من عروض ايام قرطاج المسرحية:المسرحية الفلسطينية"لغم أرضي" .
2022 ,09 كانون الأول
صوت العرب:تونس.
من عروض المسابقة الرسمية التي تتنافس على تانيت الدورة الثالثة والعشرين لأيام قرطاج المسرحية احتضنت قاعة الريو بالعاصمة العرض الفلسطيني "لغم أرضي" إنتاج مسرح القصبة، نص إيلي كمال إخراج جورج إبراهيم أداء أميرة حبش وغسان أشقر.
رجل وامرأة وسط دائرة محكمة الغلق مرسومة حدودها بالطباشير وكلّما بهت اللون أعاد الرجل تسطيره حتى لا يتجاوزا مدار الدائرة الضيقة خوفا من انفجار اللغم خارجها... هما في اللاّمكان واللاّزمان في دائرة الخوف التي تتسع كلما مرّ الوقت عليهما، يقتلان الوقت بالثرثرة أو الهذيان، هو كذلك لأنهما لم يتحدثا في موضوع معيّن أو حكاية واضحة المعالم يطرحان أسئلة تبدو بسيطة في الظاهر لكنها في الحقيقة كثيرة التعقيد، لها أكثر من جواب مفتوح على عدّة احتمالات، المعنى ونقيضه فوق لغم قابل للانفجار في أية لحظة ومع أية حركة، هما حبيسا مكان وذاكرة في دائرة الخوف اللاّ معلن "هل من معنى لما نعيشه اليوم؟" سؤال يُطرح ويبقى معلّقا دون جواب كغيره، فهل يقتصر الخوف على انفجار اللغم أم هو الخوف من تحديد المفاهيم والوقوف على واقع الأشياء؟ الحب، الكره، الشجاعة، الخوف، الموت، الأنوثة، الرجولة، المساواة، الديمقراطية... كلها تيمات حام حولها الحوار أو هذيان تقطيع الوقت بالثرثرة ـ أو هكذا يبدوـ فهل كان احتمال انفجار اللغم مبعث الخوف الوحيد في تلك الدائرة الخانقة أم هو الخوف من كلّ ما هوّ كامن في قاع الذات الإنسانية من انكسارات نخشى مواجهتها؟
التناقض والتردد كانا سمة للحوار المسترسل بينهما على مدار الساعة والذي لا يقطعه سوى محاولات فاشلة لتجاوز الدائرة والنجاة... فشل محكوم ببارانويا الخوف ولا شيء غيره.   
"لغم أرضي" لا يروي تعطّش المشاهد للوقوف على حقيقة بعينها وهي غائبة لا محالة في ظل هذا العبث الذي نعيشه بشكل يومي أو الحصار المفروض علينا... "الخوف" غول يسكن الجسد ويتمكّن منه ويُشلّ حركته، رُسمت حدوده بالطباشير القابل للمحو بمجرّد أن نمشي فوقه تكفي خطوة واحدة لنتجاوزه لأنه شيئا فشيئا تتكشّف الحقائق في هذا العرض لندرك أن اللغم المقصود هنا لا يوجد تحت الأرض فحسب بل أننا نكابد ألغاما نفسية قابلة للانفجار في كلّ لحظة... 
يفتح الزوج صفحات كتاب يحمله منذ بداية العرض ويتضح أنه مذكرات، وتحت دائرة الضوء يقرأ صفحة منه عن آخر لقاء له بوالده الراحل ثم يعود الضوء إلى الركح ليتحوّل المقعد (الذي مثّل الديكور الوحيد في العرض) إلى قبر كتُب على شاهدته ندى سليمان، الزوجة التي غابت وبقي الزوج حبيس ذاكرة جمعت كل التفاصيل والملامح... فما كانت الدائرة التي رسم حدودها سوى عزلة غرق في بحرها ولم يوقظه منها سوى دويّ الانفجار الذي انطلق به العرض.    
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون