التاريخ الأرشيفي لتطوان المتوسطي العريق بأجواء الدورة الــ ٢٩ .
2024 ,02 أيار
د. أمــل الجمل: صوت العرب -تطوان المغرب.
في طريقي - لحضور فعاليات الدورة ال٢٩ من مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط  - وأثناء رحلتي من مصر إلي المغرب التي استغرقت نحو ست ساعات بالطائرة أخذت أتأمل مسار تحرك الطائرة مندهشة لطول الرحلة.. الدهشة مصدرها أن الطائرة أخذت تجتاز البحر المتوسط، تعبر فوق اليونان والعديد من الجزر ثم تواصل طريقها للعبور فوق أسبانيا والعديد من الجزر أيضاً قبل أن تُعاود الدخول إلي الأراضي المغربية. 
هذا الخط المتعرج شديد اللف والدوران للرحلة استغرق زمناً أطول، كان المنطقي برأيي أن تسير الطائرة في  خط شبه مستقيم فتعبر فوق الأراضي الليبية وربما التونسية والأكيد أنها ستعبر فوق الأجواء الجزائرية، لكن هذا لم يحدث، لماذا؟ تساءلت بدهشة؟ وجاءني الرد بسبب الخلافات والاختلافات السياسية.. أساسا بين المغرب والجزائر. 
 
السينما تُقرب البشر وتُحطم بينهم الحواجز التي تخلقها ونصبها وتؤجهها السياسة .. راودني هذا الشعور وأنا أدور في قاعة المعرض الاستعادي الذي أقامه منظمو مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط على هامش فعاليات الدورة ال٢٩ الممتدة بين ٢٧ أبريل و٤ مايو الجاري. ففي عام ١٩٩٠ أقيم الأسبوع السينمائى الجزائري الأول بتطوان .. لا أدري هل كان هناك أسابيع آخرى أم لا؟ لابد أن أسأل المنظمين، لكن المؤكد أن الإخوة المغاربة يشاهدون أفلاماً من بلد المليون شهيد، وكذلك يفعل الجزائريون مع أهل المغرب الشقيق. 
بهذا المعرض أيضاً ستجد - ووفق تعريف المنظمون أنفسهم - «مجموعة من البورتريهات الفردية والجماعية إذ يسلط الضوء من خلال بعض الأمكنة أو الحركات أو الأوضاع أو الأجواء أو المشاعر على ما يزال فيما يبدو لنا مؤثرا أو ممارساً، لكن في أغلب الأحيان دون قصد من الشخص المُصَّور المُصِّور وآلة التصوير..» 
الحقيقة أن هناك لقطة لفاروق حسني - وزير الثقافة السابق - وخلفه أنيس منصور جعلتني أفكر: كأن هناك عمدية متوارية في اللقطة، عمدية شديدة الذكاء والفنية، لكن تأملها مجدداً يشي بمهارة المصور الذي اقتنص اللحظة. إضافة لما سبق وضمن 15 لوحة يضمها المعرض الاستعادي «يطالعنا جزء خاص بـ«الفراغ» مؤطر كما لو كان صورة عادية ويُحيل على الصور (شرائط الصوت) الغائبة، وكل شذرة مؤطرة تمثل تعليقا مختصرا يهم تفصيلا هامشياً مقتنصاً هنا وهناك، بين الحقل وخارج الحقل، وصوراً شُوهدت وأُعيد مشاهدتها وأخرى ضاعت إلى الأبد..» 
بصفتي مصرية تعتز ببلدها كثيراً وبتاريخها الحضاري العريق وبصناعة السينما في بلدي التي تتفرد بها في المنطقة العربية - رغم أي ظروف معاكسة في الوقت الحالي - ظللت أنقب عن كل ما هو مصري، فوجدت ضمن المعرض أفيشاً عن الاحتفاء بالسينما المصرية منذ مولد المهرجان التطواني العريق حيث صورة الفنان نور الشريف تصاحب عرض مختارات من السينما المصرية على مدار أربعة أيام نوفمبر ١٩٨٧ والتي اختتمت بمائدة مستديرة حول السينما والأدب .. السينما المصرية نموذجاً.. - ثم  في عام ١٩٩٢ تم تنظيم أسبوع السينما المصرية الجديدة في ثلاثة مدن مغربية: فاس وتطوان والرباط .. هذا - إلي جانب الحضور المصري المكثف لأبرز نجوم ونجمات ومخرجي السينما للمصرية ومثقفيها مما يكشف التناقض الحالي بغياب ملحوظ للسينما المصرية. 
 هناك أيضاً بوسترات لأسابيع آخرى تشي بالنشاط السينمائى الثقافي للمدينة التاريخية المتفردة بمعمارها فهناك: أسبوع للسينما الإيطالية - أسبوع للسينما البرتغالية - أسبوع السينما السويدية - وأسبوع آخر للسينما السورية وذلك في إطار أيام الثقافة السورية المغربية نظمته جمعية أصدقاء السينما - أيام الفيلم المغربي - احتفاء ونقاشات على مدار أربعة أيام حول الرواية العربية والسينما - الأسبوع السينمائي التونسي - أسبوع للسينما البلجيكية - الأسبوع السينمائي السوفيتي الثاني ١٩٨٨ - الأسبوع السينمائى الكندي ١٩٨٨ - ثلاثة أيام لعروض بعنوان: روائع الأفلام الحديثة.
المعرض يُوثق لاشك لحظات من زخم النشاط السينمائى في تلك المدينة الجميلة ويحمل إلينا «تفاصيل هامشية تشكل نوعا من كيمياء الأرشيف «الممتلئة» والمتجانسة، وفي الوقت نفسه للمقابلة والمتوازية، وهى نفسها تنبثق من قلب ثالوث المدينة والصور الفوتوغرافية والذكريات» 
الأجمل أن المعرض مصحوب بأربعة توضيحات بعضها يمكن اعتباره نصوصاً أدبية أنيقة دون أن تحمل توقيعاً إذ تصف الذكريات بتلك اللقطات بأنها «جزئياً ذكرياتنا استقيناها، من «رواد» هذا الحلم العريض الذي يُحركه حب السينما، بأسمائه المتعددة: نادي السينما وشمه 1976 والملتقيات السينمائية 1985 ، ومهرجان تطوان السينمائي ١٩٨٧ الخارج من رحم النادي والملتقيات. يحضر ثالوث المدينة والصور والذكريات هناك حيث كل شيء يتفاعل ضمن ثنائيات من قبيل الذاكرة والنسيان، والكلام والصمت، والأوضاع والصور اللحظية، التي تتكشف كل مرة كنتيجة ومحرك وأثر وسبب لنظرات (لحظات انصات) منفتحة، تسهم في تأجيج الرغبة في تجديد اللقاء في الحاضر وتبادل الانصات والنظر من جديد، ضمن محاولة لخلق أرشيف، يظل طبعا أياً كان الاسم الذي يحمله، غير مكتمل. 
رغم ملاحظاتنا النقدية - بمقال آخر سابق- علي بعض تفاصيل المعرض الاستعادي المُقام على هامش الدورة التاسعة والعشرين من مهرجان تطوان لكنه دون شك مجهود محمود من المنظمين، إذ يعبر هذا الحضور، أقصد «حضور النجوم المصريين، وأولائك القادمين من الضفة الشمالية مثل: كلوديا كاردينالي وجان بركين وأنييس فاردا  (١٩٢٨- ٢٠١٩) عن الرهان المتواصل لمهرجان لا ينفك يمد الجسور، ويمزج بين السينما - الفيلم - المدينة - الجهة - البلد - البحر الأبيض.»
يأتي المعرض الاستعادي مؤكداً علي هوية المهرجان التطواني العريق، مؤكداً على خياراته ورهاناته، هذا بشهادة والتفاف الجمهور المغربي والمبدعين والنقاد المغاربة، بشهادة المبدعين من كافة أنحاء العالم الذين قبلوا المشاركة بحب وسعادة عبر دوراته التسع والعشرين، بشكل أدق ووفق كلمات منظميه: «ففي أوروبا تعبر الظاهرة عن نفسها فيما يسمى «أزمة هوية» بين الاحتفالي والإبداعي أو أفلام الجمهور العريض وأفلام الفن والتجريب. أما في تطوان فإن هناك وعياً متنامياً ينطوي على رؤية رحبة تتجاوز كل رؤية ثنائية، ذلك أن الطابع الاستعجالي والمعقد والمتعدد للقضايا الاقتصادية والثقافية والفنية يجعلها أكثر فأكثر ارتباطا بتنمية بشرية منظور إليها ضمن «إيكولوجيا» متوسطية - أي ضمن العلاقة بين البيئة الطبيعية والإنسان - بل وعالمية ومحلية ومعولمة، حيث لا انفصال في هذه الحالة، بين الذاكرة  - الذاكرات، والتاريخ - التواريخ، والبلد والمدينة - المدن، والقارة - القارات، والسينما - السينمات.»  
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون