ندوة سؤال الجمالية في الفيلم الإفريقي في المهرجان الدولي للسينما بخريبكة.
2024 ,17 أيار
صوت العرب:خريبكة – المغرب.
تمحورت الندوة الرئيسية للدورة الـ24 من المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة حول “قضية الجمالية في السينما الإفريقية”، ومدى ارتباطها برهانات العصر الحالي، حيث ترفع التظاهرة التي تتواصل فعالياتها إلى غاية 18 ماي الجاري شعار “السينما الإفريقية.. جمالية تسائل عصرها”.
وفي هذا السياق، قارب سينمائيون ونقاد وأساتذة جامعيون، يوم  الأحد 12 ماي 2024 بخريبكة، في ندوة أدارها الناقد السينمائي بوشتى فرقزايد، التمظهرات الجمالية في السينما الإفريقية، عبر مفهوم الاستيتيقا والجمال في الفن، انطلاقا من الموروث الفلسفي والفني وبعض الدراسات التي تناولت مكونات الجمال والعناصر المكونة للفيلم، والتي تمنحه صفة الجمال كالصورة بحركاتها وإيقاعاتها الجمالية والمونتاج واللقطات الفيلمية وزوايا التصوير والإضاءة والألوان والحوار وأداء الممثلين وعناصر أخرى لا يمكن تصور الفيلم بدونها.
وأجمعوا على ضرورة الانزياح عن مركزية السينما الاستعمارية والتنزه عنها، مسجلين في هذا الاتجاه الحاجة إلى “انتزاع الذات الإفريقية من سينما استلبتها واستباحتها لعقود، وهي السينما الغربية”.
وأبرزوا، في هذا الصدد، أهمية الأرشيف السينمائي في تجدد الوصل الإبداعي مع “الذات الإفريقية”، وتسليط الضوء على أصالة الشعوب، مشيرين إلى أنه كان لزاما على السينما الإفريقية أن تبدع في ما مضى، داخل شكل وقالب فني أنتجه المستعمر، مع ضرورة إبراز التعبيرات الشفهية الإفريقية كخزان لهذه السينما حتى تتقوى وتتطور في الوقت الراهن.
محمد امحفيظ: جمالية السينما تحمل معاني متعددة
أوضح الأستاذ بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، محمد امحفيظ، حيوية السينما الإفريقية التي “ترتسم بخريبكة”، لافتا إلى الضبط المفاهيمي لمفهوم الجمالية عند الروائي والسينمائي السنغالي عثمان صامبين، الذي أرسى “قواعده النبيلة التي تجعل من قيمة وجودة الأعمال السينمائيه محددين لقدرتها على الصمود”.
وسجل أن هذه الجمالية تحمل معاني متعددة، تتجلى أساسا في فكر المنظرين الذي يروج في الكتابات السينمائية ويجملونها في العناصر الخاصة بالصورة وتحدد جمالية الشكل الفني، على غرار الحركات، والإيقاعات، والمونتاج، والإيقاع الفيلمي، مع التركيز على الجوانب الجمالية الشكلية الأخرى من قبيل اللقطات، وزوايا التصوير، والإضاءة، والألوان، والموسيقى التصويرية، والحوار والسيناريو، وأداء الممثلين.
وبعدما استشهد في هذا الاتجاه بالجمالية ذات المبحثين النظري والفكري التي نشأت بين ثنايا الفلسفة، أضاف أن “الجمال بصفة عامة ينطوي على قضايا نظرية”، مبرزا صعوبة إيجاد جمالية موحدة بسبب العجز عن مقاربة الموضوع نظرا لاختلاف الحساسيات المترتبة عن مختلف الأنماط السينمائية الأوروبية، والإفريقية، والآسيوية، “لأجل ذلك تكمن الغاية في وصل المبحثين والتوليف بين النوعين”.
سيد فؤاد: جماليات الفيلم لا تقاس بالفلسفة أو بوسائط أخرى فقط
رئيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، سيد فؤاد، شدد في معرض حديثه عن الجمالية في السينما الإفريقية على أن نطلق على ما يصنع في إفريقيا سينمات إفريقيا لا سينما واحدة، فالسينما بهذا المعنى تختلف من دولة افريقية إلى أخرى، بل توجد سينمات داخل الدولة الواحدة.
ويرى سيد فؤاد أن جماليات الفيلم لا تقاس بالفلسفة أو بوسائط أخرى ولكن بالسينما ذاتها فكل لقطة تبدو قبيحة قد تصل إلى المتلقي وهي تحمل مقومات الجمال وضرب أمثلة  بمدارس سينمائية إفريقية، تتميز بتنوع جمالياتها واختلاف طرائق مخرجيها، فجمالية الحكي في فيلم “تومبكتو” المالي تختلف عن جمالية الصورة عند عبد الرحمن سيسيكو، الذي يميل إلى الشاعرية وتختلف عن جماليات يوسف شاهين في فيلمه “المصير”…
وربط فؤاد الجمال بعناصر متنوعة كالمحتوى والمتلقي واللقطة السينمائية وأنواعها والسرد والحكي والإيقاع والحالة النفسية والغناء وشريط الصوت وغيرها وللمزيد من التوضيح قدم نماذج  للجماليات في الغناء الإفريقي والأزياء وغيرها.
عزة الحسيني: الجمال في السينما الإفريقية فردي وخاص.
بدورها تساءلت مديرة مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، عزة الحسيني، عن مدى تمظهر التأسيس الفلسفي لعلم الجمال في الفيلم الإفريقي انطلاقا من تراكمات معينة في مجال السينما، وبناء على بنية سينمائية تحتية في الدول الإفريقية واعتبرت مصطلح ما يسمى بالسينما الإفريقية غير دقيق، إذ ليس هناك صناعة سينمائية إفريقية متميزة أو مهن سينمائية متميزة في الإنتاج، وميزت بين سينما الرجل الأبيض وسينما الإفريقي وسينما الأسيوي، انطلاقا من البحث عن الهوية والحفاظ على الثقافة، فالفيلم الإفريقي إذن يصنعه مخرج إفريقي وفي ذهنه فكرة التحرر والهوية ومعاناة الإنسان من القهر وإلزامية تحدي الأوضاع السياسية والنظرة الهوليوودية.
وخلصت المتحدثة إلى أن الجمال في السينما الإفريقية فردي خصوصي متفرد كتفرد المخرجين وتفرد اللغة السينمائية وطريقة الحكي والتراث الشفهي والموسيقى الإفريقي، وأخيرا فالجمال عندها إحساس بأن الفيلم الإفريقي قريب من المتلقي الإفريقي.
بادو نداي: على السينما أن توظف جمالية الصورة لخدمة المجتمع
الأستاذ بقسم الفلسفة بجامعة أنتا ديوب بالسنغال، بادو نداي، أكد أن كتابات الروائي والسينمائي السنغالي عثمان صامبين، استبقت الثقافة التكنولوجية، وتوسلت في المقام الأول بالكتابة باللغات المحلية أولا، كتمرين بيداغوجي، ثم بالصورة ثانيا عبر السينما، والتسليم بقدرتها في إيصال فكرة رئيسية تتجلى في الكفاح ضد المستعمر.
وأشار إلى أن أبرز أعمال عثمان صامبين توظف جمالية الصورة للتعبير عن الواقعية، كما أن انتقاله من الكتابة الروائية إلى السينما كان لأسباب بيداغوجية، منها صراع الشعوب وزرع الوعي الجمعي/ الجماعي فالتحول من الكتابة إلى الصورة يتوجه بهذا المعنى إلى العالم كله لا إفريقيا وحدها، أي أنه يوظف جمالية الصورة في خدمة المجتمع.
وتحدث نداي عن لبس الصورة عند أفلاطون التي كانت تحاكم الكتابة لإبراز مزاياها وسلبياتها، بخلاف سقراط الذي اعتبرها وسيله للدعاية من أجل التحكم في الشعوب وجعل الصورة وسيلة لتعميم الثقافة. ولم تغب عن عثمان صامبين هذه الفكرة حين استجاب لإلحاح الصورة وحتمية السياسة.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون