكوميدية والدراماتيكية بدخول ابن عمه ذلك الشاب الصغير الواعى تماما كيف يلاعب الصهاينة ويعرف كيف ومتى يمر من متاريسهم وغبائهم اليومى .
 بالطبع لن احرق لكم تلك الحكايات المشوقة بكل ما قابلناه فيها من وعى وقدرة على التلوين والاشباع كما لن احكى لكم عن الدموع التى انسالت من معظم من حضروا ذلك التكوين الذى يمس القلب فقط سأقول لكم فى النهاية أن لنا لقاء آخر مطول عن ذلك العرض الممتع الذى حظينا به فى اليوم الاول من عروض مهرجان المنصورة المسرحى الثانى    
 


2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون