صُحار العُمانية بقلعتها الشَّامخة تتزين في مهرجان الباطنة الدُّولي للسَّينما.
2022 ,21 تشرين الثاني
علي باقر:صوت العرب - البحرين .
   لبست قلعة صُحار التاريخية حلَّتها ليلاً وزادنت بجمال ألوانها و توشحت بالإضاءة الصَّفراء و الحمراء وصدحت بالموسيقى التي تعزف حيّةً من قبل فنانين عمانين موهوبين ، وهي تستقبل الفنانين السينمائيين و المسرحيين و الإعلاميين الضيوف و الجماهير العُمانية العاشقين للفنون الذين وتوافدوا عليها ليشهدوا عرس ولاية صُحار الفنِّي الذي يتزامن مع أفراح الشَّعب العُماني الأصيل ابتهاجاً بقرب بذكرى العيد الوطني في سلطنة عُمان الثاني والخمسين الذي يصادف 18 من شهر نوفمبر من كل عام  . لذا أرى أن قلعة صُحار الشامخة أصرت بان تتوشح مساء يوم السبت الموافق 12 نوفمبر 2022 لتظهر زينتها في عيون وفكر المخرجين والفنانين العُمانيين والضيوف و الجمهور الذين توافد عليها ليشهدوا افتتاح مهرجان الباطنة السَّينمائي الدُّولي الذي تنظمه الجمعية العُمانية للسينما و المسرح خلال الفترة من 12 وحتى 15 من نوفمبر 2022 تحت رعاية كريمة من سعادة الشيخ محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال بالباطنة .
 وما أروع أن أشهد بعيني وفكري روعة الإعداد وفنون الاستقبال في ذلك المساء والاحتفاء بالفنانين والضيوف وأرى التَّناغم الجميل في الألوان والموسيقى والفرحة التي ترتسم على وجوههم ووقع عدسات الإعلاميين الذين جمعوا حلماً فنياً لذكرى انطلاقة هذا المهرجان الحالم بأقكارالفنانين و توهج الشَّاشة البيضاء بمشاهد فنهم السابع السينمائي والإبحار في مكنون دواخل قضاياهم وتأزماتهم وخيالهم من خلال الكاميرا ولغتها المؤثرة و المشوقة. 
   كان الافتتاح جميلا فقد حضره راعي المهرجان سعادة محمد بن سليمان الكندي محافظ شمال الباطنة وسعادة عبدالله بن سعود العنزي سفير المملكة العربية السعودية المعتمد لدى سلطنة عُمان وعدد من المسئولين و الفنانين والضيوف و المخرجين وعاشقي مشاهدة الأفلام .
  حفل الافتتاح تناسب مع الموقع الجميل الذي يربط الإنسان العُماني بتاريخ بلده ويُعرف الجمهور على هذا التاريخ والسياحة الجميلة في سلطنة عُمان التي تجمع بين زهو تاريخها الحضاري التليد و جمال السياحة فيها. فكان الفيلم الذي عُرِضَ ليلة الافتتاح يفتننا بمشاهد السياحة فيها والقراءة لتأريخها و إن اقتصر على ولاية صُحار إلا أنه يدعو أيضاً للإطلاع على سائر معالمِ سلطنة عُمان التأريخية وجمال تضاريسها وواحاتها الخضراء وشواطئها. 
  فجاء الفيلم يحكي تاريخ البَحَّارة العُمانيين وتاريخ صناعتهم للسفن ومناجم الحديد و النُّحاس ودور الصُحاريين كما غيرهم من العُمانيين عبر تاريخهم وحاضرهم في سائر الولايات العمانية في التِّجارة و الزِّراعة.
  استعرض عريف الحفل المذيع أحمد البريكي جمال الإبداع الإنساني الذي بني و شيَّد والذي سجل لحظاته الجميلة عبر أزمنته وفروسيته وحكاياته و قضاياه وتأزماته بسحر خياله وأنغام إيقاعاته من خلال الكاميرا و رافقته الفنانة العُمانية ملوك النُّوفلية عازفة التشيلو بالعزف على الآلة الموسيقية أحلى الألحان لتتناغم مع كلمات المذيع الشاعرية المتناثرة الصادحة في فناء القلعة هذا التَّناغم الجميل الذي يحمل التَّجديد في الإلقاء شُغِف به الجمهور الكبير الذي حضر حفل الافتتاح.
 في حفل الافتتاح كرم راعي المهرجان لجنتا التَّحكيم للأفلام السينمائية ، فكانت أولى المكرمات سيدةَ الشاشةِ العُمانية الفنانةَ فخرية خميس رئيسة لجنة الأفلام الروائية من سلطنة عُمان و عضوي اللجنة الدكتور حسين أميري من دولة الإمارات العربية المتحدة و الفنانة جيهان كمال من المملكة المغربية ومن المكرمين أيضاً الدكتور مسفر آل الموسى من المملكة العربية السعودية رئيس لجنة التحكيم للأفلام الوثائقية. مع عضويهِ الفنانينِ صلاح الحضرمي وسليمان الخليلي من سلطنة عُمان.
   ثم كرم راعي الحفل سعادة محافظ شمال الباطنة إيضاً مجموعة من الفنَّانين السَّينمائيين العُمانيين الذين لهم بصمات واضحة في المسيرة الفنِّية بسلطنة عمان تقديراً لجهودهم في إنتاج الأعمال المسرحية السَّينمائية و المسرحية الذين تشهد لهم الساحة الفنية بالإنجازات الفنية.
   منهم الفنَّان صالح زعل، الفنَّانة فخرية خميس، الفنَّان محمد نور، الفنَّان إبراهيم الزدجالي، الفنانة مريم المعمرية ، الفنان يوسف البلوشي، الفنان إبراهيم البلوشي، الفنان أحمد العويني، الفنانة نعيمة البلوشية، السَّينمائي عبدالله حبيب ، الفنان فارس البلوشي، المخرج مصطفى عادل، المخرج يوسف عبدالرحمن البلوشي، المخرج خالد الضَّوياني، والمخرج محمد بن خميس المعمري. 
 وفي ختتام حفل الافتتاح تم عرض الفيلم الوثائقي الجميل الذي أخرجه الفنَّان السَّينمائي محمد العجمي مدير المهرجان عن الآلة الخشبية المبتكرة آنذاك التيتسمى " المنجور " و التي كانت تستخدم في سلطنة عُمان قديما لسحب المياة من باطن الأرض قبل صناعة المضخات النفطية والكهربائية في الوقت الحاضر والتي تشهد تعاون بين الأفراد في تحريكها في مشاهد جميلة أظهرت من خلال حماس أفرادها فن ( الزَّمط ) الذي أصح سمة من سمات الفنون الشعبية في مجمل المناطق الشاسعة المحاذي لساحل الباطنة.
  وقد صرَّحَ الفنان محمد بن عبدالله العجمي مدير مهرجان في كلمته للحاضرين : أن تنظيم مهرجان الباطنة السَّينمائي الدُّولي للأفلام القصيرة في دورته الأولى ينطلق في صُحار أيماناً من فناني السَّينما أعضاء الجمعية العُمانية للسينما والمسرح ودورهم في نَشر ثقافة صناعة الأفلام السَّينمائية بين العمانيين في معظم الولايات العُمانية من خلال أقامة المهرجانات السَّينمائية لإيجاد البيئة الجاذبة لصنَّاع الأفلام السَّينمائية القادرة على التَّفاعل مع القضايا المجتمعية وذلك من خلال استضافة المهتمين صنَّاع السَّينما من مختلف دول العالم بهدف إثراء السينما العُمانية و الارتقاء بها و بمشاركتها حتى تتشكَّل حالة سينمائية مميزة من خلال تبادل الأفكار والثَّقافات.
  وأردف قائلا: " تشارك في منافسة هذا المهرجان ثلاثة عشر دولة عربية .. وهم دولة الإمارات و السعودية  و البحرين و تونس و المغرب و مصر و إيران و موريتانيا و الجزائر و بنجلادش إضافة إلى ذلك أفلام سينمائية من سلطنة عمان ويبلغ عدد الأفلام التي تأهلت للمنافسة إحد عشر فيلماً وثائقياً و سبعة أفلام وثائقية تدور حول علاقة الإنسان العُماني مع البحر وعشرون فيلماً روائياً وستعرض الأفلام المتنافسة للجمهور في عدد من صالات العرض السينمائي بولاية صُحار وضمن فعاليات برنامج المهرجان ستعقد جلسات حوارية و حلقات تدريبية 
  وأثناء تواجدي في اليومين الأولين للمهرجان ،تابعت النَّدوة الحوارية الإثرائية الثَّقافية للسينما في الخليج بجامعة صُحار قدَّمها الدكتور مسفر آل الموسى من المملكة العربية السعودية وحاورته المذيعة العُمانية الدُّكتورة جنان آل عيسى بمداخلاتها الإثرائية وقد دار الحوار حول " بدايات السَّينما في المملكة العربية السعودية ".
  جاء في مجمل طرحه أن بدايات السينما كانت في الثلاثينات من القرن الماضي عن طريق الجاليات الغربية التي أنشأت شاشات عرض في مجتمعاتهم السكنية هدفها متابعة الأفلام الأمريكية و الأوربية في شركة كاليفورنيا العربية التي سميت بعد ذلك بأرامكو وأما بداية الإنتاج السينمائي يرجع إلى سنة 1950 فيها بفيلم " الذُّباب " من بطولة فنانين سعوديين الممثل السعودي حسن الغانم الذي يعدُّ أول ممثل سعودي وكان الهدف من إنتاجه التَّوعية المجتمع السعودي بمخاطر الذباب ، ثم تكونت حارة السينما وخصوصيتها داخل التَّجمعات السكنية للأجانب منها: أهل العاصمة الرياض داخل حي " المُربّع " فالأجانب بدأوا ينصبون شاشات العرض داخل كل مُربع سكني ثم فتح أول حوش لعرض الأفلام السينمائية في المدينة المنورة وبعد ذلك لحقتها مدينة جدة في حارة الجماجمة من فؤاد جمجوم و كبار أهل جدة يتذكرون الأفلام الأوربية والهندية والامريكية في فترة الخمسينيات.
   عادة ما كانت الطبقات البسيطة تتسابق لمشاهدة الأفلام في أحواش السينما وانتشرت أحواش السينما فدخلت الأفلام المصرية التي أثارت خيال المشاهدين والتأثر بها حتى تم استأجارها من المحلات المخصصة لذلك. 
  في بدايات السينما لم يكن هناك ترخيص رسمي ولكن تأتي شرعيتها في انتشارها في المدن السعودية و مشاركة كبار العائلات السعودية ، ثم انتشرت بين عام 1977 وحتى 1983 وبعد ذلك فرضت الرَّقابة على الأفلام ومُنِعت الأفلام غير المسموح بها و سُنَّت القوانين للعروض السَّينمائية . أما الآن فتشهد الساحة الفنية في المملكة العربية السعودية حراكاً فنياً من الشَّباب الموهوب جديراً بالاهتمام مما زاد في مشاركة السينمائين السعوديين في مهرجانات السَّينما في  الوطن العربي.
 في الليلة الثانية من الافتتاح عرضت الصالة الثانية بسينما مجمع صُحار عدد كبير من الأفلام القصيرة المتنافسة بنوعيها الروائي والتوثيقي بحضور عدد كبير المخرجين و المهتمين و الضيوف ومن عشاق السينما في المجتمع العماني.
وعلى هامش المهرجان عرض الفيلم الروائي الطويل الإماراتي " شَّبح " لضيف المهرجان المخرج الفنان السينمائي عامر سالمين من دولة الإمارات العربية المتحدة واستطاع المخرج بخياله وتشويقه من معالجة الخلاف حول الهيمنة على الإرث الذي تكاد أن تتصدع به الأسر نتيجة الأطماع من القوي المتسيدة في الأسرة التي عادة ما نجدها تخطط بأفكارها للسيطرة على أفراد أسرهم بمشاريع تحقق لهم الاستفادة دون بقية الورثة إلا أن المخرج أحاك مطاردة الأشباح المرعبين لهم بخياله الفنتازي ليجعلهم جميعا يفكرون بعقلانية ليكون بيت العائلة كله مشروعا استثماريا تستفيد منه الأسرة كلها نتيجة الخوف من سلطة وهمية ارتسمت في عقولهم " الشبح " وقدرتهم على تحطيم حياتهم وتنغيصها . هذا الخيال له تأويله وهو أن نخاف من المهيمن القادر على كل شي خالقنا سبحانه الذي يبعدنا عن شرور أنفسنا.
وقد حضر الفنان حميد بن سعيد المعمري رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية للسينما و المسرح رئيس مهرجان الباطنة الدولي للسينما والمسرح بعد عودته من مهرجان السينما والبحر بميراللفت في سيدي افني بالمملكة المغربية ليشهد حفل الاختتام . 
وكانت النتائج كالتالي : حصدت جائزة لجنة التحكيم للأفلام الوثائقية  القصيرة فيلم " حواديت ايكنجي " لمخرجته مروة الشَّرقاوي من جمهورية مصر العربية. أما أفلام مسابقة الإنسان وعلاقته بالبحر " حصل على الجائزة فيلم " لن تغوص وحيداً " للمخرج العماني فهد الميمني كما حصل على جائزة الجمهور لأفضل فيلم في مهرجان فيلم " إيقاع من الحياة " لمخرجته العمانية جواهر بنت ناصر الخروصية.
  وخلال حفل الختام تمَّ تقديم عرض بانورامي للقطات من الأفلام المشاركة ولكواليس المهرجان على مدار خمسة أيام متواصلة ، كما كُرِمَ عدد كبير من الضيوف المتعاونين في إنجاح المهرجان منهم الصَّحفي الدكتور محمد سعد لدوره في التغطية الإعلامية و المخرج هيثم سليمان للورشة " نحو سيناريو فيلم مذهل " ، كما كرمت إدارة المهرجان فرقة الدُّن للثقافة والفن لحصولها على جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب للعام 2022م.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون