من عروض مهرجان المسرح الاردني -العرض السوري" المنديل" : اشتباك متناغم مابين فضاء المسرح الواقعي، والفضاء البصري. رسمي محاسنة:صوت العرب – الاردن
2021 ,30 تشرين الثاني
بالرغم من محاولات التاسيس لنظرية مسرح مابعد الدراما في العالم العربي، الا ان المحاولات العربية مازالت خجولة في تقديم المسرح البصري، او الضوئي، وياتي المخرج السوري "بسام حميدي" ليتقدم خطوة واسعة،في مسرحية"المنديل" المشاركة في الدورة 28 لمهرجان الاردن المسرحي ،ويقدم عملا مزج فيه "الدرامي بالبصري" عبر ثنائية "الريوغراف مع الفيديو".
 
"المنديل" ثيمة انسانية، حول زوجين عاشقين،يعيشان حد التماهي،مصابان بالعمى،لكن هذه الاعاقة لاتمنعهما من صناعة عالم خاص بهما،في رحلة اقرب للحلم، حيث الجمال والرومانسية، والتداخل نابين داخل البيت المفعم بالحب والحيوية، ومابين المكان المحيط" الغابة"، حيث الصفاء واصوات العصافير،وكل ماتجود به الطبيعة من جمال.
 
هذا الاحساس العميق بالحياة،والحالة العالية التي يعيشها الزوجان، توصلهم الى امنية بان يرتد لهما البصر،ليتعرفا اكثر على العالم،ويبصرا الوان وخطوط وروعة الاشياء حولهما، اعتقادا بان خلف هذا العالم الذي يعيشونه بالحلم، هناك عالم اكثر رحابة، ومفردات وتفاصيل من الدهشة والكمال.
 
تتحقق الامنية للزوجين، ويبصران،لتكون الصدمة بعالمنا الواقعي ،بقسوته ومتوالية التشظي التي يعيشها الانسان، والخراب الذي عاث فسادا في النفوس والمكان، وقسوة الانسان على الانسان، الذي حول الارض "بوحشييته" الى "مكان وعلاقات" فيها الاستبداد والانانية والفردية،والتغول على كل ماهو جميل.
 
ويكون قرار الزوجين بالعودة الى حالة "البصيرة" بدلا من حالة "البصر" الملوثة بالكوارث والحروب وشراسة الحياة، حيث يساعدان بعضهما البعض بربط منديل على عيون كل منهما.
 
هذه التجاذبات الانسانية،حملتها تمازج مابين عناصر مختلفة، من التعبير الجسدي، والفيديو والموسيقى،في لوحات عكست الحالة النفسية للشخصيات في تحولاتها المختلفة.مع توظيف للجانب البصري لخدمة فكرة العرض الاساسية،في تكامل مع الجانب الانساني، وايضا كحامل يتواصل مع الجمهور بالتاثير عليه لفهم رسائل العرض.
 
الرقص كان حاضرا بقوة،في كل لوحة مقولة،ورسائل وتعبير عن دواخل الشخصيات، في حالاتها المتبدلة،من حالة الحب والسلام الذي تعيشة، الى حالة الصدمة التي تسبب بها هذا المحيط"المبصر" المثقل بقسوة الحياة.وقد كان الراقصان في حالة من التناغم، والفهم العميق لكل حركة ودلالاتها،في انسيابية واحترافية طوال العرض.في جمال وابهار ،متناغم ومتكامل مع اللوحات البصرية، بتفاصيلها الكثيرة.
 
ولعل من المشاهد المؤثرة في العرض، مشهد المرايا، الذي اجتهد الراقصون بتنفيذه،حيث عالمين متنافرين،كل ذلك في اطار نص ذكي تم تطويعه بصريا، بدون حوار، والموسيقى كانت حاضرة ،تعبر عن الحالة النفسية للشخصيات في تموضعها،وانتقالاتها.
 
"المنديل" تجربة مهمة يمكن البناء عليها، واقتحام مساحة جديدة في المسرح العربي،بالاستفادة من التقنيات الحديثة،في اشتباك متناغم مابين فضاء المسرح الواقعي، والفضاء البصري.
 
العرض من تاليف "عبير عودة" واداء"شيرين الشوفي ومحمد شباط"، وكريوغراف"نورس عثمان"،ووموسيقى" نزيه اسعد"، وتنفيذ تقنيات"محمد قطان" وتنفيذ اضاءة"رضوان النوري"، وتنفيذ صوت" اياد عبدالحميد"،وسينوغرافيا واخراج "بسام حميدي".
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون