غدا الثلاثاء:لجنة السينما في مؤسسة شومان تعرض الفيلم الهندي"قالا".
2023 ,16 أيار
صوت العرب: الاردن.
ضمن العروض الاسبوعية المنتظمة، تعرض لجنة السينما في مؤسسة شومان الفيلم الهندي"قالا"، للمخرج" أنفينْتا دوت".حيث تعاني المغنّية (قالا) الّتي تلعب دورها الممثلة الصاعدة (تريبتي ديمري) مع ماضيها، ومع أمّها النرجسيّة في الزمنين الماضي والحاضر، ومع الثقافة الذكوريّة الّتي تهتمّ بالذكور الموتى أكثر من الإناث الأحياء، وتمرّ في مرحلة نفسيّة حرجة جدًّا. يحكي الفيلم قصّة وصولها إلى هذه الحال في سرد غير خطّيّ يراوح بين الماضي والحاضر.
تولد قالا مع أخ توأم ذكر ميّت، وتتلقّى اللوم من أمّها على موت أخيها أثناء الحمل، وتعيش طفولة أليمة في أسرة مكوّنة منها ومن الأم الّتي تحمل شعلة تراث موسيقيّ عريق للعائلة، محاوِلةً الارتقاء إلى ما تتطلّبه أمّها منها رغم أنّها _ في الوقت نفسه_ لا ترى ابنتها جديرة به. تتلقّى تربية قاسية، وفوق ذلك تعاني من منافسة الشاب اليتيم الموهوب الّذي تتبنّاه الأمّ، وتقف في وجه إعجاب ابنتها به، ورغم أنّها تصل في النهاية إلى كلّ تمثيل مادّيّ لرغبتها بإرضاء أمّها، فهي تصل فاقدةً لروحها وصحّتها النفسيّة.
يمكن تصنيف الفيلم بسهولة ضمن مدرستين بصورة أساسيّة، المدرسة النفسيّة، والمدرسة الشكلانيّة، وهو مثال رائع على ما يمكن لأدوات السينما تحقيقه من خلال التكامل بين العناصر الفنّيّة مجتمعةً دون التقصير في أيّ جانب منها. على مستوى القصّة، نرى شخصيّات مرسومة بدقّة، ونرى أثر أصغر الأفعال على نفسيّة الإنسان، وكيف تؤثّر النوايا وراء الأفعال في طريقة استقبالها، وكيف يتحقّق الأذى البليغ بصورة غير مقصودة أحيانًا، ويجري التعبير عن هذه الدواخل بكوادر تحكي الحالة النفسيّة من خلال اللون والإضاءة والتصميم والمجازات البصريّة الّتي تُدخل الفيلم في المدرسة الشكلانيّة.
يقع الفيلم أيضا ضمن الأفلام الغنائيّة، إذ يحتوي موسيقا ساحرةً قريبةً إلى فنّ القوّالي الذي يشتهر به شمال القارّة الهنديّة في إقليم البنغال وفي باكستان على حدّ سواء. يصحب هذه الموسيقا شعر مغنّى يذكّر بما تختزنه الثقافة الهنديّة التقليديّة من شعريّة عالية، ربّما كان الشاعر الباكستاني محمد إقبال والشاعر الهندي طاغور نافذتنا إليها، حيث يحضر المجاز المتّصل بالقصّة في كلّ مقطوعة غنائيّة، ويجري استثماره قصصيًّا كما في القصّ الشرقيّ كلّه بما يذكّر بطريقة ألف ليلة وليلة في استثمار الشعر لصالح القصّ.
الجمال الموسيقيّ لا يقف عند الغناء الحيّ داخل الفيلم، بل ويستمرّ على طول الفيلم في الموسيقا التصويريّة، إذ تخصّص آلات معيّنة لتصاحب مشاعر الشخصيّات، ويبني الفيلم كونشيرتو بين هذه الآلات أثناء الحوار أو المواجهة بين الشخصيّات.
خيارات الإضاءة وتصميم الكوادر في الفيلم مذهلة، إذ تنفرد بطلة الفيلم بدرجة لونيّة خاصّة بها، تعبّر عن حالتها الشعوريّة، رغم وجودها في بيئة إضاءة مختلفة، وعندما يجتمع هذا مع الموسيقا المنبعثة من آلة قوسيّة متّصلة الصوت المخصّصة لشخصيّة قالا يظهر بوضوح كيف يمكن للسينما رسم أدقّ العواطف الإنسانيّة، وفوق هذا كلّه يأتي تمثيل تريبتي ديمري بطريقة مركّبة تصل حتّى أدقّ الملامح والتعابير الصوتيّة.
يتناول الفيلم قضايا مختلفة متّصلة، منها: الظلم الواقع على المرأة، والصحّة النفسيّة والأفكار الانتحاريّة، ومعاناة الموسيقيّين في عالم السينما، والأهمّ من ذلك كلّه "الأمّ النرجسيّة" والعلاقات المسمومة.
الفيلم من إنتاج شبكة نتفلكس لكنّه ينأى بنفسه عن كثير من الصور النمطيّة في إنتاجاتها، وهو فيلم هندي غنائي ينأى بنفسه عن النمطيّة في الأفلام الغنائية الهنديّة، وهو يقدّم وجوهًا جديدة على مستوى الفريق والممثلين، وهو الفيلم الأوّل لمخرجة صاعدة كانت تعمل في مجال الموسيقا لأفلام شهيرة منذ مدّة قريبة.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون