غدا الثلاثاء:لجنة السينما /شومان تعرض الفيلم التركي "حلم الفراشة" .
2024 ,23 أيلول
صوت العرب:الاردن.
ضمن عروضها الأسبوعية المنتظمة، تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، يوم غد الثلاثاء 24/9/2024، الفيلم التركي "حلم الفراشة" ، للمخرج يلمظ أردوغان، وذلك في مقر المؤسسة بجبل عمان، الساعة السادسة والنصف مساء بقاعة السينما،.
يعدّ فيلم "حلم الفراشة" للمخرج يلمظ أردوغان أحد أهمّ الأفلام التركيّة في العقد الأخير. هذا الفيلم الّذي أطلق في عام 2013 يأخذنا في رحلة تاريخيّة إلى تركيّا في فترة الأربعينات خلال الحرب العالميّة الثانية، مستعرضًا قصّة شاعرين يكافحان المرض والفقر وتعقيدات الفروق الطبقيّة من أجل البقاء وتحقيق سعاداتهما البسيطة وسط ظروف قاسية، مع نظرة في علاقتهما العميقة بمعلّمهما.
مظفّر وروشتو شاعران عشرينيّان يتتلمذان على يد من سيكون من أهمّ شعراء تركيّا مستقبلًا، يدخلان في مغامرة حبّ، تبدأ مع فتاة هي مصدر إلهام مشترك للقصائد في مثلّث يختلط فيه الحبّ بالصداقة، ويصنعان مسرحيّة لا غاية لها سوى تطوير علاقتهما بالفتاة، لكنّ اشتداد مرض السلّ الذي يصيب كليهما على روشتو يضطرّه إلى الرحيل إلى مركز علاجيّ، حيث يقابل فتاة أخرى تكون مصدر إلهامه، ثمّ نتيجة مغامرة غير محسوبة بين مظفّر والفتاة التي تنتمي لطبقة عليا في المجتمع تسوء حالته الصحّيّة ويلحق بروشتو. في هذه القصّة يتداخل المرض بالفقر في تلك الفترة ما يذكّر الجمهور العربيّ ببدر شاكر السيّاب ومعاناته. 
يلمظ أردوغان من أبرز المخرجين، وكتّاب سيناريو في تركيّا الحديثة، ويأتي "حلم الفراشة" تتويجًا لمسيرته الفنّيّة. لقد جمع الفيلم بين الخبرة العميقة في السرد السينمائيّ والرؤية الفنّيّة المتقدّمة والعاطفة الشخصيّة تجاه الشعر، ممّا يجعله واحدًا من أفضل أعماله. ينظر النقّاد إلى الفيلم بوصفه نقلة نوعيّة في مسيرة أردوغان، إذ إنّه يجمع بين البراعة الشعريّة والتقنيّة السينمائيّة العالية، ممّا أكسبه مكانة مميّزة بين أفلامه السابقة. الفيلم يقف في منطقة وسيطة بين الإنتاج التجاريّ الضخم والفيلم الفنّيّ. 
الأداء التمثيليّ في "حلم الفراشة" يستحقّ الإشادة الكبيرة. قدّم كيفانش تاتليتوغ وميرت فرات أداء مذهلًا في دوريّ الشاعرين. تاتليتوغ، المعروف بوسامته وأدواره الرومانسيّة، استطاع تجسيد شخصيّة الشاعر المرهف بمهارة، بينما قدّم فرات عمقًا عاطفيًّا كبيرًا لشخصيّته، ممّا أضفى على الفيلم ثقلًا دراميًّا كبيرًا. 
كتابة السيناريو كانت إحدى نقاط القوّة الرئيسة في الفيلم. أردوغان، الّذي كتب السيناريو بنفسه، نجح في نقل مشاعر وأفكار الشاعرين بطريقة شعريّة وفلسفيّة، فهو أيضًا يكتب الشعر، ويبدو أنّ هذا من أسباب اكتساب القصّة الحقيقية أهمّيّة كبيرة عنده، وقدرته على تجاوز صعوبات سردها. الحوار كان ذكيًّا وعميقًا، حيث دمج بين الشعر والنثر بسلاسة، ممّا جعل الفيلم يشبه القصيدة البصريّة. الجملة التي أتت على لسان إحدى الشخصيّات الداعمة في الفيلم (مديحة) لزوجها الشاعر روشتو "إنّك تقول أشياء كئيبة جدًّا بشكل جميل" يمكن أن تقال للمخرج في كلّ جوانب الفيلم. 
من الجدير بالذكر أنّ كتابة سيناريو معاصر يدور حول الشعر في تركيّا في زمن سابق فيه تحدّ كبير جدًّا، فاللغة التركيّة فرضت عليها السياسة التغيّر بصورة متسارعة جدًّا، لدرجة أنّ خطاب الزعيم التركيّ مصطفى كمال أتاتورك ترجم خلال أقلّ من 80 سنة أكثر من خمس مرّات من التركيّة إلى التركيّة الأحدث. لذلك، فإنّ قدرة يلمظ أردوغان على أن ينتج فيلمًا مفهومًا حول الشعر في زمن سابق أمر يستحقّ الإعجاب. 
التصوير السينمائيّ الّذي أشرف عليه جوكهان تيريياكي كان من أبرز ما يميّز الفيلم. تيريياكي استطاع أن يخلق لوحات فنّيّة بصريّة من خلال زوايا التصوير والإضاءة، ممّا أضفى على الفيلم جماليّة خاصّة. المناظر الطبيعيّة والتفاصيل التاريخيّة كانت دقيقة للغاية، ممّا ساعد في نقل الجمهور إلى تركيّا في فترة الأربعينات بواقعيّة تامّة. 
الإنتاج الضخم للفيلم كان علامة فارقة في السينما التركيّة. الفيلم، الّذي يعدّ أغلى إنتاج في تاريخ تركيّا حتّى الآن، واجه العديد من التحدّيات، خاصّة في إعادة بناء البيئة التاريخيّة واستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الشاشة الخضراء. هذه الجهود أثمرت عن إنتاج فيلم ذو جودة عالية ينافس الأفلام العالميّة.
"حلم الفراشة" هو أكثر من مجرّد فيلم؛ إنّه قصيدة سينمائيّة، على كآبتها الشديدة، تعكس جمال الأدب والشعر التركيّ في فترة تاريخيّة مضطربة. أداء الممثّلين المتميّز، والسيناريو الذكيّ، والتصوير السينمائيّ الرائع، والموسيقا المعبّرة، كلّ هذه العناصر اجتمعت لتخلق تجربة سينمائيّة فريدة من نوعها. يلمظ أردوغان استطاع من خلال هذا الفيلم أن يثبت مجدّدًا أنّه من أبرز المخرجين في تركيّا، بل وقد يكون شاعرًا مهمًّا أيضًا، مقدّمًا للجمهور عملًا فنّيًّا يستحقّ المشاهدة والتقدير.
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون