من ترجمة "د.مروة مهدي عبيد":صدور كتاب"مسرح ما بعد الدراما" عن هانس تيس ليمان
2023 ,26 تشرين الأول
كتاب مسرح مابعد الدراما.
صوت العرب:القاهرة.
صدر عن المركز القومي للترجمة/القاهرة، ترجمة لكتاب "مسرح ما بعد الدراما" عن هانس تيس ليمان"،للدكتورة" مروة مهدي عبيدو".
وحول هذا الكتاب الهام، والذي تعتبر ترجمته اضافة مهمة للمكتبة المسرحية العربية،جاء في مقدمته.
صوت العرب: القاهرة.
مصطلح مسرح ما بعد الدراما:
بدأ تداول مصطلح مسرح ما بعد الدراما، منذ النصف الثاني من القرن العشرين، واستخدم لأول مرة على يد الباحث والأكاديمي أندريا فيرت، الذي كتب عام 1987 ورقة بحثية، تحت عنوان "المسرح كيوتوبيا جمالية- تحولات المسرح في بيئة الإعلام"، واستخدم مصطلح "مسرح ما بعد الدراما"، لتمييز العروض المسرحية التي تراجع فيها دور اللغة، في مقابل صعود العناصر المسرحية الأخرى، مثل عناصر الصوت والصورة، التي بدت وكأنها هيمنت على العروض المسرحية، التي سادت في أوربا منذ سبعينيات القرن الفائت. 
ويرى فيرت أن أشكال مسرح ما بعد الدراما، ماهي إلا تجسيد لرد فعل فن المسرح تجاه وسائل الإعلام الحديثة، وتجاه شكل العالم الحديث. كما يرى أن رد الفعل هذا، قد بدأ بالفعل مع أعمال برتولدت بريشت منذ 1930، رغم أنه لا يصنف أعمال بريشت باعتبارها أعمالا ما بعد درامية، لأنها تحتوي على فصل حاد بين خشبة المسرح وصالة المتفرجين، رغم محاولات كسر الحائط الرابع. 
يكمن تميز مسرح ما بعد الدراما - من وجه نظر فيرت - في تضمين أنواع جديدة من النصوص داخل النص المسرحي، مثل بروتوكولات الاستجواب والمراسلات والمذكرات وغيرها من الأشكال غير الدرامية للنصوص، بالإضافة إلى وسائل التمثيل السينمائي والتصوير الفوتوغرافي، والأفلام والتسجيلات الصوتية، والمؤثرات الصوتية المأخوذة من الأفلام، وصوت القراءة وصوت التلفاز، كعناصر مسرحية حاضرة على خشبة المسرح الجديد، ومن ثم تحول الخطاب المسرحي إلى خطاب متعدد الوسائط.  
يشير فيرت كذلك، إلى أن مسرح ما بعد الدراما، ما هو إلا علامة فارقة في تاريخ الفنون، تجسد "تجاوز الحدود" ما بين الفنون، حيث تجاوز فن المسرح حدوده الجمالية، من خلال التداخل مع أنواع فنية أخرى، مثل الأوبرا والموسيقى والرقص وفنون الكاميرا وغيرها. 
التقط الباحث المسرحي والأكاديمي هانس تيس ليمان، مصطلح فيرت "مسرح ما بعد الدراما"، وتعمد التنظير له، وتوسيع حدوده النظرية، ومن ثم استخدمه في الوقوف على التغييرات الأسلوبية والمنهجية، التي لحقت بفن المسرح، منذ نهاية الستينيات وحتى نهاية التسعينيات، بهدف التنظير المنهجي لشكل المسرح الجديد.
قدم ليمان أطروحته التنظيرية، في كتاب تحت عنوان "مسرح ما بعد الدراما"، والذي نشر في طبعته الأولى باللغة الألمانية عام 1999، ثم تُرجم إلى الفرنسية عام 2002، واليابانية في نفس العام، ثم إلى السلوفانية عام 2003، وإلى الكرواتية في نفس العام، وفي عام 2004 ترجم إلى البولندية، ثم إلى الفارسية عام 2005، كما تم إعداد النص الأصلي وترجمته إلى الإيطالية والإسبانية والبرتغالية بعد ذلك.
 نشر الكتاب بالإنجليزية عام 2006، في نفس عام ظهور طبعته الثالثة باللغة الألمانية. وتمت معالجة النص من قبل المترجمة في النسخة الانجليزية  ، بحيث قامت بتلخيص أجزاء من الأصل، كما تعمدت اسقاط أجزاء من منتصف الكتاب الأصلي، وأجزاء من الوحدات الموجودة في النسخة الألمانية الأصلية، حيث تعتبر النسخة الإنجليزية ملخص للكتاب الأصلي، وليست ترجمة كاملة له. 
تعود أهمية كتاب هانس ليمان، إلى كونه الدراسة الأكاديمية الأولى والرائدة، حول أشكال المسرح الجديد، كما أنه المرجع الرئيسي في مناقشات المسرح المعاصر على المستوى الدولي. ويعتبر كتاب "مسرح ما بعد الدراما"، أحد أهم الكتب التي ظهرت في العقود الأخيرة في المجال النقدي والأكاديمي، كما أنه من أكثرها إثارة للجدل. 
 مسرح ما بعد الدراما بين المفهوم والنظرية:
عاني كتاب ليمان " مسرح ما بعد الدراما" من انتقادات حادة، على المستوى الأكاديمي في ألمانيا، حيث انتقد البعض التعامل مع تصور ليمان، باعتباره نظرية نقدية متكاملة، يمكن من خلالها الإمساك بالظاهرة المسرحية ما بعد الحداثية، بحجة أن أفكاره لم تخرج عن عكس المفاهيم المسرحية الكلاسيكية، فإذا كان المسرح الدرامي يعتمد على مركزية النص، فإن المسرح ما بعد الدرامي قد أسقط هذه المركزية، في مقابل العناصر الموسيقية والسينوغرافيا، أي أنه قدم تصورا مناقضا للمسرح التقليدي، دون أن يطرح منهجية تحليلية، يمكن من خلالها الإمساك بالعناصر المغايرة داخل العملية المسرحية، على المستوى التقني، حيث يمكن تلخيص محاولة ليمان، في تقديم مجموعة من المصطلحات والمفاهيم المقابلة للمفاهيم الكلاسيكية، لوصف بعض العروض التي انحرفت وخرجت عن القواعد التقليدية في البناء الدرامي لها، أي أنه ركز على طرق الكتابة الدرامية الجديدة، متجاوزا التغييرات الجمالية التي لحقت ببنية المشاهدة المسرحية ككل. ومن هذا المنظور، يري البعض في تصور ليمان عن مسرح ما بعد الدراما، مجرد إعادة صك لمجموعة من المفاهيم والمصطلحات المنحوتة، من داخل السياق النقدي الكلاسيكي، رغم رفضه الواضح لها. 
من ناحية أخرى، يرى المتحمسون لنظرية ليمان، في مصطلح ما بعد الدراما -وفيما يلحق به من مفاهيم نظرية نقدية-، أداة منهجية لتحليل وفهم الحركة المسرحية في فترة ما بعد الحداثة، حيث انه قدم رصدا تاريخيا محكما، لما أسماه ليمان بالمسرح المغامر، أي المسرح الذي قبل الدخول في مغامرة استبعاد الدراما، وكأن المسرح الجديد قرر دخول المغامرة، للبحث عن أدوات جديدة تناسبه، وهذا هو ما تسبب في صعوبة فك علامات مثل هذه العروض، وخلق تلقي مشوش لدي المتفرجين. 
وبناء عليه، يعتبر الفريق المتحمس محاولة ليمان التنظيرية، نظرية نقدية متكاملة، اعتمدت البحث عن طرق نقدية واصطلاحية جديدة، تتناسب مع طبيعة المسرح المغامر.
سواء اتفقنا مع مجموعة الباحثين الذين وجدوا في تنظيرات مسرح ما بعد الدراما نظرية نقدية متكاملة أو اختلفنا معهم، يبقى مفهوم "ما بعد الدراما" مفهوما ملتبسا ومثيرا للجدل، سواء على المستوي الأكاديمي أو الإبداعي، أي أنه أيا كانت السمات التي قد نصفه بها، فهو مصطلح مغامر أيضا، مثله مثل المسرح الذي يصفه.
مغامرة المصطلح:
لقد حاول ليمان في كتابه وضع حدود للمصطلح الجديد، ليصف به الأعمال المسرحية التي ظهرت في أوربا، في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وهدف من خلاله إلى تحليل وفك طلاسم شكل المسرح الجديد، الذي لم تعد المصطلحات والمفاهيم الكلاسيكية تنطبق عليه.  سعى ليمان إلى أن قراءة الجماليات الجديدة للمسرح المغامر، وإلى حليل سماته والوقوف على عناصر خصوصيته، وذلك من خلال تحليل عدد كبير من العروض، وأساليب الإخراج، التي ظهرت في أوروبا، ودفعت النقاد والمنظرين للبحث عن أدوات ومفاهيم مختلفة لتقييمها، والإمساك باختلافاتها عن الشكل المسرحي الدرامي التقليدي.
يصف مصطلح "مسرح ما بعد الدراما" عند ليمان، العروض التي لم يعد النص المسرحي فيها أساسيا وموضوعا مركزيا، بل واحدا من ضمن العديد من الوسائل المسرحية المختلفة، أي أنه لا يملك سلطة أو تمييزا عليها. 
كما يؤكد ليمان على أنه يشير بهذا المصطلح، إلى القطع المسرحية التي تحتوي على "قوالب نصية غير درامية"، أي أنه يعتبره مصطلحا وصفيا وليس تقييميا.
يشير ليمان إلى أنه يعني بمسرح ما بعد الدراما، المسرح الذي لم يعد يلتزم في المقام الأول بالدراما، كأولوية في العرض، أي المسرح الذي تراجع فيه دور النصوص الدرامية الأدبية، وحل محلها أشكال التمثيل والأداء، التي أفرزت بدورها جمالية مسرحية غير تقليدية، تعتمد في جوهرها على العارض/ اللاعب، باعتباره مركز العملية المسرحية. حيث لم يهدف مسرح ما بعد الدراما، إلى تقديم عرض مسرحي مخلص وأمين، تجاه النص الدرامي، بل إلى خلق تأثير ما لدى المتفرج، من خلال اللعب بالعلامات المكانية والبصرية والصوتية. 
يلح ليمان على عدم الخلط بين مفهومه عن مسرح ما بعد الدراما، وبين مفهوم بريشت عن المسرح الملحمي، حيث يلتزم بريشت بالحكاية، كما أنه يكرس للمفهوم الدرامي للمسرح، على الرغم من كل تقنيات التغريب، في حين أن مسرح ما بعد الدراما لم يعد يعرف أنواع الإيهام التقليدية، كما أنه يركز على مركزية الأداء، وعلى عملية التواصل بين اللاعب والمتفرج، أي على حلقة التغذية الذاتية المرتدة داخل العرض ، في الوقت الذي تتراجع فيه الدراما، وربما تتلاشى تماما داخل بنية العناصر المسرحية. 
أسس ليمان لمصطلح مسرح ما بعد الدراما، في كتابه المقدم هنا والمترجم إلى العربية مباشرة عن النص الألماني، ومن أجل الإمساك بالنواحي التنظيرية للمصطلح، سوف نلقي فيما يلي نظرة على النواحي الكمية والكيفية للكتاب، للوقوف على الطرق الأسلوبية والمنهجية، التي استخدمها المنظر، للإلمام بمسرح ما بعد الدراما تاريخيا ونقديا. 
تقسيم الكتاب:
لم يعتمد ليمان في الكتاب المقدم على التقسيم الكمي التقليدي لوحدات وفصول، بل استخدم عددا من العناوين الرئيسية، ثم أخذ في تشريحها من خلال عناوين فرعية، وعناوين متفرعة عن العناوين الفرعية، لذا يحتوي الكتاب - كما يتضح في فهرس المحتويات- على عدد كبير من العناوين الرئيسية والمفتاحية والفرعية، وما تحت الفرعية أيضا.
اعتمد الكتاب على تنسيق العناوين لتميزها عن بعضها، من خلال حجم الخط ونوعه، كما استخدم أنماط مختلفة من الخطوط في كتابة العناوين، وداخل متن النص، حيث اعتمد على الفروق الشكلية للخطوط، أي بين بين الخط المائل والمستقيم، وبين الخط السميك والرفيع، واستخدمها طوال الكتاب، للإشارة إلى اختلافات معينة، لإبراز أسماء أشخاص أو عروض مسرحية أو كلمات مفتاحية، وأحيانا أخرى لتوضيح مواضع الاستطراد، وفصلها جزئيا عن متن النص. وقد حاولنا في الترجمة العربية نقل هذه الاختلافات -كما أمكن-، نظرا لاختلاف طبيعة اللغة الألمانية عن اللغة العربية.
كما أن لعلامات الترقيم دورا هاما في متن الكتاب، لذا نجد أنه لابد من الإشارة لذلك هنا، لتسهيل عملية القراءة في النسخة العربية، التي حاولنا فيها نقل أسلوب الكاتب، وطرق الكتابة الخاصة به، بجوار نقل المعنى. 
استخدم ليمان كثيرا النقطيتين الرأسيتين ":" للاستطراد في شرح فكرة ما أو مفهوم ما، داخل سياق النص، وهذا الاستخدام يختلف نسبيا عن استخدام نفس النقطتين في اللغة العربية، حيث أنهما يسبقا مقتبس أو قول ما  أو تقسيم شيء أو تصنيف ما في النص العربي، وتم نقل ذلك في النسخة العربية، في الحدود التي لم يتم فيها تعقيد المعنى، وفي أحيانا أخرى تم صياغة الجمل الملحقة بالنقطتين الرأسيتين، بشكل يراعي إظهار المعنى، ولو جاء ذلك على حساب النقل الحرفي للنص.
وبشكل عام، يمكن تقسيم الكتاب المقدم إلى عدد من العناوين الرئيسية: تمهيد، دراما، قبل التأريخ، بانوراما مسرح ما بعد الدراما، عرض، نص، فضاء، زمن، جسد، إعلام وخاتمة. 
ربما تصلح هذه العناوين الكبيرة لتكون عناوين فصول أو وحدات، وهناك عناوين رئيسية وأخرى متفرعة عنها، وهناك بعض العناوين الفرعية المرقمة. 
ومن خلال هذا الكم الضخم من العناوين، استطاع ليمان أن يقدم نظرة عامة ودقيقة عن أشكال المسرح الجديد، مع الاهتمام الشديد بتحليل النواحي السوسيولوجية والتاريخية، بشكل موازي لتحليل الجماليات المسرحية غير التقليدية، والحفر داخل البيئة النقدية التقليدية، للوصول إلى مفاهيم ومصطلحات تناسب الشكل الجديد للمسرح، وتعبر عنه. 
يغلب على الكتاب -بشكل عام- العناوين غير التقليدية، حيث يحمل العنوان في بعض الأحيان، أكثر من مصطلح، ويتم الفصل بينهم بفاصلة، مثال "نص، لغة، تكلم"، كأحد العناوين الفرعية للقسم الخاص بالنص. وهناك عناوين أخرى تعمد فيها الكاتب، استخدام أدوات العطف "و" و "أو"، مثل عنوان "المسرح والذاكرة" وهو عنوان فرعي في الجزء الخاص بالزمن، وكذلك عنوان "جوقة أو احتفال"، كأحد العناوين الفرعية في الجزء المعنون بــ بانوراما مسرح ما بعد الدراما. كما تعمد ليمان استخدام علامة الاستفهام، في بعض العناوين الفرعية، مثل عنوان "سلطة الإعلام؟"، في الجزء الأخير من الكتاب، وكذلك في الخاتمة في عنوان" فن الأفورمانس؟"، لأنه أراد أن يطرح سؤالا حول العنوان، تبقى إجابته مفتوحة أمام القارئ.
وتعكس الأمثلة السابقة، الشكل غير التقليدي، الذي استخدمه الكاتب في اختيار عناوين الكتاب، والمثال الأخير الذي يؤكد على هذا، يخص أحد العناوين الرئيسية في الجزء الخاص بالإعلام، حيث استخدم علامات "+" و "-"، التي تخص طرق الحساب في الرياضيات، في عنوان "مسرح ± إعلام"، ليشير إلى علاقة فن المسرح بالإعلام، وليوحي بما أضافته الوسائط الإعلامية لفن المسرح وما أخذت منه، وللتأكيد أيضا على العلاقة الجدلية التي ربطتهما معا، داخل شكل المسرح الجديد. 
الناحية الكيفية:
يرى ليمان مؤسس مصطلح " مسرح ما بعد الدراما"،على المستوي التنظيري -أثناء تحليله لطرق الاستقبال والتلقي في المسرح الجديد- أن مسرح ما بعد الدراما، قد أفرز إشكالية تخص تلقي المتفرج للعلامات المسرحية، لأنها أصبحت لا تحيل إلى الواقع المعاش ولا تحاكيه، مما خلق إشكالية تأويلية وجمالية، تخص علاقة المسرح بالواقع. ففي الوقت الذي كان المسرح الدرامي ممثلا لواقع ما، يحاول بكل أدواته أن يعطي تفاصيله، من خلال شفرات وعلامات، يمكن للمتفرج فهمها وحل شفراتها، تعمد مسرح ما بعد الدراما، قلب تراتبية توليد المعنى، مما خلق شكلا مختلفا تماما للتأويل، لا علاقة له بمحاكاة الواقع أو تمثيله أو الإيهام به، مما يعني أن المسرح الجديد قد استبعد الواقع، وربما سرقه من المتفرج -على حد تعبير ليمان-. 
ومن هذا المنطلق التأويلي لمسرح ما بعد الدراما، نود فيما يلي النظر في خصوصية جماليات مسرح ما بعد الدراما، من خلال رصد محورين أساسيين من ضمن المحاور المتعددة التي تناولها الكاتب، باعتبارهما نقاط محورية لفك نظرية ليمان:
- شكل المسرح الجديد الذي أسماه ليمان "ما بعد الدرامي":
بذل ليمان في كتابه جهدا كبيرا، لوضع تصور واضح لمفهوم مسرح ما بعد الدراما، كظاهرة ما بعد حداثية، والوقوف على نشأتها، سواء بشكل ضمني أو بشكل واضح، من خلال طرح مفهوم ومجال بعينه لملصق "ما بعد الدرامي"، وتميزت دراسة ليمان -عن غيرها من الدراسات التي استخدمت نفس المصطلح - بالتركيز على مفهوم "ما بعد الدرامي"، في ظل مناقشة مسرح القرن العشرين، الذي لابد من الوقوف عليه لفهم مسرح ما بعد الدراما.
اهتم ليمان بكشف المنطق الجمالي للمسرح الجديد، الذي ظهر في العقود الأخيرة من القرن العشرين، كما تعمد التقاط الظواهر المسرحية غير المتجانسة كأمثلة تطبيقية، والنظر إليها باعتبارها تطورا مسرحيا جديدا، بهدف الوصول إلى خط تطور تاريخي واضح للمسرح الحديث، الذي وجد النقاد والمنظرون صعوبة في تصنيفه. 
ومن ناحية أخرى هدف ليمان إلى محاولة الوصول إلى مصطلحات وتعبيرات لفظية جديده، تشير بوضوح إلى الخبرة المسرحية في ما بعد الحداثة، والتي يصعب التعبير عنها، خاصة في النماذج المسرحية الجديدة.
هدف ليمان من استخدام صفة "ما بعد الدرامي"، إلى الإشارة إلى نوع المسرح، الذي تخلص من سطوة النصوص الدرامية، دون تجاهل صداها الملحوظ، حيث شاع قبل ذلك التعامل مع النص، باعتباره مادة مسرحية في مجال الإنتاج، مثله مثل عناصر مسرحية أخرى، تحتاج إلى مهارات أخرى لإتمامها، مثل جسد الممثل، المكان، الإضاءة، الصوت، وبالتالي لا يشير مصطلح "مسرح ما بعد الدراما" إلى مسرح خالي من النص، بل يشير إلى مسرح يتعامل مع النص، من وفي داخل اللغة، لتطبيق مواصفاتها المسرحية. 
وهنا لابد من الوضع في الحسبان، مجموعة كبيرة من كتاب المسرح أمثال: هاينر موللرHeiner Müller، الفريدة يلينك Elfriede Jelinek، ألبرت أوسترماير Albert Ostermaier أو رينيه بولش Rene Pollesch، من الذين كتبوا نصوصا مسرحية، تخطت بقوة الحدود الدرامية التقليدية، وتوافقت مع شكل مسرحي جديد، سمي على يد ليمان نظريا "مسرح ما بعد الدراما".
لقد تزايد تشخيص الشخصيات الدرامية، من خلال العناصر غير اللفظية/ الصامتة، كالإيماءات والحركة وتعبيرات الوجه العاطفية، إلا أن كلام الشخصية استمر كعنصر أساسي لتحديد ملامحها، وذلك في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وبقي النص متمركزا حول وظيفته كنص للأدوار، حتى ظهر مسرح ما بعد الدراما وقلب الموازين، التي تم التعامل معها باعتبارها مسلمات لعقود طويلة، وقد توازى ذلك مع إعلان نهاية المسرح الدرامي.
 بمعنى أن المسرح الدرامي قد انتهى، لحظة أن تحولت تراتبية العناصر المسرحية التقليدية، من كونها مبادئ تنظيمية للفن، إلى مجرد إمكانية من إمكانيات فن المسرح، الذي أخذ في البحث عن إمكانيات جديدة لتحققه، داخل الأشكال الاحتفالية والطقسية المختلفة، خاصة بعد أن شعر المسرحيون بالتهديد، من قبل وسائل الإعلام الحديثة، التي جذبت المتفرجين، وأبعدتهم نسبيا عن المسرح.
-  جماليات التلقي في المسرح الجديد:
يحتوي المسرح الدرامي – في مقابل مسرح ما بعد الدرامي- على مجموعة من الشفرات والعلامات المرتبة بشكل ما، بحيث تعمل كل مجموعة من العلامات، على توصيل معنى معين إلى المتلقي، وكل علامة تشير إلى شيء محدد في السابق، تم الاتفاق عليه من قبل القائمين على العملية المسرحية، وعلى المتفرج فك شفرات المعني وعلاماته، للوصول إلى المحتوى الضمني من وراء العرض. ويرتبط سياق العلامات في المسرح التقليدي، بسياقات علاماتية أخرى، تتشابك معها لتقدم صورة عن الواقع الإنساني، من منظور العرض. 
على العكس من سياق علامات مسرح ما بعد الدراما، الذي يقدم بشكل مفكك وغير مترابط، ليقدم للمتفرج أجزاء متقطعة غير مترابطة من المعاني، لا تشير في جوهرها إلى الواقع، الذي يستمد منه المتفرج تأويلاته وتفسيراته للعلامة. وهذا يؤدي –كما يري ليمان- إلى حالة إرهاق ذهني، تصيب المتفرج أثناء تلقيه لهذه العلامات المتقطعة، في عروض مسرح ما بعد الدراما. 
يرى ليمان أن مسرح ما بعد الدراما، قد تسبب في مشكلة للمتفرجين، أسماها "سرقة الواقع"، بمعنى أن المتفرج كان يعتمد تصورا معينا عن علاقة بالمسرح بالواقع، لم يعد لهذا التصور وجود على خشبة المسرح الجديد، حيث تبلورت هذه المشكلة بوضوح، لحظة أن تحول المسرح إلى شكل مختلف، منفصل عن علامات الواقع، التي كانت المرجعية الأساسية لفك الشفرات وفهم المعنى، وكأن مسرح ما بعد الدراما، قد سرق الواقع من المتفرج، وتركه لا حيلة له، أمام العلامات المسرحية، التي لا يملك لها مرجعية.
حين حاول المتفرج –كالمعتاد وبشكل ميكانيكي- أن يفسر العلامة من خلال قياسها على واقعه، ليصل إلى معناها، وحين حاول ربط العلامات مع بعضها البعض، شعر بتشويش في التلقي، بسبب تلقيه لمجموعة كبيرة من العلامات المتزامنة والمنفصلة عن مرجعيته، نتيجة الفصل القاسي بين العلامة وعلاقاتها المكانية والزمانية، في عروض المسرح الجديد. 
كان على المتفرج في مسرح ما بعد الدراما، أن يستقبل نوعا مختلفا من المسرح، يقدم له خطوطا مجردة غير محددة المعني، متعمدا إزاحة سلطة النص، في مقابل منح السلطة للعناصر المسموعة والمرئية، والتي كانت عناصر جانبية في السابق.
كثر استخدام العلامات الموسيقية والإيقاعية في مسرح ما بعد الدراما، في مقابل التقليل من العلامات الحوارية، التي تراجعت بقوة أمام الموسيقى الإلكترونية، والطرق الحديثة للعب بالصوت البشري والآلات الموسيقية، وبجانب ذلك سيطرت العلامات البصرية. أي أنه في الوقت الذي استغنت فيه عروض مسرح ما بعد الدراما، عن العلامات الدرامية والحوارية، ظهر في مقابل ذلك، كثافة في استخدام العلامات الصوتية والمرئية.  
خاتمة:
تعكس خطوات تطور مسرح ما بعد الدراما - كما رصده ليمان تاريخيا- خطى تخلص المسرح من سلطة الأدب، كنوع من التوجه نحو الاستقلال الذاتي التدريجي للمسرح، كفن مستقل عن فنون الأدب والدراما. 
كما رصد ليمان تزامن دعوات الفصل بين العرض والنص، في بدايات القرن العشرين، مع الدعوة إلى عودة المسرح إلى استلهام أصوله وموارده الخاصة، وهكذا اتجهت كل المساعي إلى العودة إلى مسرحانية المسرح. 
في الوقت نفسه، حلل ليمان نشأة إشكاليات أزمة اللغة في المسرح، وأزمة جماهيرية المسرح مقابل جماهيرية الفيلم، وأزمة التلقي المسرحي في العصر الحديث، والمنافسة مع وسائط التكنولوجيا العالية، مما فرض على فن المسرح الدخول في عملية تقرير المصير من جديد، وبالتالي تغيير أشكال العرض، مما أفرز أشكالا ونماذج أدائية جديدة، حار النقاد في تسميتها، واختار ليمان صفة ما بعد الدرامي، لإلحاقها بمثل هذه النماذج المسرحية المضادة للمسرح التقليدي.
وبناء على ما سبق، نرى أن ليمان قد قدم في كتابه "مسرح ما بعد الدراما"، دراسة استقصائية تاريخية وتنظيرية متفردة النهج ، معتمدا على ثروة من الأمثلة العملية من العروض المسرحية، للوقوف على المشهد المسرحي الجديد، منذ سبعينيات القرن العشرين وحتى نهاية التسعينيات في أوربا، واستطاع من خلال منهجية علمية رصينة، أن يقف على التطورات، التي لحقت بتاريخ فن المسرح في هذه الفترة، والأزمات التي واجهها فن المسرح، في ظل التغييرات التي لحقت بعملية الاستقبال المسرحي، واستجابة فن المسرح وتفاعله مع التكنولوجيا العالية وعالم الإعلام الحديث.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون