من عروض المسابقة الرسمية لايام قرطاج المسرحية: العرض الاردني " منظر طبيعي":الوحدة والعزلة لشخصيات مسكونة بالذكريات الممزوجة بالسعادة والالم.
2021 ,22 كانون الأول
 
رسمي محاسنة: صوت العرب: تونس.
مسرحية"منظر طبيعي" للمخرجة "دلال فياض" ونص الكاتب الالماني"هارولد بنتر" مثلت الاردن في الدورة 22 لايام قرطاج المسرحية بتونس.
العرض يفتح على زوجين ،من اللحظة الاولى يحس المتلقي بحالة من عدم التواصل بينهما،حيث خطوط الاضاءة تحاصر الشخصيات، وبعض الاشارات الدالة على المحيط الخارجي،التي تزيد من حالة الاحتقان والاغتراب، رغم ان الحوار بين الزوجين في معظمه عن هذا الخارج"شاطيء البحر، الحانه...."،الا انه حديث ذهني،اقرب الى التهيؤات او اختلاق الاحداث، وفي العمق نافذه مصممة بالضؤ، تبقى مغلقة طيلة العرض.وحفرة بينهما بانتظار لحظة سقوط احدهما او سقوط الاثنين.
حوارات كلما تقدمت الى الامام، كلما تباعد الزوجان، الى ان يصلا الى طريق من الصعب ان يلتقيا، بعد او وضعا نفسيهما في خطين متوازين.
خط يمثل الواقعية التي يجسدها الزوج" بكر الزعبي" في معظم حواراته، وخط الوهم والعيش في عالم متخيل تمثله الزوجة"دلال فياض"،وبالتالي فان المخرجة صممت فضاء يعكس دواخل الشخصيات التي تعيش على طرفي نقيض.
تداعيات، واستدعاء ذكريات،وحوارات منفصلة غير مشبعة،اتهامات وتهيؤات،لزوجين عاشا طويلا مع بعض، وهما على مشارف سن اليأس،في منولوجات لاتتوقف،لكنها كلها تذهب في الفراغ، فلا احد يسمع الاخر، ونحن امام منظر طبيعي،جامد وثابت، وقابل لقراءات ،ومفتوح على التأويل،فالثبات هنا يزيد من الهوة،ويباعد المسافات بينهما،ويبدو ان هذه الحوارات هي روتين يومي، فقد قدرته على التاثير،في محاكمة يومية،لاتقدم الدلائل، ولاتحتمل اصدار الاحكام، لانهما اصلا لايسمعان بعضهما البعض.
تستمر مناوشات الماضي بالحاضر،الزوجة بما تعيشه في مخيلتها، والزوج بما يحاول به استعادة الزوجة الى الحاضر، وان تضع قدميها على الارض،لكن الحياة والايام تتحول الى وتيرة واحده، لاجديد فيها،بل يزداد التباعد، والوحده،ولا شيء سوى الفراغ البارد الذي حبسته المخرجة بين جدران خطوط الاضاءة،وفراغ في الداخل فقد كل "ممكنات" التواصل،او الاسترجاع الحقيقي لحياة اصبحت تقف على مشارف اليأس.
هذا الاقتصاد في ادوات المسرح من ديكور واكسسوارات،جعل فضاء المسرح متماهيا مع حوارات ودواخل الشخصيات، بهذا الفراغ والبرود المخيف،والانعزال عن كل ماهو بالخارج، وحتى هذا الخارج من شاطيء وحانة واشخاص،هي ليست الا تماديا في حالة التشظي والشروخ والانهيارات العشوائية في دواخل الزوجين.
اختارت المخرجة"دلال فياض" بناء رؤيتها الاخراجية بتقديم معادل بصري للنص الذي التزمت به،فكان هذا التدفق في الحوارات والثرثرة والقسوة والمفردات النابية احيانا،لان لا احد يسمع الاخر،ولا صدى لكل هذه التداعيات،لان كل واحد يتمترس خلف مشاعرة،وتذهب في الفراغ كل محاولات الزوج لبث الروح في العلاقة التي وصلت الى طريق مسدود حد العبث.
موسيقى"عبدالرزاق مطرية"، كانت حاضرة في العرض،بدلالاتها التي كانت تعكس احساس الشخصيتين،وتعبيء لحظات الصمت بينهما،ليس بهدف اخذ وقت مستقطع من الهذيان،انما استمرار وتصعيد لحالة الفصام،وسد منافذ التواصل بينهما.
الاداء الواعي لشخصية الزوج" بكر الزعبي" الذي كان يكسر "المونوتون"بحركاته،ليحافظ على الايقاع العام للعمل،ويعمّق التواصل بين الجمهور والخشبة،وتلوين الاداء،ومحاولاته لخلق نقطة التقاء مع الزوجة بلا جدوى،وقدرته على التعبير عن الحالة التي وصل اليها،في استذكار ذكريات بينهما، او اختلاق حالات لاستفزاز الزوجة، والعنف اللفظي الذي كان يجد نفسه مجبرا عليه، ليخفف من وطء حالة الغليان في داخلة.
الفنان"بكر الزعبي"، اضافة حقيقية للدراما الاردنية،منذ عودته وظهوره في فيلم"رسالة قيد التسليم"،وحضورة اللافت في مسرحية"منظر طبيعي".
المخرجة والممثلة"دلال فياض" التي اقتحمت منطقة ليست بالسهلة، باختيارها نص "هارولد بنتر"هذا النص الشعري، الذي يعتمد على الجوانيات، فكان هذا الاداء المنسجم مع طبيعة الشخصية في "رومانسيتها..او هشاشتها او تهويماتها"، اداء مدروس ومقتصد بالانفعالات.
ووظفت المخرجة "دلال"سينوغرافيا العرض بحيث اطلقت العنان للمشاعر واحاسيس اللحظة الراهنة، او تلك التي تم استدعاؤها من الماضي،، فكان عرضا ادخل المتفرج في لعبة لا تلتقي فيها الشخصيات،مع كسر اللحظات القاتمة والرتيبة،بمواقف كوميدية.حتى لحظة المشهد الاخير الذي يعيدنا للمربع الاول،في تساؤل مفتوح على الاحتمال والتأويل.
 
2023 © جميع الحقوق محفوظة - صوت العرب للسينما والثقافة والفنون