د.نهاد صليحة: جسد ذاب عشقاً في المسرح.
2022 ,15 كانون الثاني
د.محمد الخطيب: صوت العرب - القاهرة.
دقائق قليلة ويبدأ العرض المسرحي، بعد أن يطمئن المخرج على جاهزية عرضه لتقديمه إلى الجمهور،يقف المخرج على باب دخول المتفرجين كعادته يومياً يترقب اعدادهم. يلمح المخرج وسط الجمهور الدكتوره نهاد صليحة؛ يذهب إليها مسرعاً ليرحب بها ويعرض عليها الدخول والجلوس في الصفوف الأمامية، تشكره الدكتوره نهاد وتقول له سوف تجلس هي بنفسها في المكان الذي تريده (لأنها تتعامل مع المسرح كأنه بيتها). ثم يهرول المخرج مسرعاً نحو الكواليس ليخبره ممثلي العرض المسرحي أن الدكتوره نهاد صليحة جاءت لتشاهد العرض المسرحي ويقوم بتحفيزهم ليخرجوا أفضل ما عندهم من اداء حتى ينل العرض رضاها. تكرر هذا المشهد كثيراً في المسرح المصري منذ الثمانينيات من القرن العشرين، وكانت أحدى أمنيات أي فريق عرض مسرحي سواء كان مسرح ينتمي لمسرح المؤسسة الرسمية أو المسرح المستقل أن تكتب عنهم الراحلة الدكتوره نهاد صليحة وكان ثناءها على إبداعتهم بمثابة جواز مرور وتثبيت وجودهم في خريطة الإبداع المسرحي.
تعد الدكتوره نهاد صليحة ظاهرة نقدية فريدة من نوعها في النقد المسرحي المصري بصفة خاصة والنقد المسرحي العربي بصفة عامة فقد داومت على الكتابة المسرحية على كافة العروض المسرحية، وتابعت المشهد المسرحي بدقة في مصر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، فهي شخصية نقدية يعرفها صناعي الإبداع المسرحي في كل مكان بمصر. هذا ما يستدعي قراءة خطابها النقدي الذي جعل تتبوأ هذه المكانة النقدية الفريدة، وجعل الكل يشعر بفداحة رحيلها المفاجئ في مصر والعالم العربي.
أخذت الدكتوره نهاد صليحة هذه المكانة الفريدة نتيجة استمرارها دون انقطاع في متابعة المسرح المصري بالإضافة إلى وضعيتها كاستاذة جامعية مرموقة متسلحة بترسانة نقدية مختلفة عرفت كيف توظفها لتكون وسيط حقيقيبين أطراف العمل الإبداعي باسلوب بسيط لا يخلو من العمق والتقاط ما هو مختلف لتدفع المبدع فيما بعد إلى فتح أفاق جديدة، وبطريقة كتابة لا تخلو من الوضوح لتجعل القارئ يرى العرض المسرحي بصورة جديدة ويدرك ما غمض عنه واستغلق فهمه عليه. كما أن وضعيتها كاستاذه جامعية جعل لها مشروع نقدي مختلف عن سابقيها يستحق الوقوف أمامه كثيراً.
أولاً: الموقعية النقدية لنهاد صليحة:
لقد كانت البداية الحقيقية لنهاد صليحة في الثمانينات في القرن العشرين، لكنها نشأت في السياق الثقافي الستيني والذي ازدهر فيه النقد المسرحي، وكانت الساحة النقدية زاخره بالعديد من الاسماء النقدية التي احتلت مرتبة النجوم مثل محمد مندور، ومحمود أمين العالم، وفريدة النقاش، ورشاد رشدي. على الرغم من أنها أحد تلميذات الراحل الدكتور رشاد رشدي الا أنها عندما بدأت الكتابة النقدية بانتظام منذ الثمانينات لم تنجر إلى المعركة النقدية الدائرة الشهيرة أو تحمل اصداها بين سطور كتابتها وهي معركة الإبداع والأدب للمجتمع أم الأدب للأدب. فلم تنشغلبوظيفة الأدب والمسرح، بل كان السؤال الذي تحكم في خطابها النقدي هو إشكالية وجود المسرح بدلاً من البحث من وظيفة المسرح، هذا ما جعلها ترى إشكالية تأصيل المسرح في الثقافة المصرية انطلاقاً من مساءلة الحاضر بدلاً من البحث في الأصول التراثية للمسرح المصري كدعوات توفيق الحكيم في "قالبنا المسرحي" أو دعوة على الراعي في الكوميديا المرتجلة، أو دعوة يوسف ادريس إلى السامر المسرحي من جهة. ومن جهة أخرى لم تنحاز للفريق الآخر الذي ينفي ذلك ودعا إلى تأصيل المسرح وارجاعه إلى تمثل الآخر وأساليبه وتياراته الفنية من عبثية وبريختية. لذا، اكتسب خطابها راهنية واتسم بالتجدد والحيوية النقدية. ويمكن أن نحدد مسارات خطابها في ثلاث منطلقات وهي:
1- التعلق بالمسائل المعرفية والنظرية الكبري التي تختص بظاهرة حقيقة المسرح.
2- وصورة الناقدة المنشغلة بقضايا المسرح في عصرها. (ما الذي يحدث الآن، ما هو هذا الآن الذي نحيا فيه، كيف يمكن أن نحياه ونعطيه معنى ما؟، ما الشئ الذي لا معنى له في الحاضر وفي الأحداث الجارية؟).
3- ما هي الشروط المعرفية التي تجعل المسرح حاضراً في ثقافتنا، إذا يخص تاريخية الفكر وتحولاته. 
لقد تداخلت هذه المنطلقات الثلاثة بصورة مباشرة وغير مباشرة في معظم كتابتها النقدية التطبيقية أو التنظيرية،ونلمح ذلكفي كتابها "المسرح بين الفن والفكر" فنجد أنها تقسم الكتاب إلى قسمين الأول قسم نظري، وفيه يتناول القضايا الشائكة في السياق المسرحي في الستينيات بصورة غير مباشرة وتراها بمنظور جديد من أجل دفع الظاهرة المسرحية إلى آفاق أرحب مثل العلاقة بين الفكر والسياسة، والفن بين الشكل والمضمون، والمسرح بين النظرية الدرامية والنظرية الفلسفية، وأطر تفسير العمل الدرامي. أما القسم الثاني من الكتاب تتناول فيه قراءات تطبيقية للعروض المسرحية المختلفة انطلاقاً من محاولات مبدعيها في تأسيس وجودها مثل مسرح الأقاليم ومسرحية الوزير العاشق بين الأرسطية والبريختية وتأثير بريخت على المسرح المسرح المصري، ومسرحية منين أجيب ناس وقضية احياء المسرح الشعبي. كل ذلك لترسي مبدأ وجودي "أن الفن هو نسق رمزي يلخص التجربة إنسانية حياتية وهذا النسق الرمزي لا يكتسب وجوده الحي الا عندما يتصل بالحياة ليصبح من خلال تفاعله معها تجربة فنية". كما أنها تتعرض بصورة غير مباشرة للمعركة النقدية الستينية الشهيرة التي سبق ذكرها وتكشف تهافتها بقولها عندما ننظر إلى الفن بأنه تجربة تتشكلفنياً ومعنوياً من خلال جدلها مع الحياة أصبحت قضية الفن للفن أم للحياة - على حسب قول صليحة - نوعاً من السفسطة واختلافاً لعراك لا معنى له.
ولا يشذ منطق كتابتها عن المنطلقات الثلاثة سابقة الذكر في كتابها "المدارس المسرحية المعاصرة"، حيث تناول الكتاب التيارات المسرحية المعاصرة وتبيان الفروق بينها فيه الدقة العلمية وفي لغة بسيطة وسلسة تتيح سواء للمبدع أو للقارئ العادي قرأته ليتعرفا على المسرح بصورة علمية دقيقة. ولا يخلو الكتاب من صبغة تعليمية مستمدة من وضعيتها كاستاذ جامعي، وتستمر على هذا المنحى في كتابها "نافذة على المسرح" وهو كتيب صغير تكشف من خلاله عن معنى المسرح وعناصره وأنواعه، وأهمية الدراما المعرفية والوجودية. 
إن مساءلة الحاضر لتعيين المسرح في الثقافة المصرية جعل تجربتها النقدية تتسم بالاختراق لمناطق مسكوت عنها في الممارسة المسرحية المصرية خاصة في كتابها "الحرية والمسرح". حيث فتحت ثغرة كبيرة في جدار الثقافة المصرية من خلال طرح سؤال في الصميم فتح مناطق معتمة لم يتطرق لها كثيراً من النقاد والمنظرين وهي علاقة المسرح بالحرية من أجل تنوير مسرحي جديد، يجعل المسرح ذا بعد ثوري على الأوضاع الاجتماعية القائمة وتميزه عن الفنون الأخرى بقولها "إن طاقة الثورة التي يمثلها الإبداع في القصة أو الرواية المكتوبة تتضاعف مرات ومرات في حالة المسرح خاصة أن الاشتباك العلامي الكثيف – الذي يمثله العرض- يتم في اطار موقف حواري مادي حاضر ملموس، وهو موقف تواجد الجمهور والمبدعين في مكان واحد في عملية جدلية لفترة زمنية محددة فالمسرح يتفرد بأسلوب إنتاجه واستهلاكه الجماعي المرحلي الذي لا "يغرب" المنتج الفني عن مبدعه أو عن ظروف إنتاجه المادي، والذي يحول المستهلك إلى طرف إيجابي يشارك في عملية الإنتاج". لذلك حاولت نهاد صليحة طرح الشروط المادية التي تجعل من المسرح حاضراً معرفياً ووجودياً في المجتمع وتناولت الحرية بين الحالة الذاتية والفعل الجماعي لتقول "إذا كان الفعل الإنساني مشروط بوجود محيط زماني ومكاني فإن الحرية كفعل تشترط موقفاً اجتماعياً كمسرحها أو فضاء وجودها". لترسي مبدأ أن الفعل المسرحي فعل تحرري من القيود الاجتماعية ومكافحة استراتيجيات القمع التي يتم فرضها عليه من( الحصار الاقتصادي والاداري، الحصار الرقابي المعلن، الحصار الإعلامي الذي يتخذ شكل التعتيم، الحصار النقدي الذي تلعب فيه المؤسسة التعليمية والأكاديمية دوراً مهماًوالذي يتخذ شمل الاحتواء والتزييف، ومحاصرة التكنولوجيا وتحجيمها لظاهرة المسرح)، بالإضافة إلى مقاومةبنية التخلف التي لها تأثير خطير على وجود المسرحمن جهة، ومن جهة أخرى الثورة على كل نظرة فكرية تقولب المسرح وتحصره في نموذج، لذلك وجهت سهام نقدها إلى النظرة الأرسطية للدراما بوصفها أحد الرؤى التي تكبل حضور المسرح وتغتال حريته لأن أرسطو "افترض جوهراً ثابتاً مثالياً يحكم تطور الكائنات بما فيها الإنسان واقام تنظيره السياسي والأخلاقي والجمالي على هذه الفرضية مما ترتب عليه أن انتقل مركز الثقل من الفعل الواعي الارادي المتغير في الإنسان إلى مبدأ مسبق، يقننن ويفسر ما يطرأ عليه من تغيير".  
لذلك من الطبيعي من أن تتبنى نهاد صليحة مشروع التجريب في المسرح وتكون من طليعة المدافعين عنه لأنه يتفق مع منطلقات خطابها الذي يجعل من المسرح بؤرة تنويرية تضئ المساحات المعتمة التي تعيق وجوده وحضوره في المجتمع من منظور أن المسرح لا وجود له بدون حرية في شقيها الاجتماعي والفني، فرأت أن التجريب"في جوهره هو بحث عن لغة جديدة – بالمعنى الواسع للغة، يتولد عن حاجة تاريخية حضارية ملحة، ويشمل كل المجالات المعرفية، ويتخذ صورة الحركة الجدلية بين المبدع والواقع في ثباته وتغيره من ناحية، وبين المبدع واللغة السائدة الموروثة من جهة أخرى، سواء كانت هذه اللغة أشكالاً فنية أو أبنية فكرية أو نظريات علمية".هذه النظرة المتعمقة لمفهوم التجريب الذي يحمل بين طياته أفكار رولان بارت جعل قرأتها النقدية التي تستعين بمناهج نقدية حديثة للعروض المسرحية بمثابة اضاءات كاشفة للمسرحيين العرب والمصريين على حداً سواء عن الأساليب والأشكال الفنية التجريبية كما في كتابها "عن التجريب سألوني"، أو في دراستها الموجودة في كتابها "المسرح بين الفن والحياة" التي ترصد فيهما، التجريب المسرحي بين الحرية والتبعية، والتجريب المسرحي بين التمايز والتفاعل الثقافي.
وجدير بالذكر أن الحرية التي جعلتها نهاد صليحة قرينة بالفعل المسرحي الحقيقي اتخذتها سلوكاً حاولت تحقيقه في الحقل المسرحي ورؤيتها للقضايا المسرحية وتبنيها للمواقف النقدية المختلفة، فجعلت الناقد المسرحي شكل من أشكال الفاعلية الاجتماعية، ونلمح ذلك في دفاعها عن أي تجربة مسرحية من منطلق أن المسرح حق للجميع لا يجب أن تحتكره مؤسسة واحدة، لذا، قامت بالدفاع عن قضايا المسرح المستقل لتعطي درساً وهو أن النقد لا يمارس وجوده عبر الكتابة النقدية فقط، بل الانخراط في الشأن المسرحي العام والدفاع عن حرية المبدع وحق الأقليات المسرحية ذات التوجه الفني والفكري المغايرفي الوجود.
ثانياً: التجديد النقدي لنهاد صليحة
لقد اخذت نهاد صليحة على عاتقها مهمةالتجديد النقدي في المسرح المصري وتحدد وجودها بذلك، فكانت من طليعة النقاد الذين قاموا باستخدام المنهج السميولوجي والنسوي في القراءات التطبيقية في المسرح، مما جعلها في مصاف النقاد الأكثر تأثيراً في الساحة النقدية المصرية، لأن مشروعها ارتكز على ثلاث استراتيجيات نقدية وهي:
1-التأسيس النظري للتيارات النقدية الحديثة
2-التطبيقات على التراث الإبداعي المسرحي
3-التطبيق على قراءة العروض المسرحية
وكانت لها قراءات كشفت عن تمارسها ووعيها في توظيف المناهج الجديدة ووعيها بالأدوات النقدية الجديدة في قراءة المسرح، ونلمح ذلك في قرأتها النقدية لمسرحية "الفرافير" ليوسف أدريس من منظور سميولوجي وتحليل علامات المسرحية وتبيان شفراتها الدرامية الثقافية، أو تفكيك الخطاب الإبداعي لدى توفيق الحكيم وكشف لا تنويريته تجاه المرأة. ولم تكتف باستخدام الأدوات النقدية بل تمثلتها في أساليب كتابتها النقدية وخاصة في كتابها "المرأة بين الفن والعشق والزواج"، التي تبنت فيه منطق النقد النسوي في الكتابة.
عند تدقيق النظر في فصول الكتاب المختلفة, نجد أن هناك مفهوم أساسي يتسرب بين فصوله المختلفة وهو الاحتفاء بالهامش وإعادة الاعتبار إليه كعنصر ضروري لتأسيس رؤئ جديدة تعيد للنقد المسرحي بريقه المفقود وتوازنه. فانتهجت كتاباتها استراتيجية مزدوجة عن طريق بناء علاقة جديدة بين المسرح والنقد من جهه والنقد والمجتمع من جهة أخرى مستنده على النقد النسوي. واستمرت على هذا النهج فلم تتعمد فيه - نهاد صليحة - تقسيم الكتاب طبقاً للتقسيم الذي رسخه تراث الذكر إلى فصول تتحدث عن موضوع واحد فقط، بل دراسات تتناول موضوعات متعددة يربطها نمط كتابة تنتفي منها سمة الخطية التي ترتب الموضوعات ترتيباً هرمياً، فترى عملية الكتابة ذاتها عملية دائرية في الأساس ومتفاعلة بين عدة عناصر لتسلط الضوء على وضعية المرأة في المجتمع، وترصد تجليات الثقافة الأبوية في المجتمع، وتفتح النقد على اللحظات التاريخية التي شهدت إبدعاً إنسانياً حتى لو كان صادراً من الذكر، لتصل إلى التأكيد على أن ما هو درامي هو ثقافي بالدرجة الأولى. لذلك ترسخ الدراسات المختلفة للكتاب مبدأً أساسياً هو انتهاك الخطاب المعرفي السائد عن طريق الاشتباك مع ما هو مهيمن فنياً وعلاقته بالممارسات الثقافية الراسخة. ونلمح ذلك في الفصل الأول الذي يقرأ مذكرات المطربة "فاطمة سري" ويفككها، حيث تستعرض حياتها في الفن ووضعية كامرأة في العشرينات من القرن المنصرم وزواجها العرفي من محمد بك شعراوي ابن رائدة التنوير هدى شعراوي فاثمر هذا الزواج عن ابنه ودار صراع بين الطرفين لإثبات نسبها، نكشف من خلال ثنايا التحليلات من منظور نسوي منطق هذه العلاقة وأيضاً مأزق الخطاب التنويري لأحد رائدات تحرر المرأة هدى شعراوي حين اقترن عائلها الوحيد بمطربة مسرحية يشار لها بالبنان وكيف تسرب الوعي الذكوري في أفعال هذه الشخصيات وخضعوا جميعاً لمفاهيم المجتمع الأبوي سواء كانت فاطمة سري أو هدى شعراوي وعائلتها وتماثل نظرة أطراف الصراع للفن والمرأة. لم تكتف نهاد صليحة بتفكيك المذكرات من خلال وضعية المرأة بل تعاملت معها كنص سردي إبداعي يحمل بين طياته سمة السيرة الذاتية الإبداعية فتناولت التقنيات السردية التي كتبت بها المذكرات سواء في استعمال ضمائر تترواح بين الأنا والأنت أوطبيعة الزمان والمكان التي تكشف عن الحالات الاجتماعية لفاطمة سري.
إن معظم دراسات الكتاب المختلفة لا تتناول ووضعية المرأة بصورة مباشرة إلا أنها تنتمي لنفس المنحي الذي نذرت نفسها له من بداية الكتاب وهو النقد النسوي. تحاول من خلالها الهجوم على استبداد الذكر وتنميطه لصورة المرأة. ونلمح ذلك في الدراسة الثانية بعنوان "حضور الجسد وغياب الكلمة" حيث تتناول جسد المسرح كفن ادائي، وتهميش دور المرأة والنظرة الشيزوفرانية لها وقامت بتفكيك رسالة موجه من توفيق الحكيم إلى الناقد المسرحي محمود كامل، فإذا كانت الدراسة الأولى تفكك كتابة المرأة عن نفسها، فإن الدراسة الثانية تفكك كتابة الذكر عن المرأة. 
لقد حاولت الدكتورة نهاد صليحة زحزحة الرؤية الذكورية ــــ الأبوية المهيمنة على المسرح، فتم توسيع فكرة الهامش الأنثوي ليشمل هوامش أخرى مثل الهامش الوجودي والنقدي لتثور ثورة معرفية ضد مفاهيمنا التي رسخها الميراث النقدي الذكوري فحاولت التقاط ما تم اهماله والتغاضي عنه لبناء نسق نقدي مغاير، للتاكيد على أن الدراما تحمل بعد ثقافي تمس الشأن العام. فتبدأ الدراسة الثالثة في الحفر تحت مفهوم الأعمال الإنسانية الخالدة بردها إلى سياقتها الثقافية، وتسير على نفس النهج في الدراسة الرابعة وتفكك مفهوم الكوميديا بوصفها فاعلية إنسانية تخلخل الخطاب المعرفي السائد، اما الدراسة الخامسة فتحاول إعادة النظر في المسلمات التقليدية للإرسال والتلقي، كما تحاول إعادة النظر في مفهوم المونودراما السائد. اما الدراسات الثلاثة الأخيرة فتقرأ عروض تطبيقية للذكر/المبدع، فتتعرض لأخر أعمال الراحل سعد أردش وهو عرض الشبكة، والاهتمام بإنتاج إبداعي مهمش وهو المسرح للكاتب أسامة أنور عكاشة وتلقي الضوء على سمات نصوصه، اما الدراسة الأخيرة فتتناول قراءة لعرض ليالي الحكيم للمخرج عمرو قابيل وهو من اوائل العروض التي تنتجها هيئة قصور الثقافة بعد أحداث بني سويف.
ولعل النقطة الثالثة في تجديد النقد لدى نهاد صليحة أنها تعد الرائدة من خلال نقدها في خروج النقد من قاطرة النص ويركب قاطرة العرض المسرحي، والاهتمام بظاهرة العرض المسرحي 
ثالثاً: إقامة الحوار النقدي مع الآخر
مكثت نهاد صليحة فترة طويلة في انجلترا منذ اواخر الستينيات حتى الثمانينات، كما أن دراستها في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة، اتاح لها الاحتكاك بالآخر الغربي، فلم تقم بدور التابع للثقافة الغربية، ولم تدور في فلك عالم يؤسسه الآخر الغربي، بل حاولت إقامة حوار معه من منظور أن لكل ثقافة مسرحها النابع من شروطها الاجتماعية. لذا، قامت بتعريف القارئ العربي والمصري بالآخر الغربي عبر الكتابة عن بعض العروض المسرحية الغربية في كتابيها "أمسيات مسرحية" و"المسرح عبر الحدود". كما أنها قامت بالكتابة للقارئ الغربي مباشرة لتعريفه بالمسرح المصري والعربي من خلال مدوامتها للكتابة في جريدة "الأهرام ويكللي" التي تصدر باللغة الانجليزيةعن التجارب المسرحية المصرية والعربية التي تنتمي للإتجاهات المسرحية المختلفة ودون تمييز تجاه عن آخر، ومن خلال هذه الصحيفة فتحت نافذة يطل العالم منها على المسرح العربي والمصري اكتسبت من خلاله جمهوراً من شتى الجنسيات.
كما أن اجادتها التامة للغة الإنجليزية جعلها تخوض غمار الترجمة للكتب النقدية الغربية،  مثل كتابي "نظرية العرض المسرحي" لجوليان هيلتون و"الفنون الأدائية وما بعد الحداثية" لنك كاي، وتماشى الكتابان مع مشروعها الفكري الذي حاول الاهتمام بظاهرة العرض المسرحي فأحدثت نقلة معرفية في حقل الدراسات النقدية والقراءات التطبيقية في مصر والوطن العربي.
لقد كانت نهاد صليحة بكتابتها أحد جسور التواصل بين العرب فقامت بتعريف القارئ المصري بالتجارب المسرحية المختلفة في كافة أرجاء الوطن العربي من أجل تواصل منتج فعال. 
في النهاية، إن مشروع نهاد صليحة النقدي، لم يكتف بالتنظير للمسرح وبلورة المصطلحات الجديدة الفعالة، وتجديد الأدوات الفكرية وحسب، وإنما تجاوز كل ذلك إلى التفكير بإمكانية تغيير المسرح الواقع عملياً، لكي يصبح أكثر عدالة وأكثر حرية. حق المسرح لمن هم محرومون منه تاريخياً لم تقل نهاد أن هناك نموذج فني أفضل من آخر كل ما حاولت فعله هو تعرية لأسس وجود المسرح في الثقافة المصرية والكشف عن وجهها السالب الذي هو جزء لا يتجزأ من وجهها (الموجب)، وأن الظاهرة المسرحية تتحقق في العروض الحية بعيداً عن النظريات والنصوص والكتب. لقد اخلصت نهاد صليحه في حبها للمسرح حتى في اصعب لحظاتها الصحية كانت تسال عن العروض المسرحية الجديدة، وبرحيلها يفقد المسرح المصري والعربي اهم مخلصيه وأحد سفراءه الذين قاموا بدور بارز في تعريفهما للعالم.
 
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون