العرض الفلسطيني" كلب الست":صراع الارادة والسلطة.
2022 ,05 تشرين الثاني
خالد المصو - اميرة حبش - سليم النبالي.
رسمي محاسنة:صوت العرب- الاردن.
عن نص للكاتب "علي الزيدي" قدم المخرج الفلسطيني " فراس ابو صباح" العرض المسرحي"كلب الست" ضمن ايام مهرجان بغداد الدولي للمسرح، في دورته الثالثة.في عرض محمل بالرموز والدلالات،في اطار الكوميديا السوداء،وفق مقاربات للواقع الفلسطيني الراهن،وفي قراءة واعية لعمق النص، فكانت الرؤية الاخراجية اللافته في توظيف عناصر العرض لخدمة الفكرة الاساسية، بعيدا عن المباشرة، والشعارات، او الوقوع في الميلودراما، انما توريط المشاهد في العرض، وتعزيز حالة الوعي لديه، خاصة عند الانسان الفلسطيني،تجاه الاساليب والادوات التي تحاصره، من اجل زعزعة اليقين بحقة في الارض والوجود والتاريخ.
يفتح العرض على بيت عادي، بمحتويات تعلن عن حالة الفقر التي يعاني منها الجد" خالد المصو" والحفيد" سليم النبالي"،وتتضح المسافة في الافكار بينهما،وفي خلفية البيت "الذي جاء بقصدية على مستويين"،هناك مشكلة التعامل مع "الفئران"،ومحاولة القضاء عليها بالفخاخ والسم.
هذه الحياة الراكدة،يكسر ايقاعها الرتيب، قرع على الباب،يشعر معه الجد والحفيد بالقلق، فهما يعيشان في شبه عزلة، بسبب ظروف" الاحتلال" الذي حول بيت العائلة الكبير الى "خشة" على راي الجد.
بعد تردد يفتح الحفيد الباب، ليجد نفسه في مواجهة "طرود غذائية"،ووسط الدهشة، تدخل سيدة"اميرة حبش"،يرافقها كلبها، الذي دخل من شباك البيت،ليدخل البيت في حالة من الفوضى، سيدة"غامضة"،وحفيد يقع في غواية جسدها، والجد بحمكة السنين، يدرك ان هناك ثمن ستتم المساومة عليه لاحقا.
وبذلك اصبح هناك دخيل جديد في البيت، وله سلطته، وادواته،فالسيدة "السلطة" الجديدة،دخلت بحجة المساعدة، واغلاق باب الفقر، لكنها دقت "مسمار جحا"، بعد موت كلبها مسموما بدواء الفئران.
وهنا رمزية الفار والكلب،الفئران التي تعيث فسادا في البيت،في رمزية الى الظروف القهرية المحيطة، التي تستنزف " تقضم خيرات" البيت، او انهم اؤلئك الذين وضعهم الاحتلال، من ضعاف النفوس،ليكونوا عيونا وعونا لهم، وكذلك الكلب كخادم وفيّ لسيده، ومثلما دخلت الفئران للبيت في لحظة غفلة ومخادعة، فان الكلب ايضا تسلل من النافذة دون علم اهل البيت.
السيدة القادمة من جهة عليا" الاسياد"،وبعد موت كلبها، تحاول فرض تغييرات على واقع البيت،وتمارس سلطتها عل ساكنيه،وتهدد بتقديمهم للمحاكمة، ويجد الجد والحفيد نفسيهما محشورين في زاوية ضيقة،فكان هذا "الحداد" على الكلب، وماترتب عليه من حرمان من الطعام، وفرض طلبات لا انسانية،وقتل روح اصحاب البيت،وبعد انتهاء مدة اسبوع الحداد، تعود مرة اخرى، لاعلان الحداد من جديد بعد ان "نفقت" شريكته"الكلبة" حزنا على موته.ولاحقا مساومة "الجد" على شراء البيت.
كل ذلك حاملا رمزية ان " السلطة" مهما كان شكلها، تعمل على تغيير وتوظيف ادوات الصراع، لتفكيك الداخل بما يسهل تحقيق اهدافها، فكان هذا التطور في الحوار والمواقف بين الشخصيات الثلاث،الذي بدأ بشيء من "الهشاشة" في شخصية الحفيد، ليتطور لاحقا،ويتطابق مع موقف الجد.
وفي اطار الصراع بين الشخصيات، يضع المخرج، المكان"البيت" باكثر من مستوى،حيث تقف السيدة، في الاعلى وتطل عليهم،بعد ان وضعت صورة للكلب، بقيت معلقة على الجدار،في مقترح ذكي، حيث تبقى الصورة طوال العرض، بشكل مستفز للمتلقي،يتناقض مع الصورة في الواجدان الجمعي، بان الجدار الفلسطيني، هو لصور ذكريات المكان والانسان والشهداء.
المخرج "فراس ابو صباح" يعي تماما مايريد،وابتعد عن ماهو فائض، في عمل بسيط وعميق، ومفتوح على التأويل،ويذهب بالمتلقي الى قراءات بعدة مستويات، فالسيدة، قد تكون الدول المانحة، والجهات التي تقدم معونات، ومنظمات ال" NGO"،وقد تكون "السلطة الفلسطينية" في واحدة من القراءات،سواء بسلوكياتها السياسية والامنية، او امتيازاتها.
 ملحقات العرض من ديكور واكسسوارات وازياء، مدروسة بعناية، بهذا الديكور البسيط، الذي اعطى الممثلين فضاءا مريحا للحركة،والازياء التي تعطي دلالات عن الشخصية، وبالطبع كان الاداء حاضرا بقوة، اعطى المسرحية ايقاعا خلق حالة من التواصل مع الخشبة طوال العرض، ويظهر الفنان" خالد المصو" بخبرته، وقدرته على توظيف ادواته الادائية،والفهم العميق للشخصية، بانفعالاتها وحركتها، ونطقها.
والفنانة" اميرة حبش"، ممثلة ذكية،تمتلك ادوات التمثيل والاداء الخارجي والداخلي، وذات حضور وحيوية على المسرح،وقدرة على تلوين الشخصية، وان كانت بحاجة الى حالة من الاسترخاء اكثر في بداية دخولها، لان الشخصية تحتاج بعض الخبث والدهاء.
الشاب" سليم النبالي"، طاقة ملفتة للنظر،بقدرته على تجسيد الشخصية بعفوية،وله مستقبله في عالم الدراما.
مسرحية"كلب الست"،ترصد همجية واطماع الاخر،ووحشية السلطة بكافة صورها،في عمل متماسك،فهدا البيت هو "الوطن"، وهو هنا"فلسطين"،قام المخرج بتوظيف كل عناصر العرض،الذي حمل رسائل مؤثرة، يحملها المتلقي معه وهو خارج من المسرح.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون