أحمد مجيدو.. ودورة التضامن مع فلسطين بدون شعارات في تطوان المتوسطي.
2024 ,12 أيار
د. أمــل الجمل :صوت العرب – المغرب.
جاء من ذلك الإقليم عند سفح الأطلس المتوسط، والذي يشتهر بالشلالات، بمهرجان الكرز «حب الملوك»، مثلما يشتهر بروح التسامح، ووجود للولي الصالح سيدي علي بوسرغين، ويتميز بتراثه الثقافي والثروة الطبيعية المحيطة به، يبعد 22 كم جنوب مدينة فاس الجميلة والعتيقة المشهورة بأصالتها وتراثها.. إنه إقليم صفرو الذي ولد ونشأ فيه أحمد مجيدو.
لطالما كنت أؤمن بالعلاقة الوثيقة والحبل السري الذي يربط الإنسان وبيئته، لذلك لدي قناعة بوجود هذا الرابط بين خيارات أحمد مجيدو وبين المكان الساحر الذي احتواه منذ مولده وطوال سنوات شبابه. أحمد مجيدو هو أستاذ بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتطوان، حيث يقوم بتدريس تاريخ الحضارات والأساليب المعمارية، لذلك لن يكون مستغرباً أن تجد كلماته ذات جرس موسيقى وشاعرية في بعض الأحيان. إنه أيضاً المدير التنفيذي لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، والذي يُشكل أحد أفراد فريق المهرجان، يعمل بهدوء وثقة، مرحباً بضيوفه، متواجداً بين أروقة هذه التظاهرة العريقة التي تُرسخ جذورها عميقاً عاما تلو الآخر، بإرادة لا تلين يحملها فريق متضامن يملأ الشغف قلبه وروحه وعقله. 
التقيته مرات عدة طوال أيام المهرجان، بعض المرات بشكل خاطف لانشغاله بأحاديث مع آخرين، وبعض المرات تحدثنا عن فعاليات تلك الدورة ومحاولات تطويرها ودفعها قدما، ألاحظ نشاطه منذ الافتتاح - كما في الدورات السابقة - فقد كان هناك تكريما للسينما التركية المؤجلة منذ العام الماضي بسبب الزلزال الذي ضرب تركيا. ليلة الافتتاح تولى أحمد مجيدو تقديم الممثلة التركية فيلدان أتاسيفير بكلمات عن مشوارها وأعمالها، ثم في اليوم التالي قام بإدارة الندوة التي عقدت لها حضرها ضيوف المهرجان. عندما حدثته عن رغبتي في إجراء حوار معه أخبرني بوجود موعد مع أحد المسئولين في أمر يخص المهرجان، وانتظرنا لأعرف تطورات الأمر. 
بدأت حواري معه بسؤال عن: البوستر الذي أبدعه الفنان التشكيلي المغربي القدير عبد الكريم الوزاني، بما له من دلالة قوية لما يحدث في فلسطين من حرب إبادة، فهل تم الاتفاق معه على تيمة بوستر المهرجان في هذه الدورة؟ أم أنه قد تُرك له حرية الاختيار؟  
أحمد مجيدو: عبد الكريم الوزاني هو أحد أصدقاء مهرجان تطوان. إنه الفنان الأكثر رواجا والأوسع انتشاراً وصيتاً في الساحة الثقافية والفنية المغربية، لم يقتصر عمله الفني في تصميم البوستر على هذه الدورة وإنما لأكثر من 20 عاما وهو يقوم بذلك، فهو صديق المهرجان وهو أيضا ابن المدينة، وكان في السابق مديراً للمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان لمدة طويلة، وذلك منذ تخرج في كلية الفنون الجميلة في باريس وعودته إلى أرض الوطن.. اذاً، إنه يقدم اقتراحات ونتداول فيها ثم ينتهي بنا المطاف لاختيار أحد أفكاره التي يُبدعها بروح مرحة دائما كما هي أعماله. 
الجميل في الأمر، أيضاً، أن البوستر يتزامن مع اللحظة الآنية، فتفاصيل التعبير الفني بدلالته الرمزية يُواكب ما يحدث في فلسطين، وتحديدا من حرب الإبادة على غزة.. كذلك، لو أضفنا اختياركم أن يكون رئيس لجنة التحكيم فلسطيني وهو المبدع إيليا سليمان، أيضا بالمسابقة الرسمية للأفلام الطويلة يوجد فيلم فلسطيني «بيت في القدس» لمؤيد عليان، والذي يحمل وجهة نظر مهمة حتى وإن اختلف معها البعض.. إذاً يمكن القول: أنها دورة التضامن مع فلسطين من دون شعارات، فتحية تقدير لكم على هذا المجهود والتنسيق.. والان اسمح لي بسؤالك.. هل استغرق منكم وقتاً كبيراً لمواكبة اللحظة الآنية وإقناع إيليا سليمان بأن يكون رئيساً للجنة التحكيم؟
مجيدو: كان من المفترض أن يكون رئيس لجنة التحكيم في العام الماضي إيليا سليمان، لكن التوقيت لم يكن مناسباً له، وبما أننا لم نُوفق في الدورة الماضية فحاولنا معه هذا العام وطلبنا منه الحضور.. وبما أننا نعلم مأساة الفلسطينيين، ما وقع وما لا زال يقع فكان هناك ذلك الخاطر بأن يوجد إشارة حتى وإن رمزية للتضامن مع تلك الأسر، مع الأطفال والشيوخ الذين تضرروا من هذه المأساة والذين يعيشون في ظروف مؤلمة جدا والتي نتقاسمها معهم بطبيعة الحال فكان لابد أن يكون المتداخلين في المهرجان أيا متضامين. 
ليلة الافتتاح أشاد إيليا سليمان بتجربة فوزي بنسعيدي السينمائية، مثلما أعرب عن سعادته لكونه موجود في تلك الدورة أثناء تكريم فوزي بنسعيدي، فهل لحظة اختيار فوزي بنسعيدي كان هناك تفكير ما بتلك الصداقه التي تربط بين الإثنين، من دون أن نغفل ذلك الرابط أو تلك العلاقة الفنية بينهما، خصوصا أن فوزي بنسعيدي متأثر بعض الشيء بسينما ايليا سليمان؟ 
مجيدو: فيما يخص تجربة فوزي بنسعيدي نحن كنا بصدد إصدار كتاب عنه واختيار تكريمه الذي واكب حضور ايليا كان صدفة جميلة، وأظن أنه في بعض المستويات يجب أن يكون هناك هذا التلاقي والتلاقح بين الأفكار والاتجاهات الفنية السينمائية، وهذا التلاقي في الرؤى ما بين سينمائيين كبار مثل فوزي بنسعيدي وكذلك المخرج والمؤلف والمنتج والممثل ايليا سليمان أمر جميل. 
كان هناك لقاء مع أحد المسؤولين يخص المهرجان هل تخبرني عن تطورات الأمر؟ 
مجيدو: نحن دائما نحاول جاهين أن نجد سبلاً جديدة، وطرقاً متنوعة تأخذنا قدما وتدفع بهذه التظاهرة السينمائية للأمام، ونشكر السلطات المحلية، ووزارة الثقافة، وكل هذه الجهات التي تُبدي دائما رغبتها في النهوض بالإبداع وإعطاء الأهمية لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، مثلا في ذلك اللقاء حصلنا على وعود بإعطاء أهمية أكبر في السنتين القادمين لهذه التظاهرة. 
 وهل لديكم أي أخبار عن تطورات البنية التحتية خلال العامين القادمين؟
مجيدو: نحن في انتظار تسليم قاعة سينمائية جديدة نقدم فيها عروضاً إضافية للمهرجان في الدورات المقبلة. هناك دار عرض سينمائى في طور الإنشاء، وإن شاء الله تكون جاهزة لاستخدامها، فقريبا سوف تُسلم إلى مؤسسة مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط. 
أمر رائع.. إذاً، نتوقع أن يتم تقديم بعض العروض فيها أثناء الدورة القادمة؟
مجيدو: ربما الدورة القادمة، وربما الدورة التي بعدها حتى ننتهي من كافة التجهيزات.. ستكون هذه القاعة السينمائية في أعلى جزء في المدينة، تطل على الجبال وعلى البحر، ونحن ننتظر ذلك بلهفه كبيرة حتى نستغل ذلك الفضاء الجديد الجميل بمواصفات دولية عُليا.
كانت هذه الدورة - بشهادة الجميع - دورة استثنائية حيث تم اختيار أفلام شديدة الرقي على المستوى الفني وفي مقدمتها اللغة السينمائية، وعلى مستوى الأفكار والتضامن أيضا مع النساء.. سؤالي هل كان هناك قرار من إدارة المهرجان والمؤسسة المنظمة له.. بالتركيز على قضايا المرأة والأفلام التي تتناول مشاكلها هذا العام؟ أم أنها الصدفة لأن الأفلام المتوسطية التي تتناول قضايا المرأة كانت ذات مستوى مرتفع، ومن أرقى الأفلام المنتجة التي رشحت وتقدمت لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط؟ 
مجيدو: كما تعلمين أن مهرجان تطوان هو مهرجان حداثي ويهتم بالحداثة بالدرجة الأولى. نريد أن نعطي أكبر حصة ممكنة للمرأة، حتى يتم إبراز الدور الكبير الذي تلعبه في المجتمع وفي الحياة وأيضا في الإبداع لذلك كان هذا واجب علينا. 
كلمني عن علاقتك بمهرجان تطوان متى بدأت؟
مجيدو: جاء استقراري في مدينة تطوان منذ سنوات كأستاذ بالمعهد العالي للفنون الجميلة، أصبحت أعمل أيضا في إدارة هذا المعهد، ثم بحكم الشغف أيضا بالفن السابع، وترددي على قاعات السينما تعرفت بطبيعة الحال على أفراد المهرجان، توطدت علاقتي بهم، وطلبوا مني أن أنضم إليهم فقبلت بفرح، حتى أساهم بقدر ما أستطيع من داخل الفريق لإنجاح هذه التظاهرة الوطنية والمتوسطية. 
أنت من إقليم صفرو القريب من فاس.. إنها واحدة من أبرز المدن التي تهتم بالتراث والحفاظ على الأصالة وتاريخها وتراث، فكيف كان اهتمامك بالفن في طفولتك؟ 
مجيدو: أظن أن علاقتي بالفن مثل كل الأطفال بدأت مثلا من الرسم وأنا طفل، لكني لم أمارسه وأنا مراهق أو شاب.. كل الشغف جاء من المطالعة، فأظن أن كل ما قرأته هو الذي جعلني مُولع بكل الأساليب التعبيرية الفنية سواء كانت السينمائية أو الشعر أو المسرح والأدب والرواية. 
أشعر أن اختيارك لتدريس مادة الحضارات ينطلق - أو ربما يكون قد تأثر في اللا وعي - من نشاطات المكان الذي نشأت فيه، خصوصاً أنك كنت قريباً من مدينة فاس تلك المدينة الضاربة في عمق التراث والأصالة.  
مجيدو: فاس يمتد تاريخها إلى 13 قرن، أيضا تمتاز بوجود أول جامعة في العالم، وبالصناعة التقليدية الأصيلة في المغرب حيث يوجد ثاني أكبر عدد من الحرفيين - الذين يعملون بهذه المهن التقليدية اليدوية - في العالم، وذلك بعد إندونيسيا. هذه الحرف اليوم أصبحت مهمة جدا هذه الأيام، وأنا أقيس هذه الأهمية بوجود مدارس للتصميم في أوروبا مثلا، وكذلك أمريكا وآسيا التي تود استغلال هذه الموروث الكبير في المغرب في الإبداع فيما يخص التصميم، حيث الاهتمام بهذه الحرف التقليدية ومزجها بالتصميم المعاصر، فعلى كل بلد عنده هذا الموروث أن يستثمره في تصميم ما يجمع بين الأصالة والمعاصرة. حتى لا تنقرض تلك الحرف وحتى نعطيها قيمة وأهمية ونفس آخر ونُقرها من أكبر عدد من المستهلكين ومحبي التراث. 
نعود إلي تطوان.. حدثنا عن أحلامك للدورة القادمة والتي تحمل رقم ثلاثون، والتي أعتقد أنكم تُعدون لها احتفاءاً خاصاً.  
مجيدو: طبعا سنعمل على ذلك، سواء على مستوى النجوم، والمطبوعات، والجمهور، ومحاولة توفير قاعات أكثر في تطوان، خاصة أن تطوان مدينة مبدعة ومسجلة عند اليونيسكو، فنتمنى أن تكون في المستقبل عاصمة الفن، وهي في الحقيقة منذ الآن «عاصمة الفن والفنون في المغرب»، ودائما تُصبح سنة بعد أخرى مدينة مهمة، فضائها مرح وسكانها إناس طيبون يستقبلون كل الاختلافات الثقافية، متسامحون أيضا، فهي فضاء مخصص لكل الإبداعات، ومهرجان تطوان هو أحد الأنشطة التي تُقام في تطوان، والذي يجعل من هذه المدينة فضاء خاصا في المغرب. وبطبيعة الحال، نريد أن يصبح المهرجان منارة في غرب المتوسط، منارة تعطي إشعاعاً للثقافة المتوسطية، وكذلك الثقافة المغربية بطبيعة الحال بكل مكوناتها الأمازيغية واليهودية والعربية. أنا سعيد بوجودي ضمن فريق العمل في مهرجان تطوان، وأشكر كل مَنْ يساعد في الدفع والتعريف بهذه التظاهرة السينمائية المتوسطية.  
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون